ثمة أسئلة مشروعة كما طرح بعضها المفكر إدوار سعيد، لماذا يحرم الفلسطينيون من حقوقهم المشروعة بسبب جرائم ارتكبت بحق اليهود في أوروبا ولا ذنب للفلسطينيين بها؟

وإذا كان الوضع القائم في الأراضي المحتلة تجاوز هذا السؤال منذ زمن، بقي هناك من يطرح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على النحو الذي فعله د. حسن البراري، كبير الباحثين في المعهد الأميركي للسلام في واشنطن، إلى متى ستبقى القوة المفرطة تضمن أمن «دولة إسرائيل الكبرى»؟ وهل سيبقى كل طرف حبيساً لرقصة الموت؟

Ad

حل الدولتين لم يعد متاحاً، نظراً لتناقص المساحة المتاحة لإقامة دولة للفلسطينيين، وبحسب تعبير صاحب كتاب «مئة عام من الصراع» فإن إسرائيل لن تخلي المستوطنات التي حولت الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى قطعة من الجبن السويسري، فيها الكثير من الثقوب والقليل من الجبن. تم دفن حل الدولتين لعدة أساب منها:

1- وجود أكثر من 700 ألف مستوطن يهودي في الضفة والقدس.

2- انقسام فلسطيني بين حماس والسلطة.

3- انزياح السلطة والمجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المتشدد بسبب الهواجس الأمنية.

4- تراجع الدعم والتأييد العربي للفلسطينيين بعدما تحولت إسرائيل إلى حليف لعدد من الدول الوازنة في المنطقة العربية، رافق ذلك انتقال في مركز الثقل في السياسة العربية إلى منطقة الخليج والتي أوشكت أن تنهي المقاطعة «للكيان المغتصب» وتمنحه الشرعية.

5- الدور السلبي الأميركي كونه وسيطا غير نزيه.

وكما يعرض الدكتور البراري في كتابه الصادر حديثاً عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في الأردن، فقد بات واضحاً أن حل الدولتين سقط بالضربة القاضية، خاصة التوسع الاستيطاني، فما زال الجانب الإسرائيلي يخلق دافعاً جديداً كل عام، وما زال الشعب الفلسطيني بعيداً عن توحيد الصفوف، وهنا تطرح السيناريوهات البديلة التالية:

السيناريو الأول: سيناريو الانحراف وفيه يستمر الوضع القائم، حكم ذاتي محدود جداً، يرافقه إحكام إسرائيل قبضتها على المسائل الأمنية مع الاستمرار في التوسع الاستيطاني.

السيناريو الثاني: تحويل المنطقة الجغرافية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط إلى دولة واحدة فيها عدد أكبر من الفلسطينيين، فكرة هذا الحل تستند إلى أن يؤدي الأردن دوراً بارزاً في الضفة الغربية وتحتفظ إسرائيل بقدر كبير من الأراضي الفلسطينية، أما الفكرة الثانية تقول بأنه لا توجد حكومة إسرائيلية قادرة على إخلاء المستوطنات، والفكرة الثالثة في هذا السيناريو، انسحاب إسرائيلي من 97% من أراضي الضفة الغربية سيكون له عواقب أمنية لا يمكن التعايش معها، والفكرة الرابعة تفيد بأنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن الوثوق به بحسب ادعاءات إسرائيل، وأخيراً ما يخص القدس، فإسرائيل لن تتخلى عن المسجد الأقصى والفلسطينيون لن يقبلوا بغير ذلك.

السيناريو الثالث: إقامة كونفدرالية فلسطينية– إسرائيلية، يقضي ذلك أن تضم إسرائيل الضفة والقطاع من خلال منح مواطنة تامة لكل الفلسطينيين في هذه الأراضي وتصبح البقعة الجغرافية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن دولة لكل مواطنيها، اليهود والفلسطينيين على حد سواء (اليمين الحاكم يرفض هذه الفكرة ويعتبرها نهاية الحلم الصهيوني).

السيناريو الرابع: طرد الفلسطينيين من أراضيهم، وإقامة وطن بديل لهم في الأردن، طبعاً الأردن يرفض تماماً هذا الطرح، لذلك هناك خياران أمام إسرائيل: دولة واحدة يحكمها الفلسطينيون أو دولة تحكم فيها الأقلية اليهودية الأغلبية الفلسطينية، والخياران كلاهما أسوأ من الآخر بالنسبة إلى الإسرائيليين.

تغيير المعادلات بين طرفي الصراع لم يعد حصراً داخل الأراضي المحتلة الفلسطينية، بل تعداها إلى المحيط العربي والخليجي وهو الأخطر، فالقضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى التي بقيت منذ عام 1948، وإلى مؤتمر القمة العربي للسلام في بيروت خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه أو المساومة عليه، وإسرائيل لم تعد تشكل أي تهديد للأمن القومي العربي في عصر نتنياهو كما يروج له، بل على العكس صارت حليفا أساسيا بالدفاع والمشاركة عن الأمن القومي العربي، وهنا تكمن المأساة!

ملاحظة: هذا المقال كُتب قبل (الحرب بين غزة واسرائيل) بأربعة أيام.