الأردن في «قلب العاصفة» السورية
أكثر المتضررين من بقاء «حروب الآخرين» على الأرض السورية وحرب «الدولة السورية ضد الآخرين» هو الأردن ولبنان بحكم الموقع الجغرافي، فالأردن استقبل نحو 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري 12% منهم في مخيمات أقيمت خصوصاً لهم والبقية يتوزعون في أنحاء المملكة، وهذه أعلى نسبة من اللاجئين مقارنة بعدد المواطنين.
عبء كبير يتحمله الأردن وفي بلد يعاني ضعف مداخيله وموارده نتيجة الأزمة الطاحنة والمنفلتة في سورية، أضيف إليها أخيراً عمليات تهريب المخدرات، وبالأخص الكبتاغون، حيث باتت تشكل تهديداً مباشراً للأمن الوطني، لكن الأردن لم يقطع شعرة معاوية مع السلطات السورية، بل كان من المنادين بعدم مقاطعتها وإعادتها إلى الحضن العربي، لذلك أقدم على ما يُعرف بـ «المبادرة الأردنية» التي تبنتها جامعة الدول العربية للتواصل مع حكومة الرئيس بشار الأسد.
كان صوت الأردن عالياً وداعماً للتقارب السوري العربي، وبعد خمسة أشهر من رفع «غصن الزيتون» لبشار والاتفاق على خمسة بنود وفق قاعدة «خطوة بخطوة»، أي مقابل كل خطوة تخطوها الحكومة السورية يبادلونها بخطوة إيجابية في حال التزمت بتنفيذ وعودها.
فماذا حصل بعد ذلك؟
المراقبون المحايدون أجروا جردة حسابية لما قامت به الدولة السورية تبيّن لهم أن دمشق لم تفعل شيئاً حتى قيل إنها هي من «قتلت المبادرة العربية»، وزادت عمليات تهريب الكبتاغون وبوتيرة عالية جداً بحيث لا يمر أسبوع إلا ويعلن الجيش الأردني إسقاط «طائرة الدرون» محملة بالمخدرات فوق أراضيه، وهذا الطريق الذي سلكته السلطات السورية جعلت من أراضيها «دويلة مخدرات».
الآن وفي ضوء تلك المعطيات، ظهرت نقاشات وتحليلات من منابر محسوبة على السلطات السورية وأخرى معارضة لها، والسؤال، من المتسبب بـ «الموت السريري» للمبادرة العربية؟
كانت عمان وإلى اللحظات الأخيرة من المتحمسين لإعادة تأهيل الأسد، لكن دمشق لم تتقدم خطوة إلى الأمام، وبحسب محللين يعملون في مراكز أبحاث عربية وأجنبية، يعتقدون أن الدولة السورية قادرة على إيقاف التهريب، لكنها غير راغبة فيه الآن، لأنها لم تحصل على الثمن الموعود، فهي لم تجد الحافز المشجع على ذلك، والمستفيدون من هذه التجارة كما يتحدث أحد العارفين هم «جماعة ماهر» وأطراف أخرى، مافيات زائد قوى داخل المؤسسة الأمنية وأجهزة المخابرات.
تصريح الرئيس الأسد كان واضحاً بالرد على تلك الاتهامات وفي حديثه إلى «سكاي نيوز» عربية، بقوله: «مشكلة الكبتاغون في سورية تقع على عاتق الدول التي ساهمت في الفوضى وليست الدولة السورية»! أي أنه تهرّب من تحمّل أية مسؤولية، ورمى الكرة في ملعب دول ساهمت وتسهم بالحرب في سورية؟
أيمن الصفدي قالها صراحة «إعلان عمّان ما زال بمجمله حبراً على ورق» ولم ير لا المجتمع العربي ولا الدولي أي خطوات ملموسة، في حين نقلت صحف مقربة من دمشق أن فيصل المقداد لم يُبد تجاوباً، بل دعا وزراء خارجية «اللجنة الخماسية» الطلب من الغرب برفع الحصار عن سورية بدل أن يطالبوها بتقديم تنازلات ترضي الغرب؟
بعد كل ذلك، يمكن طرح الأسئلة التالية: هل الحكم السوري راغب فعلياً في تنفيذ بنود المبادرة الأردنية - العربية؟ وما الثمن الذي يتوقع أن يجنيه من المصالحة مع العرب ولم يحصل عليه؟ ومن القوى المانعة من داخله وتقف ضد هذا التوجه؟ أم أن المسألة برمتها المماطلة واللعب على عامل الوقت والزمن؟