«المحدال» في اللغة العبرية تعني التقصير، وهو عنوان لكتاب ألّفه مجموعة من المراسلين العسكريين وضباط الاحتياطي الإسرائيليين بعد حرب أكتوبر، أو حرب العاشر من رمضان كما تُعرف في مصر، أو حرب تشرين التحريرية كما تعرف في سورية، أو حرب يوم الغفران كما تعرف في إسرائيل، اعترفوا فيه بالتقصير الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي في تلك الحرب المفاجئة التي شنتها مصر وسورية على المحتل الإسرائيلي في السادس من أكتوبر 1973، ليُفاجأ فيه الجيش الإسرائيلي بعبور الجيش المصري قناة السويس، وكانت كارثة حقيقية كادت تودي بالدولة الصهيونية.
المحدال الثاني أو التقصير الثاني كان في 7 أكتوبر 2023، وهو تقصير لا يمكن تفسيره بعد توغل جوي وبري وبحري فلسطيني، وقصف صاروخي عنيف فوجئت به مواقع عسكرية محصنة ومستعمرات صهيونية في الجنوب الإسرائيلي، مما أوقع بين صفوفهم المئات من القتلى والجرحى وعددا كبيرا جدا من الأسرى في المقاييس الإسرائيلية.
الهجوم المفاجئ هز الكيان الإسرائيلي، وكانت ضربة مؤلمة جداً لعنجهيتها وتنمرها على أصحاب الأرض العزّل، وكان رداً قاصماً لتماديها في إذلال الفلسطينيين ببناء المستعمرات على الأراضي الفلسطينية، وزادتها بانتهاكاتها المتكررة للمقدسات الإسلامية تحديدا.
نجح هجوم «حماس» المفاجئ والقصير على الإسرائيليين، وبقي علينا أن نعرف الآن من المستفيد من هذا الهجوم ومن المتضرر، وباسم من سيجير هذا النجاح القصير الأمد، وماذا سيحصل بعده؟ فنخبة مقاتلي «حماس» إما استشهدوا، أو أسروا، أو عادوا إلى غزة، وما حصل بعده كان متوقعا، حتى أننا لم ننتظر طويلا حتى بدأ الثأر الإسرائيلي الوحشي بالصوت والصورة.
غزة الآن تواجه تدميراً وحشياً ممنهجاً وإبادة لمن لم يرحل، غزة الآن تحت حصار حديدي، وسكانها يواجهون وحدهم عقاباً جماعياً، بعد أن تم قطع الماء والكهرباء والغاز عنهم، وكأن إسرائيل تنتظر هذه الفرصة الذهبية لتنفيذ مآربها، فقد بدأوا يعلنون نيتهم مسح قطاع غزة من الخريطة وتهجير أهلها الى صحراء سيناء، وهي أمنية ورغبة إسرائيلية قديمة، بدأت مراحلها بقيام إمارة «حماس» الانفصالية، وستنتهي بلا إمارة وبلا غزة.
الشعب الفلسطيني هو المتضرر الأول والأخير، لأن هذا الهجوم قد يضيع عليه التحرك السعودي المشروط لمصلحته، فهم الآن من يتلقون عقاب ما قامت به «حماس»، فمعظم دول العالم وقفت ضد الهجوم الحماسي، وهناك دول جمّدت مساعداتها لهم، وهو أمر متوقع منذ بداية الهجوم الحماسي، فنتمنى ألا يتحفنا إسماعيل هنية ويكرر علينا ما قاله حسن نصرالله مبرراً فعلته في حربه المسرحية مع إسرائيل بأنه لم يتوقع رد إسرائيل العنيف والمدمر على لبنان.
فهل هناك من جّر رِجل «حماس» لمعركة غير متكافئة مع إسرائيل معلومة النتيجة ومتوقعة ردود أفعالها؟ ومعروف المستفيد منها؟ هل هي مؤامرة ضد فلسطين والشعب الفلسطيني، والعرب عامة، علم بها إسماعيل هنية أم لم يعلم؟ وهل كانت «حماس» أداة تنفيذ تلك المؤامرة؟ فزيارات قيادات حماس المكوكية الى إيران معلنة، وتصريحات القادة الإيرانيين عن ولاء «حماس» لها هي محط فخر لهم، وتأكيد هنية للرئيس الإيراني بأن حربه مستمرة توحي التزامه تجاهه.
كاتب عربي قال معلقاً: ما إن اقتربت المملكة العربية السعودية من تطبيع عربي مشروط مع إسرائيل، وذلك بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967، وفق مبادرة الملك عبدالله عام 2002، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، الى جانب حصول السعودية على برنامج نووي وأسلحة نوعية، منها طائرات (إف 36)، والتخلص من أذرع إيران الإجرامية في الشرق الأوسط، حتى حُرِّكت حماس للقيام بإجهاض ما تم التوصل إليه في حربها القصيرة على إسرائيل، لقطع الطريق على أي تفوق سعودي - خليجي.
ولا بدّ أن الجميع توقع أن تقوم إيران بدفع عميلها حسن نصرالله لبدء حرب على شمال إسرائيل، ولكن، حتى كتابة هذه السطور، يبدو أن إيران اكتفت بمناوشات هنا وهناك لحفظ ماء وجهها، وتركت الفلسطينيين يواجهون مصيرهم المؤلم وحدهم بعد أن خدعوا «حماس»، أما الواضح فالهجوم الحماسي قد أفاد إسرائيل أيما فائدة، فقد بدأت الأسلحة والأموال تنهال عليها، والعالم الغربي، وحتى غيره، لن يلوم إسرائيل على ما ستفعله بالفلسطينيين في الأيام الحالكة القادمة.
المتضرر الوحيد الشعب الفلسطيني، أما المستفيدون فإسرائيل التي لن يكون في مصلحتها أبدا التطبيع حسب الشروط السعودية، وإيران التي بالتأكيد لن يكون من مصلحتها أي استقرار عربي.