يحتفل بنك الكويت الوطني بمرور 70 عاماً على تأسيس الصرح المصرفي الشامخ، وذكرى مسيرة خير ونماء بدأها رجالات الكويت الأخيار، وتسلم الراية من بعدهم كوادر وطنية ساروا على الدرب متمسكين بما رسخه الآباء المؤسسون من قيم الالتزام بمسؤولياتهم تجاه المجتمع، فأكملوا المسار ورسموا تاريخاً يزخر بالمواقف الناصعة والأدوار الوطنية البارزة، ومهدوا درباً تملأ جنباته النجاحات لجيل قادم يحمل ثقافة لا تعرف نهاية للطريق سوى الوصول إلى الهدف ليتقلد قيادة «الوطني» الذي أصبح منارة مصرفية يهتدي القاصي والداني بما تقدمه من سياسات مالية رصينة وحصافة في إدارة الأزمات.
وبهذه المناسبة، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عصام الصقر: «نستلهم من قصة تأسيس البنك ومسيرته الممتدة على مدى عقود روح المسؤولية الوطنية، ونستقي الدروس المستفادة من كل التفاصيل المتعلقة بالتأسيس، وما مر به البنك خلال 70 عاماً من نجاحات وأزمات، وكيف استطاع أبناء «الوطني» تجاوز التحديات والأوقات العصيبة». وأضاف الصقر أن «تأسيس «الوطني» قبل سبعة عقود كان بمنزلة محطة فارقة في تاريخ الكويت، وبدء الاستقلال الاقتصادي الذي مهد فيما بعد لاستقلال البلاد»، مؤكداً أن البنك دائماً كان شريكاً فاعلاً وحاضراً بقوة في عصر النمو والازدهار بعد تصدير النفط، إذ ساهم في تأسيس الشركات الوطنية الرائدة بكل قطاعات الاقتصاد، وقدم التمويل اللازم لإطلاق المشاريع التنموية والبنية التحتية.
وأكمل: «لم يقتصر دور «الوطني» في الازدهار والرخاء، وإنما كان دوره أكثر أهمية في الأزمات التي استطاع أن يتخطاها جميعاً، ويخرج منها أقوى وأكثر بريقاً، ولم يكتف بذلك بل يقدم المساعدة للمؤسسات الحكومية والعملاء من الأفراد والشركات، ويعزز جهود المجتمع المدني في التصدي لتداعيات الأزمة»، لافتاً إلى أن «الوطني» استطاع أن يقدم نموذجاً يحتذى في ضرورة التزام القطاع الخاص بالمسؤولية تجاه المجتمع على صعيد العمل الخيري، وما قدمه من استثمارات مجتمعية هائلة على مر السنين، وتدريب الكوادر الوطنية من أجل تأهيل أجيال قادرة على تحمل المسؤولية ومواصلة النجاح.
مطلب شعبي
وسرد الصقر قصة التأسيس، وبدأها بظروف ما قبل فتح البنك أبوابه، حيث سيطر البنك الإمبراطوري البريطاني على العمل المصرفي بالكويت طوال 10 سنوات، ولم تكن خدماته مُرضية للكويتيين، كما لم يعلن عن أرباحه ولم تكن له أية مساهمات مجتمعية.
وتطلع الكويتيون إلى بنك وطني يساهم في تمويل التنمية وتسهيل التجارة ويحفظ أموالهم وتعود أرباحه إلى الكويتيين، وقد نشر الطلبة الكويتيون المبتعثون للقاهرة بعض الأفكار في ذلك الشأن بمجلة البعثة. وجاء رفض تقديم البنك الإمبراطوري اعتماداً لمصلحة خليفة خالد الغنيم «كالقشة التي قصمت ظهر البعير»، وتطورت من بعدها الأحداث، حيث أجمع التجار أمرهم على تأسيس بنك وطني، وما كان من الأمير الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، سوى الموافقة وتقديم الدعم الكامل.
شراكة فريدة
التقى نخبة من تجار الكويت الشيخ عبدالله السالم، وناقشوا معه تأسيس بنك وطني كشركة مساهمة، ووجدوا منه كل ترحيب والتجار هم:
تجربة ناجحة
ويرى الصقر أن نجاح تجربة «الوطني» يرجع إلى مجموعة من العوامل، أبرزها تزامن تأسيس البنك مع بدء ترسية قواعد دولة حديثة تحتاج إلى مؤسسة مالية وطنية، حيث إن هناك حاجة ملحة لوجود بنك وطني لتلبية احتياجات المواطنين والتجار والدولة، وبينما زادت السيولة لدى الدولة والأفراد عن طريق إيرادات النفط والتثمين، احتاجوا إلى مكان يثقوا به لإيداع أموالهم. وبعد تصدير النفط، شملت تلك النهضة كل المجالات، وكانت هناك حاجة لبنك وطني في ذلك الوقت يقدم خدمات التمويل وباقي الخدمات المصرفية اللازمة، وعزز نجاح التجربة أيضاً تعاون «الوطني» مع مجلس الإنشاء والتعمير الذي أنشئ عام 1951م، كما قدم الخدمات المصرفية والتمويلية للشركات الأجنبية العاملة في الكويت.
دور وطني
وأكد الصقر أن البنك كان له دور وطني تزامن مع تأسيس دولة الكويت الحديثة، فعلى مستوى الدولة، قام «الوطني» بتمويل مشاريع البنية التحتية في كل المجالات، التي انطلقت بوتيرة سريعة وقتها. وعلى صعيد النشاط الاقتصادي، ساهم البنك في تمويل العديد من الشركات الحكومية والخاصة وتقديم الاستشارات المصرفية والاستثمارية، وأصبحت تلك المؤسسات رائدة في قطاعاتها حتى الآن.
كما فتح «الوطني» باب العمل أمام المواطنين في القطاع الخاص، وساهم في نشر الثقافة المالية بين كل أطياف المجتمع، ومن أبرز أدوار الوطني أنه قدم نموذجاً لكل المؤسسات الناشئة وقتها فيما يخص التنظيم المؤسسي وكيفية أداء الدور الوطني والمجتمعي.
أيقونة الحي المالي
وعن قصة المقر الرئيسي، قال الصقر، إن بنك الكويت الوطني فتح أبوابه في 15 نوفمبر 1952 من خلال أول مقر بالشارع الجديد (شارع عبدالله السالم حالياً)، في مدخل الشارع الشمالي مقابل الجمرك البحري، وكان عبارة عن 3 دكاكين متلاصقة.
وأضاف: «مرت سنوات قليلة وأردنا التوسع، وتقدمنا بطلب تخصيص أرض، وانتظرنا سنوات بعدها لنحصل على الأرض ونبدأ البناء في 1961، وفي مطلع أبريل 1963 تم افتتاح المقر الرئيسي الجديد للبنك وقتها في شارع عبدالله السالم، وكان عبارة عن مبنى كبير متعدد الأدوار يناسب التوسع في الأعمال وعدد الموظفين وطبيعة ما يقدمه البنك من خدمات». واستطرد: «واليوم، يمكنك أن ترى المقر الرئيسي الحالي للبنك أحد معالم الحي المالي في قلب العاصمة، ونموذج يحتذى في المباني الخضراء الحديثة التي تطبق أحدث معايير الاستدامة البيئية وتوفير أفضل بيئة عمل ممكن لموظفينا».
ريادة ممتدة
ومنذ صدور المرسوم الأميري في 19 مايو 1952م استغرق البنك 7 أشهر في عملية التأسيس، وبدأ تقديم خدماته في نوفمبر من نفس العام، ويقول الصقر عن تلك الخدمات التي يقدمها البنك «إنها كانت بسيطة إذا نظرنا لها اليوم لكنها كانت أساسية وتمثل تطوراً كبيراً وقتها».
وأشار إلى تركز عملاء البنك في بداية البنك بالدوائر الحكومية والتجار وبعض الأفراد، وقدم البنك لهم خدمات عدة، مثل فتح حسابات، وإجراء تحويلات مالية بالعملات الرئيسية، وهي الروبية الهندية والجنيه الإسترليني والدولار الأميركي، وفتح اعتمادات مستندية.
وأضاف: «وعلى مدى سنوات طويلة، ظل الوطني حريصاً على تقديم أحدث الخدمات لعملائه، وهو ما ساهم في حفاظنا على ريادتنا المصرفية الممتدة عبر عقود من الزمن، وانعكست اليوم على تقديمنا أحدث الخدمات المصرفية الرقمية وأكثرها تطوراً».
توجه قومي
وعن دعم بنك الكويت الوطني للقضايا العربية، أوضح الصقر أن الفترة الممتدة من الخمسينيات إلى السبعينيات سيطر عليها حس قومي عالٍ جداً على المستوى الشعبي والرسمي، وقد انسجم «الوطني» مع ذلك التوجه بصفته جزءاً من المجتمع.
وساهم «الوطني» في دعم العديد من القضايا العربية الكبرى، مثل التبرع لمصر بعد العدوان الثلاثي عليها سنة 1956، والتبرع للجزائر إبان فترة الاستعمار الفرنسي، كذلك التبرع لمصر بعد حرب 1967، بالإضافة إلى مناصرة ودعم العديد من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
توسع إقليمي
وضمن ذلك التوجه القومي، جاء تقديم التمويل والدعم للمؤسسات المالية العربية ودعم الاستقلال والتطور الاقتصادي للدول العربية، حيث ساهم «الوطني» في تأسيس بنك دبي المحدود عام 1963، كما ساهم بنسبة كبيرة من رأس المال وتأسيس بنك الريف في بيروت عام 1965، وكذلك قدم قرضاً للبنك المركزي المصري بقيمة 9.5 ملايين دينار عام 1966.
وعلق الصقر قائلاً: «تحولت استراتيجية الوطني بعد ذلك إلى العمل بالدول العربية والانخراط في نظامها المصرفي وتمويل التنمية الاقتصادية في تلك البلدان من خلال التوسع خارج الكويت حيث نتواجد اليوم في عواصم عربية أبرزها القاهرة والرياض».
محطات بارزة
وعن أبرز المحطات الرئيسية التي كان للوطني دور بارز في دعم الاقتصاد الوطني، أكد الصقر أن تأسيس بنك الكويت الوطني كان بداية للاستقلال الاقتصادي، وتأكيد جاهزية الكويت للاستقلال السياسي عن بريطانيا، وأن الكويت قادرة على إدارة شؤونها المصرفية داخلياً وخارجياً.
وأوضح أن «الوطني» قام بدور البنك المركزي وشارك في استبدال العملة المتداولة في الكويت مرتين، الأولى عند استبدال الروبية الهندية بأخرى جديدة في 1959، والثانية عند استبدال الروبية بالدينار الكويتي سنة 1961.
وبداية من فترة الستينيات حتى نهاية الثمانينيات، كانت حقبة ازدهار ونمو، وقد أدى البنك دوراً بارزاً في دعم الاقتصاد الكويتي في ذلك الوقت، من تقديم التمويل وإطلاق أحدث الخدمات المالية وحلول الدفع وتسهيل العمليات التجارية مع بقية دول العالم.
وأضاف: «امتد ذلك الدور الوطني حتى يومنا فنحن اليوم أكبر ممول للمشاريع التنموية ومشروعات البنية التحتية في البلاد، كما نستحوذ على 75% من تعاملات الشركات الأجنبية في الكويت».
أكثر بريقاً
وأكد الصقر أن «الوطني» دائماً ما يخرج من الأزمات أكثر بريقاً وبدايةً بأزمة المناخ 1982، حيث امتنع البنك الوطني عن إقراض المواطنين المراهنين على أسهم شركات سوق المناخ، لرؤية البنك أن السوق الذي يعمل بتلك الطريقة لن يستمر، وستحدث أزمة حذر منها كثيراً، لذلك كان «الوطني» البنك الوحيد الذي لم يتأثر بانهيار السوق، كما دعم جهود الحكومة بالمساعدة في تحصيل الشيكات والتعاون مع شركة المقاصة.
وإبان الغزو عام 1990، كان استمرار عمل «الوطني» من لندن رمزاً على الصمود في وجه الاحتلال والتمسك بسيادة الكويت، إلى جانب دعمه المواطنين المقيمين في الخارج وتقديم مبالغ مالية لبعضهم، بالإضافة إلى مرحلة الإعمار بعد انتهاء الغزو وتدبير أكبر قرض في المنطقة وقتها لصالح الحكومة بقيمة 5 مليارات دينار.
وأشار إلى ما كتبته جريدة Financial Times وقتها عن عمل إدارة البنك من لندن وفريق العمل بالكويت: «لأول مرة في التاريخ يستطيع جسدٌ مبتورٌ من رأسه أن يجعلَ كل أطرافه تعمل بتناسق وفعالية».
أما في الأزمة العالمية عام 2008 فلم يتعرض «الوطني» لحجم الخسائر التي أصابت باقي البنوك، وأثبت نجاح استراتيجيته المتعلقة بحصافة إدارة المخاطر وتنويع إيراداته جغرافياً وقطاعياً، وهي السياسة التي توارثتها أجيال الوطني، ونلتزم بها حتى اليوم، وأثبت البنك في الأزمة أنه يخرج أقوى من الأزمات. وأخيراً خلال جائحة كورونا، التي أكدت صلابة «الوطني» في مواجهة الأزمات وأبرزت قدرته الفائقة على دعم جهود الدولة في الأوقات الاستثنائية، حيث ساهم البنك في مبادرتي بنك الكويت المركزي بتأسيس صندوق بقيمة 10 ملايين دينار، وكذلك وقف اقتطاع أقساط القروض. وبشكل منفرد قدم البنك تبرعات عينية متنوعة أبرزها تبرع لجمعية الهلال الأحمر بقيمة مليون دينار.
نموذج يُحتذى
وأضاف الصقر: «مسؤوليتنا تجاه المجتمع راسخة، وتراثنا يؤكد تمسك الوطني على مر السنين بأداء مسؤوليته تجاه المجتمع، يقيناً منه أن تنمية المجتمع ركيزة أساسية من أجل تحقيق النمو المستدام»، متابعاً: «التزامنا بمسؤوليتنا تجاه المجتمع بدأت مع التأسيس، ليس فقط على صعيد دورنا في دعم الاقتصاد الوطني، وإنما بمساهمات اجتماعية خيرية ورعاية للمبادرات بكل المجالات».
وشدد على اهتمام «الوطني» بتطوير قدرات الكوادر البشرية من الكويتيين، وقد بدأ تقديم الدورات التدريبية للخريجين من المواطنين في ستينيات القرن الماضي، لتمكينهم من الالتحاق بسوق العمل وخاصة البنوك، كما أن البنك وعلى مدى آخر 20 سنة أكثر من 200 مليون دينار من الاستثمارات المجتمعية بقطاعات الصحة والتعليم والتبرعات الخيرية وغيرها.
وبهذه المناسبة، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عصام الصقر: «نستلهم من قصة تأسيس البنك ومسيرته الممتدة على مدى عقود روح المسؤولية الوطنية، ونستقي الدروس المستفادة من كل التفاصيل المتعلقة بالتأسيس، وما مر به البنك خلال 70 عاماً من نجاحات وأزمات، وكيف استطاع أبناء «الوطني» تجاوز التحديات والأوقات العصيبة». وأضاف الصقر أن «تأسيس «الوطني» قبل سبعة عقود كان بمنزلة محطة فارقة في تاريخ الكويت، وبدء الاستقلال الاقتصادي الذي مهد فيما بعد لاستقلال البلاد»، مؤكداً أن البنك دائماً كان شريكاً فاعلاً وحاضراً بقوة في عصر النمو والازدهار بعد تصدير النفط، إذ ساهم في تأسيس الشركات الوطنية الرائدة بكل قطاعات الاقتصاد، وقدم التمويل اللازم لإطلاق المشاريع التنموية والبنية التحتية.
وأكمل: «لم يقتصر دور «الوطني» في الازدهار والرخاء، وإنما كان دوره أكثر أهمية في الأزمات التي استطاع أن يتخطاها جميعاً، ويخرج منها أقوى وأكثر بريقاً، ولم يكتف بذلك بل يقدم المساعدة للمؤسسات الحكومية والعملاء من الأفراد والشركات، ويعزز جهود المجتمع المدني في التصدي لتداعيات الأزمة»، لافتاً إلى أن «الوطني» استطاع أن يقدم نموذجاً يحتذى في ضرورة التزام القطاع الخاص بالمسؤولية تجاه المجتمع على صعيد العمل الخيري، وما قدمه من استثمارات مجتمعية هائلة على مر السنين، وتدريب الكوادر الوطنية من أجل تأهيل أجيال قادرة على تحمل المسؤولية ومواصلة النجاح.
مطلب شعبي
وسرد الصقر قصة التأسيس، وبدأها بظروف ما قبل فتح البنك أبوابه، حيث سيطر البنك الإمبراطوري البريطاني على العمل المصرفي بالكويت طوال 10 سنوات، ولم تكن خدماته مُرضية للكويتيين، كما لم يعلن عن أرباحه ولم تكن له أية مساهمات مجتمعية.
وتطلع الكويتيون إلى بنك وطني يساهم في تمويل التنمية وتسهيل التجارة ويحفظ أموالهم وتعود أرباحه إلى الكويتيين، وقد نشر الطلبة الكويتيون المبتعثون للقاهرة بعض الأفكار في ذلك الشأن بمجلة البعثة. وجاء رفض تقديم البنك الإمبراطوري اعتماداً لمصلحة خليفة خالد الغنيم «كالقشة التي قصمت ظهر البعير»، وتطورت من بعدها الأحداث، حيث أجمع التجار أمرهم على تأسيس بنك وطني، وما كان من الأمير الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، سوى الموافقة وتقديم الدعم الكامل.
شراكة فريدة
التقى نخبة من تجار الكويت الشيخ عبدالله السالم، وناقشوا معه تأسيس بنك وطني كشركة مساهمة، ووجدوا منه كل ترحيب والتجار هم:
- خالد الزيد الخالد.
- أحمد السعود الخالد.
- خالد العبداللطيف الحمد.
- خليفة خالد الغنيم.
- سيد علي سيد سليمان الرفاعي.
- عبدالعزيز حمد الصقر.
- محمد عبدالمحسن الخرافي.
- يوسف أحمد الغانم.
- يوسف عبدالعزيز الفليج.
تجربة ناجحة
ويرى الصقر أن نجاح تجربة «الوطني» يرجع إلى مجموعة من العوامل، أبرزها تزامن تأسيس البنك مع بدء ترسية قواعد دولة حديثة تحتاج إلى مؤسسة مالية وطنية، حيث إن هناك حاجة ملحة لوجود بنك وطني لتلبية احتياجات المواطنين والتجار والدولة، وبينما زادت السيولة لدى الدولة والأفراد عن طريق إيرادات النفط والتثمين، احتاجوا إلى مكان يثقوا به لإيداع أموالهم. وبعد تصدير النفط، شملت تلك النهضة كل المجالات، وكانت هناك حاجة لبنك وطني في ذلك الوقت يقدم خدمات التمويل وباقي الخدمات المصرفية اللازمة، وعزز نجاح التجربة أيضاً تعاون «الوطني» مع مجلس الإنشاء والتعمير الذي أنشئ عام 1951م، كما قدم الخدمات المصرفية والتمويلية للشركات الأجنبية العاملة في الكويت.
دور وطني
وأكد الصقر أن البنك كان له دور وطني تزامن مع تأسيس دولة الكويت الحديثة، فعلى مستوى الدولة، قام «الوطني» بتمويل مشاريع البنية التحتية في كل المجالات، التي انطلقت بوتيرة سريعة وقتها. وعلى صعيد النشاط الاقتصادي، ساهم البنك في تمويل العديد من الشركات الحكومية والخاصة وتقديم الاستشارات المصرفية والاستثمارية، وأصبحت تلك المؤسسات رائدة في قطاعاتها حتى الآن.
كما فتح «الوطني» باب العمل أمام المواطنين في القطاع الخاص، وساهم في نشر الثقافة المالية بين كل أطياف المجتمع، ومن أبرز أدوار الوطني أنه قدم نموذجاً لكل المؤسسات الناشئة وقتها فيما يخص التنظيم المؤسسي وكيفية أداء الدور الوطني والمجتمعي.
أيقونة الحي المالي
وعن قصة المقر الرئيسي، قال الصقر، إن بنك الكويت الوطني فتح أبوابه في 15 نوفمبر 1952 من خلال أول مقر بالشارع الجديد (شارع عبدالله السالم حالياً)، في مدخل الشارع الشمالي مقابل الجمرك البحري، وكان عبارة عن 3 دكاكين متلاصقة.
وأضاف: «مرت سنوات قليلة وأردنا التوسع، وتقدمنا بطلب تخصيص أرض، وانتظرنا سنوات بعدها لنحصل على الأرض ونبدأ البناء في 1961، وفي مطلع أبريل 1963 تم افتتاح المقر الرئيسي الجديد للبنك وقتها في شارع عبدالله السالم، وكان عبارة عن مبنى كبير متعدد الأدوار يناسب التوسع في الأعمال وعدد الموظفين وطبيعة ما يقدمه البنك من خدمات». واستطرد: «واليوم، يمكنك أن ترى المقر الرئيسي الحالي للبنك أحد معالم الحي المالي في قلب العاصمة، ونموذج يحتذى في المباني الخضراء الحديثة التي تطبق أحدث معايير الاستدامة البيئية وتوفير أفضل بيئة عمل ممكن لموظفينا».
ريادة ممتدة
ومنذ صدور المرسوم الأميري في 19 مايو 1952م استغرق البنك 7 أشهر في عملية التأسيس، وبدأ تقديم خدماته في نوفمبر من نفس العام، ويقول الصقر عن تلك الخدمات التي يقدمها البنك «إنها كانت بسيطة إذا نظرنا لها اليوم لكنها كانت أساسية وتمثل تطوراً كبيراً وقتها».
وأشار إلى تركز عملاء البنك في بداية البنك بالدوائر الحكومية والتجار وبعض الأفراد، وقدم البنك لهم خدمات عدة، مثل فتح حسابات، وإجراء تحويلات مالية بالعملات الرئيسية، وهي الروبية الهندية والجنيه الإسترليني والدولار الأميركي، وفتح اعتمادات مستندية.
وأضاف: «وعلى مدى سنوات طويلة، ظل الوطني حريصاً على تقديم أحدث الخدمات لعملائه، وهو ما ساهم في حفاظنا على ريادتنا المصرفية الممتدة عبر عقود من الزمن، وانعكست اليوم على تقديمنا أحدث الخدمات المصرفية الرقمية وأكثرها تطوراً».
توجه قومي
وعن دعم بنك الكويت الوطني للقضايا العربية، أوضح الصقر أن الفترة الممتدة من الخمسينيات إلى السبعينيات سيطر عليها حس قومي عالٍ جداً على المستوى الشعبي والرسمي، وقد انسجم «الوطني» مع ذلك التوجه بصفته جزءاً من المجتمع.
وساهم «الوطني» في دعم العديد من القضايا العربية الكبرى، مثل التبرع لمصر بعد العدوان الثلاثي عليها سنة 1956، والتبرع للجزائر إبان فترة الاستعمار الفرنسي، كذلك التبرع لمصر بعد حرب 1967، بالإضافة إلى مناصرة ودعم العديد من القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
توسع إقليمي
وضمن ذلك التوجه القومي، جاء تقديم التمويل والدعم للمؤسسات المالية العربية ودعم الاستقلال والتطور الاقتصادي للدول العربية، حيث ساهم «الوطني» في تأسيس بنك دبي المحدود عام 1963، كما ساهم بنسبة كبيرة من رأس المال وتأسيس بنك الريف في بيروت عام 1965، وكذلك قدم قرضاً للبنك المركزي المصري بقيمة 9.5 ملايين دينار عام 1966.
وعلق الصقر قائلاً: «تحولت استراتيجية الوطني بعد ذلك إلى العمل بالدول العربية والانخراط في نظامها المصرفي وتمويل التنمية الاقتصادية في تلك البلدان من خلال التوسع خارج الكويت حيث نتواجد اليوم في عواصم عربية أبرزها القاهرة والرياض».
محطات بارزة
وعن أبرز المحطات الرئيسية التي كان للوطني دور بارز في دعم الاقتصاد الوطني، أكد الصقر أن تأسيس بنك الكويت الوطني كان بداية للاستقلال الاقتصادي، وتأكيد جاهزية الكويت للاستقلال السياسي عن بريطانيا، وأن الكويت قادرة على إدارة شؤونها المصرفية داخلياً وخارجياً.
وأوضح أن «الوطني» قام بدور البنك المركزي وشارك في استبدال العملة المتداولة في الكويت مرتين، الأولى عند استبدال الروبية الهندية بأخرى جديدة في 1959، والثانية عند استبدال الروبية بالدينار الكويتي سنة 1961.
وبداية من فترة الستينيات حتى نهاية الثمانينيات، كانت حقبة ازدهار ونمو، وقد أدى البنك دوراً بارزاً في دعم الاقتصاد الكويتي في ذلك الوقت، من تقديم التمويل وإطلاق أحدث الخدمات المالية وحلول الدفع وتسهيل العمليات التجارية مع بقية دول العالم.
وأضاف: «امتد ذلك الدور الوطني حتى يومنا فنحن اليوم أكبر ممول للمشاريع التنموية ومشروعات البنية التحتية في البلاد، كما نستحوذ على 75% من تعاملات الشركات الأجنبية في الكويت».
أكثر بريقاً
وأكد الصقر أن «الوطني» دائماً ما يخرج من الأزمات أكثر بريقاً وبدايةً بأزمة المناخ 1982، حيث امتنع البنك الوطني عن إقراض المواطنين المراهنين على أسهم شركات سوق المناخ، لرؤية البنك أن السوق الذي يعمل بتلك الطريقة لن يستمر، وستحدث أزمة حذر منها كثيراً، لذلك كان «الوطني» البنك الوحيد الذي لم يتأثر بانهيار السوق، كما دعم جهود الحكومة بالمساعدة في تحصيل الشيكات والتعاون مع شركة المقاصة.
وإبان الغزو عام 1990، كان استمرار عمل «الوطني» من لندن رمزاً على الصمود في وجه الاحتلال والتمسك بسيادة الكويت، إلى جانب دعمه المواطنين المقيمين في الخارج وتقديم مبالغ مالية لبعضهم، بالإضافة إلى مرحلة الإعمار بعد انتهاء الغزو وتدبير أكبر قرض في المنطقة وقتها لصالح الحكومة بقيمة 5 مليارات دينار.
وأشار إلى ما كتبته جريدة Financial Times وقتها عن عمل إدارة البنك من لندن وفريق العمل بالكويت: «لأول مرة في التاريخ يستطيع جسدٌ مبتورٌ من رأسه أن يجعلَ كل أطرافه تعمل بتناسق وفعالية».
أما في الأزمة العالمية عام 2008 فلم يتعرض «الوطني» لحجم الخسائر التي أصابت باقي البنوك، وأثبت نجاح استراتيجيته المتعلقة بحصافة إدارة المخاطر وتنويع إيراداته جغرافياً وقطاعياً، وهي السياسة التي توارثتها أجيال الوطني، ونلتزم بها حتى اليوم، وأثبت البنك في الأزمة أنه يخرج أقوى من الأزمات. وأخيراً خلال جائحة كورونا، التي أكدت صلابة «الوطني» في مواجهة الأزمات وأبرزت قدرته الفائقة على دعم جهود الدولة في الأوقات الاستثنائية، حيث ساهم البنك في مبادرتي بنك الكويت المركزي بتأسيس صندوق بقيمة 10 ملايين دينار، وكذلك وقف اقتطاع أقساط القروض. وبشكل منفرد قدم البنك تبرعات عينية متنوعة أبرزها تبرع لجمعية الهلال الأحمر بقيمة مليون دينار.
نموذج يُحتذى
وأضاف الصقر: «مسؤوليتنا تجاه المجتمع راسخة، وتراثنا يؤكد تمسك الوطني على مر السنين بأداء مسؤوليته تجاه المجتمع، يقيناً منه أن تنمية المجتمع ركيزة أساسية من أجل تحقيق النمو المستدام»، متابعاً: «التزامنا بمسؤوليتنا تجاه المجتمع بدأت مع التأسيس، ليس فقط على صعيد دورنا في دعم الاقتصاد الوطني، وإنما بمساهمات اجتماعية خيرية ورعاية للمبادرات بكل المجالات».
وشدد على اهتمام «الوطني» بتطوير قدرات الكوادر البشرية من الكويتيين، وقد بدأ تقديم الدورات التدريبية للخريجين من المواطنين في ستينيات القرن الماضي، لتمكينهم من الالتحاق بسوق العمل وخاصة البنوك، كما أن البنك وعلى مدى آخر 20 سنة أكثر من 200 مليون دينار من الاستثمارات المجتمعية بقطاعات الصحة والتعليم والتبرعات الخيرية وغيرها.