يشهد لبنان جهوداً سياسية ودبلوماسية مكثفة في سبيل منع تصعيد الأمور بالجنوب.

وقد تلقت الحكومة اللبنانية وحزب الله رسائل كثيرة من جهات خارجية بشأن ضرورة عدم فتح جبهة جديدة، فيما جواب حزب الله واضح بأنه على أتم الجاهزية لمواكبة أيّ تطور، وأنه لا يمكنه السكوت على كسر حركة حماس و«المقاومة» الفلسطينية، كما لا يمكنه السكوت على عملية تدمير أو تهجير أو اقتحام برّي لقطاع غزة، وفي حال حصل ذلك، فإن الحزب قد يصل إلى مرحلة التدخل. دون ذلك لا يزال الحزب يلتزم بقواعد الاشتباك الموضوعة على قاعدة ضربة مقابل ضربة، لكنّ السؤال الأبرز الملحّ الآن اذا كان الحزب سيرد على مقتل عدد من عناصره بقصف إسرائيلي، وهل يعتبر ما جرى ضمن قواعد الاشتباك أم انتهاكا لها؟

وأفادت معلومات بمقتل 6 من عناصر الحزب الذي أقر رسميا بمقتل 3 في قصف إسرائيلي على جنوب لبنان، واكتفى الحزب بالرد باستهداف ثكنتَي برانيت وأفيفيم الإسرائيليتين بالصواريخ وقذائف الهاون.

Ad

وأثار قصف إسرائيل أبراج مراقبة لحزب الله بعد عملية تسلل من جنوب لبنان نفذها 4 مسلحين فلسطينيين من منظمة الجهاد الإسلامي تساؤلات حول احتمال لجوء إسرائيل إلى محاولة استدراج الحزب إلى قلب المعركة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، مقتل المقدم عليم سعد رحمة الله، نائب قائد «لواء 300» في فرقة الجليل، خلال اشتباك مع المسلحين المتسللين، إضافة الى مقتل جنديين آخرين.

وقتل اثنان من المسلحين المتسللين في الاشتباك، إلا أن إسرائيل قصفت أبراج ونقاط مراقبة تابعة لحزب الله، مما أدى الى مقتل عدد من مقاتليه. فهل كان وراء ذلك محاولة لاستهداف الحزب بشكل مباشر واستدراجه إلى المعركة؟

هذا السؤال لن يكون من السهل الإجابة عنه، خصوصا أن الكلام الآن للميدان ولمجرياته وتطوراته. وفيما يبقي حزب الله على استنفاره في الجنوب، وهناك جاهزية كاملة لديه لمواكبة أيّ تطورات، تشير المعلومات الى أن مخططي الحزب الاستراتيجيين يدرسون الموقف لاتخاذ قرار بشنّ مزيد من الردود على الهجوم الإسرائيلي أو الاكتفاء بالقصف الذي تم على ثكنتَي برانيت وأفيفيم، على أساس أن كل ما جرى يقع ضمن قواعد الاشتباك السارية.

وبحسب هذه المعلومات، فإن الحزب بدأ بالفعل بإعداد السيناريوهات المحتملة في حال قرر توجيه رد إضافي.

ويقول مراقبون إن الأكيد هو أن الإسرائيليين يريدون شنّ عملية عسكرية عنيفة على قطاع غزة، وهم لا يريدون فتح جبهة جديدة، لا سيما أنهم طلبوا مساعدة من واشنطن التي قالت إن إرسال حاملة طائرات أميركية الى «شرق المتوسط» هدفه تحييد حزب الله وإيران عن المعركة.

في المقابل، هناك وجهات نظر أخرى تعتبر أن الإسرائيليين يريدون الاستفادة من الظرف القائم لتوريط حزب الله أو استدراجه بالارتكاز الى الدعم الدولي، لا سيما الغربي الذي يحظون به حالياً، وقد يعتبرون هذه فرصة لتوجيه ضربات للحزب لطالما هددوا بها، يبقى أن الإسرائيليين في هذه الحالة لا يمكنهم ضمان لا آلية الردّ ولا حجمه ولا الخسائر التي سيتكبدونها.

في المقابل، يعتبر حزب الله أنه صاحب اختيار توقيت الانخراط في المعركة، وهذا أسلوب عسكري تكتيكي لطالما اعتمده الحزب، على قاعدة عدم السماح للإسرائيلي بتحديد توقيت المعركة.

وفيما انشعل الجيش الاسرائيلي، أمس، ببلاغ تبيّن أنه كاذب عن وجود حركة جوية فوق جنوب لبنان أو فوق الجولان، أشارت صحيفة الأخبار المقربة من الحزب الى «تفاقم حالة الإرباك والتخبّط في صفوف العدو الإسرائيلي بانتظار الرد المرتقب من حزب الله»، مشيرة الى «تحصّن الجنود الإسرائيليين لليوم الثاني على التوالي، في منازل مستوطنة المطلة وما بينها، في إطار الاستنفار الذي أُعلن خوفاً من تسلل المقاومة إليها».

وأضافت أنه «من تلة الحمامص المقابلة في الجانب اللبناني المحرّر، ظهرت دبابات ميركافا تواكب دوريات الجنود الذين مشّطوا الواجهات الأمامية للمستعمرة التي تعدّ النقطة الأكثر تماساً مع الأراضي اللبنانية المحررة، فيما يسود الهدوء كل منطقة القطاع الشرقي».

وتم إطلاق عدد من الصواريخ عصر أمس من جنوب لبنان باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وردت المدفعية الإسرائيلية بقصف أطراف بلدتي مروحين والضهيرة جنوب لبنان. ولم يتبن حزب الله إطلاق الصواريخ.

وفيما بدا وجود انزلاق متدحرج إلى اشتباك أوسع، أعلن «حزب الله» إطلاق صواريخ موجهة باتجاه دبابتين إسرائيليتين في مستوطنة أفيفيم في الجليل الأعلى، وهو ما ردت عليه اسرائيل بقصف 3 مواقع للحزب، فيما اجتمعت القايدة الشمالية للجيش الاسرائيلي لحبث التطورات.

يأتي ذلك، فيما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر إسرائيلية، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدرس طلب تفويض من «الكونغرس» لاستخدام القوة ضد «حزب الله» إذا دخل الحرب، مضيفة أن الحكومة الإسرائيلية هدّدت الحزب، عبر فرنسا، بأنها ستضرب دمشق وتعرّض الرئيس السوري بشار الأسد للخطر، في حال دخوله النزاع.

وحذّر مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية حزب الله من مغبة اتخاذ «قرار خاطئ» بفتح جبهة ثانية مع إسرائيل، مشدداً على أن «إعادة تموضع القوات الأميركية هو بمنزلة إشارة ردع لإيران وحزب الله وكلّ من يفكر في استغلال الوضع الحالي لتصعيد الصراع».

وتوقفت قوات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل)، أمس، عن تسيير دورياتها في القطاع الغربي والمناطق المحاذية للخط الأزرق في جنوب لبنان، فيما ساد هدوء حذر الحدود تخلّله قصف مدفعي إسرائيلي محدود في الصباح الباكر. وأشارت إلى أن المناطق التي تعرّضت للقصف أمس الأول تشهد نزوحاً للأهالي من أطفال ونساء، لافتة إلى أن معظم المدارس الرسمية والخاصة أقفلت أبوابها في قضاءَي صور وبنت جبيل.

وجال عدد من السفراء، أمس، على المسؤولين وأبرزهم السفيرة الأميركية والسفير البريطاني للتحذير من انخراط الحزب في هذه الحرب.

وزارت السفيرة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيا، عين التينة والتقت رئيس مجلس النواب نبيه بري وبحثت معه «الأوضاع والمستجدات في لبنان والمنطقة». نصحت وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان إلّا عند الضرورة، وعدم الذهاب إلى بعض المناطق في جنوب لبنان.