قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، إن الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس أظهرت «فشل» سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، معتبرا أن إقامة دولة فلسطينية «أمر ضروري».

وقال بوتين، خلال اجتماع في الكرملين مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني: «أعتقد أن كثيرين سيتفقون معي على أن هذا مثال حي على فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

Ad

وذكر أن واشنطن سعت إلى «احتكار» الجهود الدولية لإقامة سلام في المنطقة، واتهمها بإهمال البحث عن تسوية تكون مقبولة للطرفين، مضيفا أن الولايات المتحدة تجاهلت مصالح الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحاجة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويريد الفلسطينيون إقامة دولة مستقلة لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وهي أراض احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. وأفاد الكرملين، في وقت سابق، بأنه على اتصال مع الجانبين وسيسعى للعب دور في حل الصراع بينهما.

أزمة واشنطن

في المقابل، أعادت صدمة العملية التي شنّتها «حماس» إلى الولايات المتحدة دورها المألوف باعتبارها الداعم المطلق لتل أبيب، مستخدمة نفوذها لحماية حليفتها بدلا من التشجيع على الهدوء. وقال البيت الأبيض أمس، انه لا يريد أن يرى سقوط مدنيين بما في ذلك بقطاع غزة.

وكان بايدن قد طوى صفحة الخلافات مع رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو حول قانون الإصلاحات القضائية، وتقديم تنازلات للفلسطينيين، والتباين حول أسلوب التعامل مع إيران في سعي للتوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي ــ سعودي تاريخي، يُرجّح أن يكون هذا الاحتمال معلّقا حالياً، لكن العنف الراهن أدى إلى تأجيل خلافاته مع نتنياهو.

ووعد الرئيس الأميركي بتقديم «دعم كامل» لإسرائيل، وأرسل ذخائر، وأمر بإرسال سفن حربية إلى شرق المتوسط، في تحذير مباشر وصريح لإيران الداعمة لـ «حماس» ولـ «حزب الله» اللبناني.

ودعت الولايات المتحدة، الأحد الماضي، أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذين عقدوا جلسة طارئة، إلى إدانة «حازمة» للهجوم الذي شنته «حماس» وقتل فيه مئات المدنيين بينهم عشرات الأجانب، بينما سعت موسكو إلى دعم العودة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط.

واعتبر ديفيد ماكوفسكي من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» أن ردّ الولايات المتحدة على إراقة الدماء لم يكن بـ «المصطلحات المعتادة التي تدعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، بل أنها ستعطي إسرائيل كلّ ما تحتاجه وتقدّم دعما واضحا لا لبس فيه»، متوقعا أن تركّز السياسة الخارجية الأميركية على حماية إسرائيل، بما في ذلك من انتقادات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الإفراج عن الرهائن وليس الضغط على نتنياهو.

وكان سلف بايدن، دونالد ترامب المدعوم من قاعدة مسيحية إنجيلية، قد دفع باتّجاه قائمة أمنيات لإسرائيل تتضمّن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية.

وعاد فريق بايدن إلى الدعوات الأميركية السابقة لإقامة دولة فلسطينية لكنه لم يفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف، دون أن يجد أي فرصة لذلك في ظلّ قيادة نتنياهو، لكن مستوى العنف في عملية «حماس» صدم المسؤولين الأميركيين.

ولدى سؤاله عن حماية المدنيين في غزّة، بعدما قطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والغذاء عن القطاع، اكتفى المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الاميركي جون كيربي بالقول، إن «إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها»، مشيراً إلى أنها تستخدم «القوة الشديدة» بسبب حجم العنف الذي تمارسه «حماس».

وفي وقت سابق، وصفت المبعوثة الأميركية لمكافحة معاداة السامية في العالم، ديبورا ليبستات، هجمات الحركة بأنها «الهجوم الأكثر فتكا ضدّ اليهود منذ المحرقة»، مضيفة: «لا يحقّ لأحد أن يقول لإسرائيل كيف تدافع عن نفسها وتمنع الهجمات المستقبلية وتردعها».

لكن التوسّع المحتمل للعملية الإسرائيلية قد يفاقم الوضع في الشرق الأوسط، وهو بالضبط ما سعت إدارة بايدن إلى تجنّبه مع تركيزها على المنافسة العالمية مع الصين وروسيا اللتين تعملان بشكل وثيق مع إيران وحسنتا علاقاتهما مع السعودية.

وقالت المستشارة الكبيرة السابقة للسياسات لفريق التفاوض حول النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني لدى وزارة الخارجية الأميركية لورا بلومنفلد: «من وجهة نظر القيم، الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، من وجهة نظر المصلحة، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحد من نفوذ روسيا والصين».

واعتبرت بلومنفلد، التي أصبحت زميلة في كلية الدراسات الدولية المتقدّمة في جامعة جونز هوبكنز، أن السعودية قد تختار جانبا آخر إذا اعتبرت إسرائيل ضعيفة.

حدود دور الصين

في السياق نفسه، كشفت الأزمة الحالية في الشرق الأوسط حدود طموح الصين بعد نجاحها الاستثنائي في التوسط باتفاق المصالحة بين السعودية وإيران في وقت سابق هذا العام.

فبعد هذا الاتفاق، أشادت وسائل الإعلام الصينية ببزوغ نجم بكين في منطقة يهيمن عليها النفوذ الأميركي منذ فترة طويلة. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن بلاده ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع «القضايا الساخنة» في العالم.

لكن بعد هجوم «حماس» كان رد الفعل الصيني خافتا. ولم تصل متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في أكثر من إفادة إلى حد التنديد بهجوم «حماس»، بل دعت إلى وقف التصعيد، وطالبت إسرائيل وفلسطين بالسعي إلى تنفيذ «حل الدولتين» من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. والتزم الرئيس الصيني شي جينبينغ الصمت حيال ما يجري.

وقال بيل فيجيروا، الأستاذ المساعد في جامعة خرونينغن في هولندا والخبير في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط: «بالتأكيد سيشكك ذلك في هذا النوع من الدعاية... عن أن الصين أصبحت لاعبا محوريا في الشرق الأوسط».

وأثار حياد الصين انتقادات من جانب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، وقال بعضهم إن هذا النهج يقوض مزاعم بكين عن أنها تلعب دورا غير منحاز في الوساطة لإقرار السلام في المنطقة.

ويقول محللون إن هذا الأمر لا ينبغي أن يمثل مفاجأة، وذلك لأن الدبلوماسية الصينية ظلت بعيدة عن المخاطرة فترة طويلة.

لكن الصراع القديم الجديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين يضع الدبلوماسيين الصينيين في موقف صعب نظرا لدعم الصين التاريخي للفلسطينيين وتنافسها مع الولايات المتحدة.

وقال ستيف تسانغ مدير معهد الدراسات الشرقية والإفريقية الصيني (سواس) بجامعة لندن: «الصين في عهد شي تريد أن تحظى بالاحترام والإعجاب في كل مكان، بما يشمل الشرق الأوسط، لكنها في نهاية المطاف غير مستعدة لفعل ما يلزم لحل القضايا الأمنية الإقليمية الصعبة حقا... إنها تتجه للقضايا السهلة وتتوقف عند هذا الحد».

قد يثير التنديد بـ «حماس» خلافات بين الصين وكل من روسيا وإيران. وقال يون سون مدير البرنامج الصيني في مركز ستيمسون في واشنطن: «لم يتضح بعد من الذي يقف وراء حماس، من المحتمل جدا أن يكون شريكا أو شركاء للصين... تستفيد روسيا من حيث تشتيت انتباه الولايات المتحدة، وإيران مرشح محتمل. وإدانة الصين للهجوم يعني أيضا أنها ستكون ملزمة باتخاذ إجراءات إذا تم تحديد الطرف المسؤول».

وقالت توفيا جيرينغ الباحثة في الشأن الصيني في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، إن «الصين لا تستخدم صوتها وثقلها على الساحة الدولية لتغيير الأمور نحو الأفضل».

ويعني استيراد الصين للنفط من الشرق الأوسط ووجود استثمارات لها في المنطقة تشمل الاتصالات والبنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها شي، أن بكين ترغب في تحقيق السلام، لكنّ هناك حدودا واضحة لاستعداد الرئيس الصيني لتحمل المخاطر.

وذكر جان لو سمعان كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية أن «الصين ناجحة جدا عندما تكون الأحوال مستقرة في الشرق الأوسط.

لكن عندما يتعلق الأمر بإدارة صراع، يختلف الوضع تماما... ولا أظن أن بكين أرادت في أي يوم من الأيام أن تلعب هذا الدور».