طوفان القدس... سقوط فلسطيني وعربي!
العمل الفدائي الفلسطيني كان شوكة فاعلة في حلق وخاصرة الكيان الصهيوني المحتل، وقد عشنا في حقل ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نماذج وجولات رائعة من العمل الفلسطيني الفدائي، وكان محطاً للأنظار والإعجاب، بل للفخر والاعتزاز من قبل العرب والمسلمين.
ومع بداية الثمانينيات بدأت تظهر موجات الاستنكار العربي للأعمال الفدائية، وتم تقليمها شيئاً فشيئاً من قِبَل الأنظمة العربية، وبدأت عواصم عربية عديدة الهرولة نحو اتفاقيات السلام، فتمّ لجْم تلك الأعمال الفدائية، وتحوّلت المنظمات الفدائية من منظمات مقاومة ونضال لتحرير فلسطين، لتصبح منظمات سياسية تتحدث عن الحل السياسي وتتقبل شيئاً فشيئاً اتفاقيات السلام المتعددة، وتعالت بعدها مسارات ما يسمّى بـ «التطبيع» مع الكيان الصهيوني المحتل والمغتصب، وانتهى الأمر بدخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى المسار السياسي السلمي، باتفاق أوسلو، وبما يسمّى خيار الدولتين، وقد كان ذلك عنواناً عريضاً لأكذوبة سياسية وخدعة استراتيجية تم تسويقها ومباركتها، وهي في الحقيقة مسار لتأمين دولة الكيان الصهيوني المحتل، للتمتع بالسلام، بل والتوسع الاستيطاني ببناء المستوطنات بشكل غير مسبوق!
ولم يكن صعباً معرفة أن تلك أكذوبة لأجل تمرير مشروع «حماية الكيان الصهيوني المحتل، وتأمينه من أية أعمال عسكرية»! وظهرت بعد ذلك مبادرات عديدة، واحدة تلو الأخرى تحت عنوان مضلل وكاذب هو «خيار الدولتين»!
وقد كان ذلك سقوطاً كاملاً وحقيقياً للسلطة الفلسطينية والأنظمة العربية معاً، إذ كان بمنزلة إعلان بانتهاء النضال والمقاومة المسلحة في مواجهة الكيان الصهيوني المغتصب!
لكنّ إرادة المقاومة والنضال، بل والجهاد المسلّح، عادت إلى الواقع من جديد، بعد أن قامت «حماس» بتنفيذ بعض العمليات الانتحارية ضد جنود الكيان الصهيوني المحتل، وتطورت الأحوال لتصبح مقاومة مسلحة وفقاً لمعطيات العصر من خلال العمليات الميدانية الفدائية لحركتَي حماس والجهاد، وعلى هامشهما بعض الفصائل الفلسطينية، ثم شهدت تطوراً نوعياً من قبل «حماس» و«الجهاد» بمرحلة إطلاق الصواريخ على مستوطنات «الكيان الصهيوني المحتل»!
وتطوّرت القدرات والتكتيكات القتالية لحركتَي حماس والجهاد، وشهدت تطوراً ميدانياً لافتاً، اضطر معه «الكيان الصهيوني المحتل» للدخول في المفاوضات وتبادل أسرى ومعتقلين، وغيرها من اللقاءات والوساطات التي تحققت بفضل قوة الردع الفلسطينية عبر الحركتين المذكورتين.
وتكررت مرة أخرى خطوات وإجراءات محاصرة المنظمتين للتخلّي عن مسار المقاومة للتحول إلى خيار المسار السياسي، ومورست ضغوط وتكتيكات أدت إلى رواج المسار السياسي وتعطّل العمل النضالي والمقاومة المسلحة، وتزامن مع ذلك اتفاقيات سلام أخرى وتطبيع على نطاق أوسع، فكان ذلك سقوطاً آخر فلسطينياً وعربياً!
ومع المفاجأة المدوية التي أحدثتها عمليات «طوفان الأقصى» التي حدثت يوم السبت 7 الجاري، بما فيها من تطوّر نوعي وغير مسبوق باستخدام جملة من العمليات العسكرية الميدانية داخل مستوطنات الكيان الصهيوني المغتصب، وما رافقها من إظهار لتفوّق عسكري وعملياتي فلسطيني من قبل كتائب القسّام وحركة الجهاد، فقد أذهل ذلك الجميع وظهرت معه هشاشة المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية للكيان الصهيوني المحتل! وكذلك القدرات الإبداعية للمقاتل الفلسطيني وعزيمته على تحرير دولته، وهو ما يشير إلى حالة من فرض للردع من خلال القوة، وبدأت تظهر نتائجه جليّة في حالة فقدان التوازن لدى الكيان الصهيوني المحتل، الذي باشر عمليات إبادة جماعية لأهل غزة، أملاً في إنهاء وجود كل قدرات «حماس» وكتائب القسّام من جهة، وبتهجير أهالي غزة من أرضهم من خلال سياسة الأرض المحروقة، لفرض واقع جديد (وشرق أوسط جديد)، وهو ما كان يُبشّر به الكيان الصهيوني والغرب ويخططون له، وبمباركة فلسطينية من جانب السلطة، وكذلك عربية - مع كل أسف - وهو ما سيعيد ترسيم خريطة الشرق الأوسط، ويحقق للكيان دولته الكبرى التي يعمل لتحقيقها!
وهنا يتم عزل «المقاومة» وربما تصفيتها، إلى جوار تهجير غزة ونقل أهلها لدول عربية مجاورة، ليتحقق التأمين الكامل للكيان الصهيوني المحتل! وها هو السقوط الثالث فلسطينياً وعربياً.
وستبقى الحقيقة الثابتة بهذا الشأن، وكما هي عقيدة المسلمين الراسخة، فلئن نجح ذلك مرحلياً، فإن مآل الكيان الصهيوني إلى الزوال، وسيقيّض الله للأمة والشعب الفلسطيني دائماً مَن يجدد الأمل لتحرير فلسطين من براثن الكيان الصهيوني المغتصب.
ورغم حالة الوهن والسقوط الذي تعيشه السلطة الفلسطينية ومعها السقوط والوهن العربي، فإنّ غداً لناظره قريب، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد.