أنهت الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس يومها السادس، أمس، حيث واصل الطيران الحربي الإسرائيلي حملة القصف المدمرة والدامية على مناطق مأهولة في قطاع غزة، فيما بدا أن تل أبيب تتردد في إطلاق عملية برية قد تكون مكلفة.

واشتدت وتيرة القصف الإسرائيلي الجوي غير المسبوق على غزة، بالتزامن مع قصف بحري وبرّي تسبب في مذابح راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، ليرتفع عدد القتلى داخل القطاع، منذ بدء الأحداث السبت الماضي، إلى 1417، بينهم 447 طفلاً، فضلاً عن إصابة 6049.

Ad

ودعا الجيش الإسرائيلي، عبر منشورات ألقتها الطائرات، سكان بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إلى إخلاء منازلهم «فوراً والتوجه إلى الملاجئ»، قبل شنّه حملة قصف ضخمة قال إنها تستهدف عناصر «حماس».

وارتكبت الطائرات الإسرائيلية مجازر بحق المدنيين في عدة مناطق، إذ تسبّبت غارة جوية على منزلين في دير البلح بسقوط 20 قتيلاً، معظمهم أطفال ونساء.

كما قتل 51 وأصيب 281 في صبرا والزيتون والنفق وتل الهوا ومخيم الشاطئ ورفح، من جراء قصف جوي إسرائيلي.

مرحلة ثانية

وأكد الجيش الإسرائيلي أنه يستعد للمرحلة القادمة من الحرب «وقتما تقرر حكومة» بنيامين نتنياهو، لكنّه كشف أنه «لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن التوغل برياً في القطاع، رغم مواصلة الاستعدادات التي تتم له، بما في ذلك إرسال التعزيزات الكبيرة».

وقال المتحدث باسم الجيش، ريتشادر هيخت، إنه يركّز على اجتثاث قيادة الحركة المسيطرة على القطاع، لافتاً إلى أن مقاتلي الحركة الفلسطينيين ما زالوا يحاولون التسلل عبر البحر إلى المدن الإسرائيلية.

وأفاد هيخت بأن الهجوم الحالي يركّز على القضاء على «قوة النخبة» (كبار قادة الحركة الإسلامية)، بما في ذلك أفراد حكومتها ورئيسها يحيى السنوار.

وفي وقت واصلت الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها «حماس» قصف عدة مدن وبلدات إسرائيلية بينها سديروت وعسقلان وتل أبيب وحيفا بعشرات الصواريخ، أشار هيخت إلى أنه لن ينشر عدد عمليات الاعتراض التي نفّذها للصواريخ الفلسطينية في حرب غزة، مبرراً ذلك بأن المعلومات قد تساعد «حماس». وبيّن أن الحركة الإسلامية دخلت قتالاً قد يستمر شهراً، «وهذا واضح من وتيرة إطلاق الصواريخ». ولفت إلى الاستعداد «لاحتمال وقوع مواجهة على الحدود الشمالية».

وأفاد المتحدث بمقتل ضابط برتبة رائد في الشرطة خلال اشتباكات مع عناصر فلسطينية مسلحة في كيبوتس بئيري بغلاف غزة، ليرتفع بذلك عدد العسكريين الذين قتلوا منذ بدء المواجهات إلى 221.

وأوضح هيشت أن الجيش الإسرائيلي «يؤمّن سياج غزة، وسيتم إطلاق النار على من يقترب منه»، مشيراً إلى استمرار محاولات تسلل مسلحين فلسطينيين إلى الأراضي الإسرائيلية عن طريق البحر.

بدوره، صرح رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، بأن بلده تستعد لحرب طويلة. وقال: «سنقوم بهجوم واسع وسنقتل المسلحين وقادتهم، وسنحدد مَن يقود غزة».

وأكد هاليفي أن رئيس «حماس» في غزة، يحيى السنوار، هو مَن أمر بشن هجوم على إسرائيل، لذلك سيتم استهدافه هو وبقية قادة الحركة. واعترف هاليفي بأن الجيش فشل في منع هجوم «حماس»، وتعهد بالتحقيق فيما حدث.

إخفاق وقيادة

وفي حين أظهر استطلاع للرأي أن 84 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن هجوم «حماس» الذي تسبب في مقتل 1300، حتى أمس، وتضمن أسر واختطاف ما بين 150 و200 شخص، فشل للقيادة السياسية، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنه يحقق مع مسلحين تم القبض عليهم أحياء في بلدات غلاف غزة التي شهدت الهجوم المباغت السبت الماضي.

وتابع المتحدث: «نقوم بجمع مقاطع فيديو من الشبكة، وهي مقاطع صادمة. لدينا القدرة على تحديد هوية أولئك المسلحين، وسوف نصل إليهم جميعاً. وعلى سبيل المثال، لقد تم القضاء على مصطفى شاهين، الذي سجّل أموراً صادمة، وقام بتحميلها على الإنترنت». وأعلن المتحدث قتل قيادي كبير في القوة البحرية التابعة لـ «حماس» بمنزله، مشيراً إلى أن «حماس» دخلت قتالاً قد يستمر شهراً.

دعم وجبهات

وفي حين تعوّل القيادة الإسرائيلية على حشد المزيد من الدعم الغربي، بعد حصولها على دفعة أولى من المساعدات العسكرية الأميركية ورسوّ حاملة طائرات أميركية قبالة ميناء حيفا لردع إيران والفصائل المتحالفة معها، أفادت وزارة الدفاع الألمانية بوضع طائرتين مسيّرتين حربيّتين من طراز هيرون تي بي تحت تصرّف إسرائيل.

وفي وقت أكد ناطق باسم الجناح العسكري لحركة الجهاد أن «المعركة لم تعد محصورة في غزة والضفة الغربية المحتلة فقط»، مستشهداً بهجوم تبنّته الحركة انطلاقاً من جنوب لبنان الاثنين الماضي ضد إسرائيل، شنّت مقاتلات إسرائيلية ضربات على مطارَي دمشق وحلب تسبب في إخراجهما عن الخدمة. وقال الجيش الإسرائيلي، إن الضربات على دمشق وحلب جاءت رداً على إطلاق قذائف هاون من الجولان صوب مواقعه أمس الأول، فيما تحدثت تقارير عن تسبّب القصف في تعذّر هبوط رحلة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، واضطراره للعودة دون إجراء زيارة لسورية.

كما أفادت تقارير بوقوع قذائف إسرائيلية في مناطق نفوذ «حزب الله» بجنوب لبنان أمس، بعد تفعيل صفارات الإنذار وانطلاق صاروخ من «القبة الحديدية» في استجابة خاطئة بمنطقة الجليل شمال إسرائيل، لكن التوتر تراجع بشكل ملحوظ بعد يومين من التوتر العالي.

الإمدادات والرهائن

في هذه الأثناء، شدد وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على أنه لن يتم تقديم أي مساعدات إنسانية أو موارد إلى قطاع غزة المحاصر إلى أن تطلق «حماس» الأشخاص الذين احتجزتهم في هجومها الذي شمل 11 قاعدة عسكرية و20 بلدة ومستوطنة.

وتابع في بيان: «مساعدات إنسانية إلى غزة؟ لن يتم تشغيل مفتاح كهربائي ولن يفتح صنبور مياه ولن تدخل شاحنة وقود حتى يعود المخطوفون الإسرائيليون إلى ديارهم، لن يعظنا أحد بالأخلاق». ورأى أنه لن تكون هناك هدنة إنسانية قبل تحرير جميع الرهائن. وأتى التشدد الإسرائيلي بعد ساعات من بثّ «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ «حماس» فيديو قالت فيه إنها أطلقت سراح إسرائيلية وطفليها.

وفيما تحدثت مصادر عن قيام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع الحركة الفلسطينية، بجهود لإقناعها بالإفراج عن المختطفين المدنيين، رفض نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، الاتهامات الغربية لحركته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مشيراً إلى أن منطقة الشرق الأوسط لم تشهد «حرباً دينية».

مناشدة وانهيار

وجاءت تلك التطورات في وقت ناشدت اللجنة الدولية لـ «الصليب الأحمر» بالسماح بمرور إمدادات الوقود التي أوقفتها إسرائيل بشكل كامل لخنق القطاع، للحيلولة دون تحوّل المستشفيات المكتظة إلى «مشارح».

وبالتزامن مع تحذير مؤسسات إنسانية وحقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية من حدوث كارثة إنسانية في حال استمرار منع تل أبيب الماء والكهرباء والوقود عن غزة، ذكر مسؤول بـ «الصليب الأحمر» أنه يجري مشاورات مع جميع الأطراف حول ممر إنساني للقطاع، الذي يسكنه أكثر من مليونَي فلسطيني، ومعبر رفح مع مصر هو الخيار الرئيسي.

وأوضح المسؤول أن المنظمة لا تستطيع نقل الإمدادات المخزّنة من منطة لأخرى في غزة لإيصالها بشكل آمن للأفراد والمستشفيات.

وأشار إلى وجود كمية قليلة من الوقود في القطاع، لكنها قد تنفد في غضون ساعات، محذراً من أن الوضع في غزة سيخرج عن السيطرة سريعا.

وأمس، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 338 ألف نازح داخل القطاع، هرباً من القصف وانقطاع كل الخدمات عن مساكنهم. وحذّر نائب مدير المستشفيات في وزارة الصحة بغزة، أيمن الفرا، أمس، من انهيار المنظومة الصحية في القطاع «خلال ساعات».

إغاثة دولية

من جهتها، أفادت السلطات المصرية بأنها وجّهت الشركاء الدوليين الراغبين في إغاثة سكان غزة لإيصال المساعدات لمطار العريش الدولي، الذي استقبل طائرة مساعدات أردنية، في وقت ذكرت السلطات المصرية أن معبر رفح البري مفتوح لإدخال المساعدات، بعد أن كانت قد أعلنت أنه أغلق بسبب قصف جوي على بوابتها من جهة غزة أمس الأول.

من جهة أخرى، طلبت بريطانيا من عائلات الدبلوماسيين البريطانيين مغادرة إسرائيل لمدة شهرين على الأقل، فيما أفادت «الخارجية» الصينية بمقتل 3 من مواطنيها في هجوم «حماس».

كما ارتفع عدد القتلى التايلانديين جراء العملية التي وصفت بالأكبر ضد الدولة العبرية منذ حرب عام 73 إلى 21.

ورفعت «الخارجية» الأميركية تحذير السفر لإسرائيل والضفة الغربية إلى المستوى 3 الذي يشمل «إعادة النظر في السفر بسبب الإرهاب والاضطرابات المدنية»، كما أعلنت ارتفاع حصيلة القتلى الأميركيين إلى 25.