محاولة فهم انتخابات التجديد النصفي في أميركا

نشر في 14-11-2022
آخر تحديث 13-11-2022 | 19:34
تفادت الولايات المتحدة في انتخابات التجديد النصفي زلزالا سياسيا، وستظل السياسة الخارجية الأميركية في الأغلب الأعم تُـدار على تضاريس مألوفة خلال العامين المقبلين، حتى الانتخابات الرئاسية، وبعد هذا من الممكن أن يحدث أي شيء.,تفادت الولايات المتحدة في انتخابات التجديد النصفي زلزالا سياسيا، وستظل السياسة الخارجية الأميركية في الأغلب الأعم تُـدار على تضاريس مألوفة خلال العامين المقبلين، حتى الانتخابات الرئاسية، وبعد هذا من الممكن أن يحدث أي شيء.
 بروجيكت سنديكيت تُـجرى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة كل أربع سنوات، مع انتصاف فترة ولاية الرئيس وقبل عامين من الانتخابات الرئاسية التالية، ويجري السباق على ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، ومقاعد مجلس النواب بالكامل، وبعض مناصب حكام الولايات، والعديد من مناصب الولايات والمناصب المحلية.

لا يشتمل الأمر على تصويت على المستوى الوطني، لكن النتائج تميل إلى عكس موقف الدولة وتُـفَـسَّـر على أنها استفتاء على الحزب الحاكم (في حالتنا هذه الحزب الديموقراطي بقيادة الرئيس جو بايدن)، ورغم أن الأصوات لا تزال قيد الفرز والإحصاء- وفي بعض الحالات يُـعـاد إحصاؤها- فليس من السابق للأوان استخلاص بعض الاستنتاجات الأولية.

بادئ الأمر، ما كان من المتوقع أن يشكل تصويتا حاسما على سحب الثقة في بايدن في أغلب الأمر لم يتحقق، وكان من المتوقع أيضا أن يأتي أداء الجمهوريين أفضل مما شهدناه، فالحزب الحاكم يخسرعلى نحو دائم تقريبا المقاعد في انتخابات التجديد النصفي، حيث يسعى الناخبون إلى التعبير عن تعاستهم ويبحثون عن التغيير، والحق أن العديد من القضايا التي تتصدر اهتمامات الناخبين، بما في ذلك التضخم، والجريمة، والهجرة غير القانونية، كان من المنتظر أن تُـسـفِـر عن مكاسب جمهورية كبيرة، لكن مخاوف الناخبين بشأن قضايا أخرى، من حقوق الإجهاض إلى صحة الديموقراطية الأميركية، إلى جانب تساؤلات حول مدى ملاءمة وجود عدد كبير من المرشحين الجهوريين، عملت لمصلحة الديموقراطيين.

كما هي الحال في كثير من الأحيان، يبدو أن مخاوف السياسة الخارجية لم تهم الناخبين كثيرا، فعلى الرغم من الحرب المستعرة في أوروبا، ورغم أن الولايات المتحدة تقدم نصيب الأسد من المساعدات لأوكرانيا، فمع وجود عدد قليل من القوات الأميركية في مناطق الصراع، ينشغل أغلب الناخبين بأمور محلية.

مع ذلك، تخلف انتخابات التجديد النصفي بعض التأثير على السياسة الخارجية الأميركية، وإن مجرد سير الانتخابات بشكل سلمي إلى حد كبير ووفقا للخطة الموضوعة لها يجب أن يطمئن أصدقاء أميركا ويحبط أولئك الذين كانوا يأملون تكرار الاحتجاجات وأعمال العنف التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في عام 2020، ففي الوقت الراهن، على الأقل، صمدت الديموقراطية الأميركية.

أما عن السياسة، فإن النتائج المختلطة لا توفر أي تفويض لتغيير كبير، فهذا يعني في الأرجح أن الدعم الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا سيستمر، وإن كان من الممكن أن نشهد بعض المحاولات من جانب الكونغرس للحد من نطاق هذا الدعم أو ربطه ببعض المفاوضات في المستقبل، وستظل العقوبات المفروضة على روسيا سارية.

وكذا سيستمر الموقف المتشدد في التعامل مع الصين، والذي يعكس إجماعا سياسيا قويا، والواقع أن أحد انتصارات بايدن التشريعية الثنائية الحزبية القليلة كان قانون الرقائق والعلوم، الذي يوفر مئات المليارات من الدولارات لتعزيز القدرة التنافسية الأميركية في مجالات مثل تصنيع أشباه الموصلات، وفي ظل الكونغرس المنقسم، سيكون أحد مجالات الاتفاق المحتمل القليلة تشريعات مماثلة تستهدف الصين، فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تقدم الولايات المتحدة عملية فحص للاستثمار الموجه إلى الخارج، أو وضع قواعد جديدة للاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، أو كلا الأمرين.



"لعل أكثر العواقب المترتبة على انتخابات التجديد النصفي أهمية هي أن نتائجها أضعفت الرئيس السابق دونالد ترامب"

كما سيستمر دعم تايوان، وقد يعود إلى الحياة على يد الكونغرس الجديد قانون سياسة تايوان، الذي من شأنه أن يرفع مستوى العلاقات الثنائية بطرق تضمن استفزاز الصين وتزويد تايوان بقدر أعظم من المساعدات العسكرية، فإذا أصبح كيفن مكارثي رئيسا لمجلس النواب، كما هو محتمل تماما، فمن المرجح أن يسافر إلى تايوان، وهذا من شأنه أن يستفز استجابة صينية قوية بذات القدر.

التجارة مجال آخر حيث ستظل السياسة دون تغيير إلى حد كبير، حيث لا يوجد دعم كبير من أي من الحزبين لمبادرات جديدة، ومن غير المرجح أن تنضم الولايات المتحدة إلى الاتفاقية الشاملة التقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ أو أي اتفاقيات تجارية أخرى.

أما عن إيران، فلا يخلو الأمر من خلافات حول كيفية معالجة القضية النووية، بيد أن الاحتجاجات المتصاعدة في إيران، إلى جانب الأدلة حول الدعم العسكري الإيراني لروسيا، أنهت أي فرصة لعودة الولايات المتحدة للانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.

تمثل كوريا الشمالية تحديا آخر، باستفزازاتها المستمرة واختبار نووي سابع يلوح في الأفق، لكن ليس لدى أي من الحزبين في الولايات المتحدة سياسة بديلة قابلة للتطبيق يمكن طرحها، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستستمر في معاقبة كوريا الشمالية، وسيستمر أيضا حصول إسرائيل على دعم واسع في الكونغرس، لكن لا يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن المبادرات المصممة للتصدي لتغير المناخ.

في عموم الأمر، ستكون الغلبة للاستمرارية، وهو ما يرجع جزئيا إلى أن النظام السياسي الأميركي يمنح الرئيس حرية واسعة في إدارة السياسة الخارجية، ويتمثل الخطر الرئيسي في أن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون قد يعرقل تعيينات هيئة الموظفين، ومجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون قد يعقد جلسات استماع حول قضايا مثل الانسحاب من أفغانستان، وهذا من شأنه أن يحرج إدارة بايدن ويشتت انتباهها.

لعل أكثر العواقب المترتبة على انتخابات التجديد النصفي أهمية هي أن نتائجها أضعفت الرئيس السابق دونالد ترامب، في حين برز حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي فاز بسهولة بإعادة انتخابه، كمنافس قوي لقيادة الحزب الجمهوري، ورغم أن الديموقراطيين تجاوزوا التوقعات، تظل التساؤلات داخل الحزب قائمة حول ما إذا كان ينبغي لبايدن أن يسعى إلى الفوز بفترة ولاية ثانية في عام 2024.

باختصار، تفادت الولايات المتحدة زلزالا سياسيا، وستظل السياسة الخارجية الأميركية في الأغلب الأعم تُـدار على تضاريس مألوفة خلال العامين المقبلين، حتى الانتخابات الرئاسية، وبعد هذا من الممكن أن يحدث أي شيء.

* ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب «العالم: مقدمة وجيزة».

back to top