إن لم نستطع أن نقاوم بالسلاح في فلسطين فسنقاوم بالقلم والورق، كل العرب مطالبون الآن أن يقاوموا كل في مجاله، بالكتابة ونشر الصور في الميديا، والبث المباشر للفيديوهات من مكان المعركة التي تخيف العدو، بشرط أن نتجنب التنكيل والتشفي والانتقام من المدنيين العزل كما أوصانا نبي الرحمة «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور»، بالإضافة إلى أن ديننا يحثنا على الرحمة بالضعيف وبالنساء والأطفال، إذ إن هذه الممارسات قد تضعف المقاومة وتقلب الرأي الدولي ضدها، والتعرض فقط لجنود العدو في أرض المعركة.
التوسع في نشر الميديا بالتزامن مع استمرارية الحرب له جوانب إيجابية كجزء من الحرب النفسية للعدو، أي تثير الرعب في صفوف جيش كيان العدو، فكلما تم دعم المقاومة بالأخبار الإيجابية زادتهم بأسا وحماسا وعزيمة لمجابهة العدو.
لعل من لا يعلم أهداف عملية «طوفان الأقصى» كما يقول، القائد العام لكتائب القسام محمد ضيف:
أولاً: وقف استفزازات الكيان العدو، ووقف اقتحامات المسجد الأقصى فضلاً عن الاعتداءات المتكررة على المدنيين في الضفة.
ثانياً: عن ضرورة صفقة تبادل الأسرى الذين يصل عددهم إلى أكثر من 5000 أسير، يضاف إلى ذلك ما أفصح عنه، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي، قطع الطريق عن التطبيع مع بعض الدول العربية.
لكن باعتقادي الشعب الفلسطيني يقاتل في ظل «طوفان الأقصى» من أجل إرجاع أرضه المغصوبة وفرض عزته وكرامته بعدما مسحها الأحمق ترامب والمؤزم نتنياهو في عام 2017 اللذان اعتبرا القدس عاصمة للكيان ونقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس الشريف، ولهذا «طوفان الأقصى» قد يكون أيضا ورقة قوة في أي تفاوضات قادمة.
حصل هذا الطوفان كذلك نتيجة المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني والتي بدأت تؤتي أكلها، وكما يقال هذه الدنيا دوارة ليست بدار قرار كما أن بقاء الحال (العنجهية والعنصرية والقوة العسكرية للعدو) من المحال، وكل حقبة تأتي بدول وتذهب بأخرى، فلا يغرنكم بالله الغرور وإن وعد الله حق.
لذا لم يتعود كيان العدو أو يشهد قتل أعداد كبيرة في صفوفه، ولم يستوعب التنكيل ببعض جنوده المأسورين وهروب شعبه من جراء القصف الحماسي منذ أكثر من 70 سنة (سنة النكبة) حيث وصل عدد القتلى والجرحى في صفوفه بالألوف.
دلالة هذه الحرب أن هناك تطوراً في معادلة الردع، ولم يعد الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ولم تعد الأسلحة المستخدمة في الحروب لا تتوافر سوى عند هذا الجيش أو ذاك، فالدول الخارجة من عباءة الإمبريالية الأميركية كرامتها لا تقبل الخنوع والذل والهوان مما حفزها لتطوير أسلحتها وتطوير جيوشها الند بالند.
كما يبدو بدأت عقيدة دفاع المحتل تنهار، حينما يرى جنوده قتلى في الشوارع، وعزيمة صاحب الأرض تزداد قوة ورسوخا، فما هو معروف لا يحمي الوطن إلا أهله، ولا يدافع عن الأوطان إلا أصحاب الحق في الأرض وإن حاول العدو الاستيطان والبناء والتملك. المثير في أن الكثير من الدول الأوروبية، إيطاليا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا، فضلا عن بريطانيا، بالإضافة إلى أميركا أفصحت ببيانات أنها ستدعم إسرائيل، بعضها مساعدات مادية وأخرى عسكرية في حين يخيم الصمت العربي كعادته، حيث لم نسمع أي تصريح من بلد عربي أو بيان داعم ماديا أو تسليحا سوى بيانات خجولة في دعم القضية الفلسطينية.
العرب كانوا ومازالوا مع حل الدولتين منذ اتفاق «أوسلو» الذي ينص على حل الدولتين بمنح السلطة الفلسطينية سلطة محدودة في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، أي المناطق التي احتلها الكيان في حرب 1967م والتي وقعها من الجانب الفلسطيني ياسر عرفات ومن جهة الكيان رئيس وزرائها إسحق رابين بقيادة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، لكن لم نر سوى وعود فارغة، خصوصاً حينما تصدى نتنياهو لمشروع اتفاق أوسلو، واحتلال القدس مرات عديدة، وأميركا باستفزازاتها التي نقلت سفارتها، في عام 2017، من تل أبيب إلى القدس، بعد اعترافها أنها عاصمة الكيان الإسرائيلي، مما يُظهر أن النية غير حقيقية في حل الدولتين، فأين قرارات الأمم المتحدة من جراء الاتفاقيات الدولية الموقعة لحل الدولتين، فنتج عن كل هذا التحول بعد ثلاثين سنة من توقيع الاتفاق أن أميركا ليست حيادية.
قضم الاتفاقية الدولية بعد مجيء ترامب العنصري للسلطة مع المؤزم نتنياهو أفرز عدة مناوشات ومضايقات للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وتبادل إطلاق النار بين الضفة وحماس من جهة، والكيان من جهة أخرى، حتى سطع وانبلج لنا «طوفان الأقصى» الحالي، ولا أعتقد أنه سيكون الأخير ما لم يسترجع الحق إلى أهله.
اللهم يا ناصر المظلومين انصر إخوتنا في فلسطين، واشدد عزيمة رجالها ونخوة شبابها، واحفظ سماءها وأرضها، ولا تسلط عليها القوم الظالمين، وارحمها برحمتك يا أرحم الراحمين.* كاتب بحريني.