حين سألوا وزير المالية اليوناني السابق، الاشتراكي يانيس فوركافيس، عن رأيه في هجوم «حماس» على احتفال كيبوتس إسرائيلي الأسبوع الماضي، قال: لا تنتظروا منّي جواباً يدين «حماس»، فلست في موقع الاختيار بين الإدانة أو التبرئة كعمل في حد ذاته، وإنما أنظر إلى الواقع كما هو، فإسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية وقامت بتهجير الفلسطينيين من أرضهم منذ قيام هذه الدولة عام 1948، وحاصرت غزة حصاراً جائراً وجوّعت سكانها من عشرين عاماً، وتضطهد الفلسطينيين الذين ظلوا في الأراضي المحتلة بالضفة... إلخ.
أيضاً على مثل ذلك السؤال كانت إجابة مصطفى البرغوثي ومعه عدد من المتكلمين الفلسطينيين الواعين لمثل تلك الأسئلة التي يُراد بها إحراج المسؤول، ووصمه بأنه مؤيد للإرهاب ما دام لم يُدِن عملية «حماس» بصورة قاطعة.
الكاتبة في جريدة نيويورك تايمز، ميشيل غولدبرج، كتبت مقالاً بعنوان «المجزرة في إسرائيل تكشف الحاجة ليسار محترم»، وقالت إن الكثير من التقدميين اليهود شعروا بهزّة الخيانة من مواقف اليساريين حين اعتبروا قتل المدنيين الأبرياء (تقصد اغتيال الإسرائيليين بعملية حماس) عملاً مبرراً، فهو مناهض للاستعمار، فهؤلاء اليهود التقدميون وقفوا ضد حصار غزة في السابق، ووجدوا أنفسهم اليوم في عزلة من مواقف اليساريين الذين رفضوا إدانة العملية الحماسية.
وحتى تظهر الكاتبة حيادها في الموضوع قالت إنه مثلما تتمّ إدانة العملية الحماسية ووصفها بأنها إرهابية، فمسألة واجبة أيضاً أن تتم إدانة الحصار حين يحرمُ سكان غزة من الماء والغذاء والكهرباء بعد أن وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي «بأنهم حيوانات إنسانية، ويجب معاملتهم وفق ذلك».
أين ننتهي اليوم من هذا النزاع الإعلامي في وقت نجد أن المواقف الدولية مشتتة، وإن كان يغلب عليها ذلك الموقف الوسطي في إدانة عملية «حماس»، وفي الوقت ذاته رفض تجويع سكان غزة وتهجيرهم في عمل يُعتبر بحقّ تصفية عرقية؟!
هل هناك نهاية حين ندرك أن القوة والعنف لا ينتجان غير العنف والقوة المقابلين، وإذا كانت النوايا الإسرائيلية - الأميركية عُقدت لتصفية «حماس»، فلنكن متأكدين من أنه سيظهر فيما بعد مَن هم أكثر راديكالية من «حماس» وغيرها... فمَن يزرع الريح يحصد العاصفة.