عطفاً على مقال أمس تحت عنوان «طوفان الأقصى ملحمة القرن... نقل القضية الفلسطينية من الفنادق إلى الخنادق» الذي استهللته بما قلته من أنه بعد أن صار الجهاد إرهاباً، وأصبح الاحتلال استثماراً، وغدا الدفاع عن النفس عدواناً، وغياب الوعي الغربي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، اندلع طوفان الأقصى ليوقظ العالم الغائب عن مأساة الشعب الفلسطيني وليعود الوعي العربي والإسلامي بقضيته القومية، قضية الأقصى وفلسطين المحتلة، وقلنا من بين ما قلناه، إن الرد غير المتناسب الوحشي والبربري والهمجي على هذه الملحمة لا يدخل في المفهوم الدولي لحق الدفاع عن النفس، ولا يسري على المقاومة المشروعة للاحتلال، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، كما سعدت بمقال لكاتب ومفكر إسرائيلي نشره في اليوم التالي للملحمة، يصف الظلم والقهر والاستعباد الواقع على الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، وأنقل عنه في مقال اليوم.

وصف جدعون لملحمة الأقصى

Ad

اخترق عدة مئات من المسلحين الفلسطينيين السياج، وغزوا إسرائيل بطريقة لم يتخيلها أي إسرائيلي، لقد أثبت بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين أنه من المستحيل سجن مليوني إنسان إلى الأبد، دون دفع ثمن باهظ، وكما هدمت الجرافة الفلسطينية القديمة المدخنة بالأمس الجدار، وهو الأكثر تطوراً بين كل الجدران مزقت أيضاً عباءة الغطرسة واللا مبالاة الإسرائيلية، كما أنها مزقت فكرة أنه يكفي مهاجمة غزة بين المرة والأخرى بالطائرات الانتحارية بدون طيار، وبيع هذه الطائرات لنصف العالم من أجل الحفاظ على الأمن.

بالأمس رأت إسرائيل صوراً لم ترها في حياتها سيارات عسكرية فلسطينية تقوم بدوريات في مدنها، وراكبو دراجات هوائية من غزة يدخلون بواباتها، هذه الصور يجب أن تمزق عباءة الغطرسة. قرر الفلسطينيون في غزة أنهم على استعداد لدفع أي شيء مقابل الحصول على لمحة من الحرية، هل هناك رجاء من ذلك؟ لا. هل ستتعلم إسرائيل الدرس؟ لا.

حمية الفرسان وقوة الإيمان

نعم كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية بوجه عام، والشعب الفلسطيني بأسره من قطاع غزة إلى الضفة الغربية إلى الفلسطينيين في كل بقاع الأرض من مشارقها إلى مغاربها، لم تعد قوات إسرائيل العسكرية تطيش بعقولهم أو تخلع فؤادهم أو توقع الرعب في قلوبهم، لقد قرروا جميعاً أن المنية والاستشهاد أفضل من قهر وظلم واستعباد.

ولم تعد تخيف المقاومة الفلسطينية حاسة الحرب أو أهمية النزال والنضال، بعد أن فشلت الفصاحة والبلاغة التي تخرج من أفواه الساسة في الفنادق فأصبح لا مفر أمام المقاومة من الخنادق المدججة بالإيمان والفروسية، وقد استقامت للمقاتل الفلسطيني من خلال عقود متعاقبة من مقاومة القهر والظلم والذل والاستعباد التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد شعب فلسطين مصبحاً ممسياً دون هوادة أو برهة راحة أو لحظة حرية، استقامت للمقاومة العزيمة والإصرار على حق الحياة، وحق الحرية، وحق العيش في سلام وعلم ومعرفة ببعض التقنيات العسكرية الحديثة والبسيطة والقليلة الكلفة تنطلق من الخنادق بعد أهبة الاستعداد ورسم الخطة وتنظيم مئات من المناضلين في مواقعهم، وفي حركاتهم ليقفذوا على الأسوار المقامة على أرضهم المسلوبة، وقد استخف اليهود بقوة إيمان الشعب الفلسطيني بقضيته فخاضوا حربهم المقدسة ضد فرقة عسكرية إسرائيلية بأكملها، فلم يكن هذا النجاح الذي أذهل العالم كله بعد أن انقلب غرور وزهو وخيلاء إسرائيل الشديد إلى فزع شديد طاش بعقلها، وقد رأوا فرساناً بواسل يترجلون من مظلات تطير في الهواء ليحكموا الضرب والحركة، في مواجهة فرقة عسكرية تملك المدببات والمصفحات والمدرعات والأسلحة الثقيلة والخفيفة وكل أنواع أسلحة الإبادة للبشر، وصنوف الترويع في دولة تملك القنبلة النووية.

القداسة لليهود لا لحقوق الإنسان

لم أجد خيراً من هذا العنوان، وقد انتفض الغرب بأسره للتباكي على الإسرائيليين الذين لقوا حتفهم في طوفان الأقصى، وكانوا هم الجناة، كما اعترف بذلك الكاتب والمفكر الإسرائيلي جدعون ليفي في مقاله المنشور على صحيفة «هآرتس» ونسي العالم الضحية، فلسطين المحتلة وشعبها المقهور الذي يعاني شظف العيش والحصار والتجويع من آن إلى آخر، وقطع المياه والكهرباء عنه، إذا شاء العدو الإسرائيلي وفي الوقت الذي يشاء، فضلاً عن القتل والأسر والتعذيب، حتى لم يعد يشعر بلحظة من الحرية.

صدق نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان الفرنسي) عندما قال إنه «لا وجود لحرية ضد الإنسانية إلا إذا كانت تمس يهوديا»، قالها في مايو 1990 في جلسة الجمعية أثناء مناقشة قانون (غايسو فابيوس)، الذي خلع القداسة على واقعة تاريخية، هي محرقة النازي لليهود، إبان حكم الزعيم الألماني هتلر، ولقد أقر البرلمان الفرنسي هذا القانون، الذي يجرم كل قول أو فكر يناقش وجود هذه المحرقة أو أعداد ضحاياها، أو ينكر ذلك، ويعاقب مرتكبه بالسجن، وكان أحد ضحاياه المفكر الفرنسي الكبير روجيه غارودي عندما نشر كتابه «الأساطير الإسرائيلية».

وكان هناك قانون آخر في فرنسا، صدر قبل عشرين عاماً تقريباً في عام 1972 قانون بليفين، الذي يعاقب بالسجن على التحريض على التفرقة أو الحقد أو الفتن ضد أي شخص أو مجموعة أشخاص، بسبب أصلهم أو انتمائهم إلى عرق أو أمة أو جنس أو دين، ليستخدم فقط ضد العرب.

الحرب على غزة حرب دينية

لقد وقف وزير الخارجية الأميركي عند نزوله المطار في تل أبيب ليدلي بأول تصريح له: أنه جاء بصفتين صفته كوزير خارجية أميركا وبصفته كيهودي... إن الديانة اليهودية وفقاً لتحريف أسفارهم تقوم على قتل كل غير يهودي، وأثناء إقامتي فى فرنسا مبعوثاً من مجلس الدولة المصري إلى مجلس الدولة الفرنسي كنت أشاهد صناديق التبرعات في المقاهي ومحال البقالة مكتوب عليها ادفع دولاراً تقتل مسلماً. إن إيغال عامير قتل رابين، قد اعترف بجريمته، وقرر أنها بأمر من الله، وباروخ غولدشتين الذي قتل في عام 94 تسعة وعشرين مسلماً فلسطينياً يؤدون الصلاة في المسجد الإبراهيمي في الخليل، يعترف بأنه ارتكب جريمته بأمر من الله، فثقافة الإرهاب لديهم عقائدية ودينية تحمل كل عداء للإسلام والمسلمين بل المسيحيين، ففي مقال كتبه جدعون ليفي في جريدة «هآرتس» بتاريخ 23/ 8/ 1998 تحت عنوان «من يمس الأماكن المقدسة» يقول فيه: «لقد بدأت الاعتداءات الإسرائيلية على القيم الدينية للآخرين مع قيام دولة إسرائيل، فقد دمرنا ما لا يقل عن 400 مسجد و400 كنيسة، ونحن ندمر 400 قرية فلسطينية، ولم تترك إسرائيل أي أثر لهذه المساجد والكنائس والمقابر».

كما يقول كاتب المقال إن التدمير للمساجد والكنائس استمر بعد عام 1948، ومع تدمير القرى في الجولان بعد 1967 دمرت الأماكن المقدسة فيها.

وينتهي كاتب المقال إلى التساؤل لو تصرف أحد هكذا في أي مكان في العالم ببقايا كنيس يهودي أو مقبرة يهودية لأقامت إسرائيل واليهود الدنيا ولم يقعدوها.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.