عندما كتبت لي بثينة العيسى رسالة هاتفية تطلب فيها عنواني، لكي توافيني بآخر مطبوعاتها، شعرت بسعادة غامرة، لأنني سوف أقرأ رواية جديدة، بعد أن كان لروايتها السابقة أطيب الأثر، مما دفع بي أن أسطّر عنها ما يليق بها من ثناءٍ وإعجاب ككاتبة رواية متميزة، لكنها فاجأتني بكتاب عنوانه «شرف المحاولة... معاركنا الصغيرة ضد الرقابة».
وإذا بهذا الكتاب، على صغر حجمه، يكاد يكون بحثاً لرسالة أكاديمية تم فيها رصد هائل ومتكامل لجميع قوانين مطبوعات الكويت منذ بدأت حركة مواكبة الطباعة والنشر فيها.
***وبصدق أقول، لم أكن أتصور أن بلداً كالكويت عُرف عنه، منذ القدم، احترام حرية الإنسان، أن تحفل قوانين مطبوعاته بهذا الكمّ من القوانين القمعية التي رصدتها بثينة العيسى في كتابها هذا، فعلى سبيل المثال - لا الحصر - جاء في الصفحة 48: «بعد هذه السلسلة من الملاحقات في التسعينيات، بدأت الاحتجاجات على ما شاع تسميته بدعاوى الحسبة، التي تتيح لمن لا صفة له التوجه إلى النيابة للشكوى ضد ما يعتقد أنه مخالفة، وكانت محاكمات البغدادي والعثمان وشعيب والربيعان هي لحظة التدشين الرسمية لسلسلة ملاحقات ستستمر حتى يومنا هذا، منها استدعاء د. شملان العيسى للتحقيق، بسبب قوله إنه يرفض تطبيق أحكام الشريعة في الكويت، وكذلك التحقيق مع رئيس تحرير جريدة القبس وليد النصف».
***وقفت المؤلفة طويلاً أمام الاستجواب الذي تعرَّض له وزير الإعلام سعود الناصر الصباح، والذي تم بطلب من 3 من النواب السلفيين والإخوان المسلمين، وهم وليد الطبطبائي، ومحمد العليم، وفهد الخنّة، وقد أخذ منها البحث في هذا الموضوع عدداً لا يُستهان به من صفحات الكتاب.
وهناك العديد من القضايا المرتبطة بحرية الرأي، منها: أشهر حادثة يوم اعتُقل د. خلدون النقيب من أمام منزله في يناير 1988 بتهمة محاولة قلب نظام الحُكم، إثر تأليفه كتاب «المجتمع والدولة»، ولم تنشر الصحف كلمة واحدة عن اعتقال النقيب، بسبب الرقابة المسبقة.
***وكتبت العيسى عن تجربتها المرهقة في عدم قدرتها على افتتاح مكتبة لتبيع من خلالها الكتب. وفي النهاية، فإن هذه المقالات القصيرة قد زودتني بكمّ معرفي له ارتباط بقوانين المطبوعات التي لم تزل لها آثار سلبية على حرية الرأي العام في هذا البلد، الذي يفخر دوماً بما يتمتع به الإنسان من حرية قلَّ أن يتمتع بها سواه.