لم يكن الغرب بقيادة أميركا يحتاج إلى حرب غزة ليقدم دليلاً جديداً عن انحيازه للجلاد، بل أسقط مرة ثانية أقنعة التضليل التي مارسها تجاه عدد من الدول والأزمات، فكان الكيل بمكيالين في أوضح مظاهره وصوره.
ماذا يعني الكيل بمكيالين أو أربعة مكاييل؟
هو تحيز وظلم لانتهاكه أبسط قواعد القانون الدولي والقائمة على معادلة ثابتة، وهي أن جميع الأطراف على قدم المساواة، إلا إسرائيل، فهذا الشرط لا ينطبق عليها، وهناك أصوات خافتة وأخرى مرتفعة تتساءل: متى تخرج الدول الغربية من إطار ازدواجية المعايير؟ وكيف لدولة عظمى مثل أميركا تساند «الديموقراطية» والدول التي تنتسب إليها، أن تفضح هذه الدول عندما تتعارض مع توجهاتها ولا تخدم مصالحها ولا تتطابق مع أغراضها الاستراتيجية والاقتصادية؟
فمقارنة بسيطة لموقف أميركا والغرب بين ما أقدمت عليه في أوكرانيا وما فعلته تجاه الشعب الفلسطيني في غزة وحرب إسرائيل الهمجية على هذا القطاع، إذ يقف رئيس دولة عظمى أمام أجهزة التلفزيون ويصرح بعد أن يقوم بالتعريف عن نفسه (أنه صهيوني) ويعلن أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وشعبها!
طبعاً يقصد إسرائيل واحتلالها أرضاً فلسطينية أجمعت الشرعية الدولية على مخالفتها وإدانتها، هذا في وقت اعتبرت الإدارة الأميركية أن «الغزو» الروسي لأوكرانيا خرق للقانون الدولي، بل فرضت عقوبات اقتصادية منفردة عليها، وعملت على طردها من مجلس حقوق الإنسان!
كيف لهذه الدولة العظمى أن تكسب الحياد والمصداقية والنزاهة في علاقاتها الدولية، عندما تكيل بمكيالين؟ روسيا دولة غازية ومحتلة لأوكرانيا فيما إسرائيل المحتلة للأراضي الفلسطينية والتي انتهكت القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وفرضت حصاراً ظالماً على مليوني مواطن فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال، وقطعت عنهم الوقود والكهرباء والمياه، وهدمت بيوتهم وقتلت أطفالهم واستخدمت قنابل فسفورية محرمة دولياً، ومع هذا كله لا تحاسب ولا تساءل، بل يعطى لها «كارت بلانش» للقيام بجريمة حرب وإبادة جماعية!
تخيلوا معي كيف تعاطى «الرئيس الديموقراطي» لأوكرانيا، وكيف نظر إلى ما يجري بين إسرائيل والشعب الفلسطيني في غزة، لم ير غير الوجه الروسي الداعم لفلسطين في المعركة، بل بارك للدول التي تقف مع إسرائيل في وجه «الإرهابيين»، وبدا خائفاً أن تؤدي الحرب إلى «صرف أنظار المجتمع الدولي عن الحرب الروسية»!
ثلاث ركائز انقلبت عليها أميركا عند اختبارها في الحرب الهمجية التي تشنها سلطات الاحتلال على شعب غزة الفلسطيني:أولاً: حقوق الإنسان.
ثانياً: الشرعية الدولية.
ثالثاً: القانون الدولي.
هذه الأسلحة تلاشت عندما وصلت إلى حدود فلسطين، لكنها صمدت تجاه روسيا وحربها في أوكرانيا، فهناك مسطرة أخرى للمصالح والعلاقات! وقصف الروس لمدينة في أوكرانيا يعد جريمة حرب، أما إذا هدمت إسرائيل البيوت على ساكنيها ومسحتهم عن الأرض فهذا دفاع عن النفس من وجهة نظر أميركا زعيمة الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم!
الغرب «متهم» بالنفاق واعتماد معايير مزدوجة، فهل هذه كذبة أم حقيقة؟ عليكم فقط الاستدارة بوجوهكم نحو شاشات التلفزيون لتميزوا بين الضحية والجلاد!