غزة كعبة النضال العربي والإسلامي
بعد أن صار الجهاد إرهاباً، وأصبح الاحتلال استثماراً، وغدا الدفاع عن النفس عدواناً، وبات العدوان دفاعاً، وأمسى السلام سراباً، انطلق «طوفان الأقصى» هادراً يدوي هديره في سمع عالم الأفيال، فأصبح العالم عالمين: عالم الأفيال الذي تحتل دوله المقاعد الخمسة الدائمة في مجلس الأمن، والتي تستطيع أي دولة منها وقف أي قرار، وعالم الشعوب المستضعفة التي تتناوب على المقاعد الباقية في المجلس المكون من خمسة عشر عضواً، ولا تستطيع هذه الدول مجتمعة إصدار قرار واحد يدين إسرائيل، التي أصبحت من عالم الأفيال، وقد عصمها «فيتو» الأفيال في المجلس من أي إدانة لأفعالها البربرية والهمجية والوحشية، منذ إعلانها والاعتراف الأميركي بها. لذلك كان قرار المجلس الهزيل المتخاذل أمام هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة عقب «طوفان الأقصى» متوقعاً، بعد انحياز أغلب الأفيال الخمسة، ودعمها المادي والعسكري والمعنوي لهذا العدوان، بل التشجيع عليه.
إن غزة أصبحت، بعد ملحمة الأقصى، كعبة النضال العربي والإسلامي تتعرض الآن لعدوان غير مسبوق، وفاقت الصهيونية بهذا العدوان، المغول والتتار، اللذين كانا عارا على البشرية، ووصمة في جبينها، مثلما كانت مكة كعبة العرب التي يحجون إليها حتى قبل نزول القرآن ودعوة الإسلام، وأراد أبرهة الحاكم الحبشي هدمها فساق أفياله، لتدوس الكعبة وتهدمها بالأقدام، واليوم يطلع علينا أبرهة هذا العصر علينا بعدوانه على غزة الحبيبة، غزة الصامدة منذ عام 48، غزة كعبة النضال والكفاح والصمود في العالم كله، وقبلة النضال الفلسطيني والعربي والإسلامي.
فلا غرو ولا عجب أن يرتفع نهيم (صوت) الأفيال الخمسة صاخباً وصارخاً ومزمجراً ومهدداً ومتوعداً أهالي غزة المدنيين من شيوخ وأطفال ونساء ورجال وشباب لمحوهم من الوجود إرضاءً للفيل الإسرائيلي، وانتقاماً من أبطال «طوفان الأقصى»، وقد رأوه مطروحاً على الأرض التي اغتصبها عنوة من أصحابها تحت سمعهم وأمام بصرهم، مثخناً بجراحه، مضرجاً بدمائه، لا يستطيع حتى أن يلملم أشلاءه، وقد تبعثرت كرامته، وكرامة الأفيال العظمى، وسقطت غطرستها جميعاً، وتبخر تكبرها وتجبرها، وقد تحطم طغيان الفيل الإسرائيلي وبغيه على صخرة الشباب البواسل في «طوفان الأقصى»، الذين كانوا الطير الأبابيل، والذين هزموا فرقة غزة العسكرية في الجيش الذي أصبح بما يملكه من عتاد عسكري وأسلحة الدمار الشامل الجيش الذي لا يقهر، وأذاقوها الذل والهوان، والانكسار والخسران، لينتهي وليسقط أبرهة هذا العصر نتنياهو، سياسياً وعسكرياً، كرئيس لوزراء أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً وعنفاً وعدواناً وإثماً في تاريخ مذابح إسرائيل، كما انتهكت مراراً وتكراراً حرمة المقدسات الإسلامية، واستباحت المسجد الأقصى، والبراق وهو الإسراء في الرحلة النبوية المقدسة، فدنس المستوطنون ووزراء هذه الحكومة بحماية الأمن الإسرائيلي حرمة المسجد الأقصى وحرمة الأديان السماوية جميعا والدين الإسلامي بوجه خاص، ولتسقط عظمة أصحاب الفيل في هذا العصر مثلما سقط أصحاب الفيل في عهد أبرهة الحبشي، وقد نزل قوله سبحانه وتعالى «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ». وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حديثة الشريف الذي يقول فيه: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك»، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»، وهو أمر ونبوءة من الرسول، بألا يتوقف الجهاد حتى يتحرر بيت المقدس.
الطير الأبابيل في العالم كله
لم يقتصر طير الأبابيل على الشباب البواسل في كتائب القسام في ملحمة «طوفان الأقصى»، بل جعل الله كيد الأفيال العظمى وكيد الفيل الإسرائيلي دلوعة هذه الأفيال وربيبتهم، في تضليل، بأن أرسل عليهم طيرا أبابيل في المظاهرات التي اندعلت في مشارق الأرض ومغاربها تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة وتتنادى بالحق المشروع للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، واستعادة أرضه التي بنى عليها الفيل الإسرائيلي مستوطناته، وتندد بموقف الكثير من حكومات هذه الشعوب من تأييدهم لحق الدفاع المزعوم لإسرائيل، وبعضها أمام القنصليات أو السفارات الإسرائيلية، أو أمام البيت الأبيض، أو أمام مكتب رئيس الوزراء البريطاني داونينغ ستريت، وكلها رفعت راية فلسطين.
كانت هذه المظاهرات تعبيراً شعبياً صادقاً عن ضمائر مازالت حية في هذه الشعوب، ومنصفة لحق الشعب الفلسطيني المعتدى عليه في أرضه، والمشرد في العالم، وحقه في العودة إلى هذه الأرض الطيبة أرض الزيتون والزعتر، ومنصفة للقضية القومية عند كل العرب والمسلمين، قضية فلسطين.
الأبابيل في المظاهرات العالمية
خرجت الطير الأبابيل في مظاهرات كبيرة في ولاية فلوريدا ونيويورك، وفي غيرها من مدن أميركا وولاياتها المختلفة، ومنها ولاية ألينوي في شيكاغو، وأمام البيت الأبيض في واشنطن، وفي بريطانيا، حيث خرح ما يقدر عددهم بمليون نسمة في لندن، وأكثر من هذا العدد في ولاية ليفربول، التي يلعب في ناديها محمد صلاح، وقد رسخ ببطولات وأخلاقه الحميدة وخصاله الطيبة حب جماهير ليفربول للعرب والمسلمين ولكل قضاياهم، فكان خير سفير للأمتين العربية والإسلامية في هذا البلد، فله كل الفضل، وإن لم يشارك في هذه التظاهرات، كما خرجت المظاهرات في النمسا (فيينا)، وكندا (فانكوفر)، واليونان، وتركيا، وبرلين العاصمة الألمانية، وباريس عاصمة فرنسا، رغم تعرض المظاهرات في هذين البلدين لتفريق المتظاهرين بواسطة الشرطة، وفي ايرلندا الشمالية وهولندا وإسباينا وفي جنوب إفريقيا، وفي كينيا، كما خرجت المظاهرات في العالم العربي والإسلامي، والجامع الأزهر، والجامعة الأميركية، والعراق، وفي مدينة 6 أكتوبر، وغيرها من مدن ومحافظات مصر ووقفة أمام نقابة المحامين في القاهرة، وفي المغرب وتونس، وفي الكويت في ساحة الإرادة والجامعة، وفي الجزائر والبحرين، والأردن، والعراق وسورية، وفي الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، وفي طهران وباكستان.
ومن الجدير بالذكر أن من هذه المظاهرات مظاهرات اليهود الاثوذوكس المعادين للصهيونية في أميركا ومظاهرات اليهود المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في نيويورك، وفي بريطانيا.
التحول العالمي والإعلامي
وقد اعتذرت قناة CNN عن خطأ وقعت فيه حين سوقت إسرائيل قصة كاذبة عن ذبح أربعين طفلاً، وانساق وراء هذه الأكذوبة جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الذي يملك أكبر جهاز مخابرات في العالم، ثم خرج بتصريح يعتذر عن وقوع هذا الخطأ، وقد تلقى بايدن الاتهامات في الشارع السياسي، أمام البيت الأبيض، فاتهمه مواطن أميركي بأنه قاتل ثم تغيرت تصريحاته ليقول لإسرائيل، إنها ترتكب خطأ كبيراً إذا احتلت غزة، ويخرج وزير خارجية إسبانيا ليدين إسرائيل بالعقاب الجماعي والقتل، فطير المظاهرات الأبابيل استطاعت أن تؤثر بعض التأثير على حكوماتها وهلم جراً. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.