في الصميم: تجّار القضية؟
بما أنه من الواجب علينا والمطلوب منا كعرب أن ندعم ونساعد إخواننا الفلسطينيين، كل حسب مقدرته، فإن من حقنا في المقابل أن ننتقد ونلوم، بل نعاقب من يضر بأمننا ومصالحنا، ومن يتحالف مع عدونا، كما أنه ليس من حق أي جهة كانت أن تقوم بفعل من دون استشارتنا، أو أن تحتكر الرأي الفصل بما حصل وسيحصل لفلسطين.
وبعيداً عن مزايدات تجار القضية وشعاراتهم الجوفاء، فنحن الآن في أمسّ الحاجة إلى رجل صريح يضع أصابعه على مكامن الخطأ بلا مجاملة فيما حدث ويحدث للفلسطينيين، أمتنا بحاجة الى عاقل سويّ يملك الشجاعة في هذه الأيام الملغومة فيعلق جرس الملامة في رقبة ذلك المتهور والمستخف بمصير كل فلسطين.
لا يجب بعد اليوم التبرير السمج بألا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لأنه ليس هناك غير المجازر، وما فعلته «حماس» ومن معها مهما كانت حجتهم لذلك الهجوم العنيف على دولة مدججة بالسلاح حتى أسنانها، ومحمية بالتزام صريح ومعلن من أميركا وكل أوروبا، لا هم ولا من خدعهم، ولا العرب بقادرين في زمننا هذا على تحرير فلسطين، ولا حتى على وقف الهجمات الوحشية الإسرائيلية.
تلك الفعلة جرّت على الفلسطينيين ويلات وكوارث، وألّبت العالم ضدهم، وما فعلته «حماس» و«الجهاد»، أو المندسون بينهم، من أعمال تتنافى مع الإسلام الذي يدّعونه، جعل من وحشية إسرائيل مبررة من الغرب، وأضاعت على الفلسطينيين التعاطف الدولي ضد الانتهاكات الإسرائيلية، وقلبت الموازين الإنسانية ضدهم، وأفادت إسرائيل المعتدية بمساندة عسكرية وسياسية ومالية وإعلامية غير مسبوقة، وأنست الرئيس بايدن عداوته لنتنياهو، فهل يعقل أن قادة «حماس» لم يحسبوا حساب ذلك؟ وهل نسوا أم تناسوا ردود الفعل الإسرائيلية العنيفة السابقة على رشقاتهم الصاروخية المحدودة، فكيف يقومون بعمل كهذا؟
ألم يكف «حماس» انقلابها الدموي في غزة وتنكيلها بمن قاوم انفصالها المشؤوم؟ الآن هي، ولا أحد غيرها، من يتحمل أوزار المجازر والتهجير وحتى مسح غزة من الخريطة، فهذا ما حلمت به إسرائيل، وهذا ما خطط له الغرب، وهذا الذي أراده من خدعها.
هل توقعتم أن يرميكم الإسرائيليون بالزهور؟ أو أن تَفزع لكم إيران؟ لقد خُدعتم بشعاراتها، وفيلق قدسها فهو لم يطلق رصاصاته إلا على العرب، ألم تعلموا أنه لا القدس ولا فلسطين من أولوياتها؟ إذاً اسمعوا معمميهم ماذا يقولون عن مقدسات المسلمين والمسيحيين فيها، ألم تعلموا أنكم وغيركم لستم إلا أدوات تحارب بكم العرب تحديداً، وتُنفّذ بكم أجندتها؟ فما همها يوما كم ولا من قُتل أو من سيُقتل منكم.
ما يحدث لغزة الآن وضع تقاطعت فيه مصالح وتلاقت فيه أخرى، إنها لعبة صعبة من لعبة الأمم، ووضع مستعصٍ على الفهم، ومؤامرة لا يعلم مداها إلا الله وأميركا، لكننا نقول: سيأتي بالتأكيد اليوم الذي تنقشع فيه هذه الغُمّة عن أمتنا، ولكن لن يكون على يد تجّار القضية.