«بناء على ما شاهدت يبدو لي أن العملية هي من فعل الفريق الآخر»، تلك كانت عبارة وتعليق الرئيس بايدن عن جريمة قتل المئات من الفلسطينيين في تفجير المستشفى الأهلي العربي في غزة أمس! أصدر الرئيس الأميركي حكمه بإدانة «حماس» و«الجهاد» قبل كتابة أي تقرير مخابراتي من «سي آي إيه»، وهل يتصور عقلاً، فيما بعد، أن يأتي التقرير من ذلك الجهاز ليقول للعالم إن الجريمة هي من صنع إسرائيل ويدينها بالتالي؟ فقد أصدر الرئيس حكمه النهائي ولا يجوز نقضه من جهاز يتبعه.

نتذكر على سبيل المثال لا الحصر، تأكيد الإعلام الرسمي الأميركي أن العراق يصنع أدوات الدمار الشامل قبل أن تقوم الولايات المتحدة باحتلاله، وقبلها بسنوات سمعنا الكذب المتواصل منها في حقيقة دعم الكونترا بـ «نيكارغوا»، ورفضها تنفيذ حكم المحكمة الدولية في إدانتها لها، وقبلها من دون نهاية في حرب فيتنام وقلب أنظمة حكم كثيرة في العالم الثالث، ومسائل طويلة ممتدة من تاريخ التلفيق السياسي من عالم الحريات المتقدم.

Ad

مواقف الإدارة الأميركية والدول الغربية التابعة للسيد الأميركي ووسائل إعلامها الكبرى تثير الغثيان والقرف، حين تحاول أن تبرز ذاتها كطرف محايد في عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، حتى أنهم لم يظهروا ولو القليل من الخجل في إظهار مسلسل الإجرام الإسرائيلي، ففي أبشع عملية قتل جماعي كالتي حدثت في المستشفى تنحو تلك الدول للجانب الجاني، وتصدر صكوك البراءة مقدماً قبل أن تتقصى الحقائق.

أنكرت القيادة العسكرية الإسرائيلية في مؤتمر صحافي أنها خلف التفجير، وعزته لخطأ في إطلاق الصواريخ من الجهاد الفلسطيني، وقالت في مؤتمرها إن تقدير أعداد القتلى مبالغ فيه كثيراً، وإنه لم يحدث في المستشفى وإنما كان في ساحته! لماذا تزعم بمثل هذا الادعاء بينما هي تنكر بداية أن الجريمة من صنعها؟ فإذا كانت الجريمة هي من إهمال «حماس» أو «الجهاد»، فالأولى منطقاً ألا تقلل من عدد القتلى والجرحى ما دام الفعل الإجرامي هو صنيعة عدوها «حماس» أو «الجهاد».

فقرة قصيرة لا تزيد على عبارتين جاءت في تقرير طويل لجريدة «نيويورك تايمز» يؤكد ضخامة أعداد القتلى والجرحى، بما ينفي الادعاء الإسرائيلي تماماً، ليعود هذا التقرير، مثله مثل معظم مانشيتات ومقالات الصحف الأميركية والغربية، ويذكر العالم بضحايا عملية حماس الأخيرة، فيأتي بحكاية حزينة عن أسرة قُتل أو جُرح أحد أفرادها بعملية حماس الأخيرة، وكأنه يقول دامعاً: خيراً ما تصنعه إسرائيل في حرب الإبادة للشعب الفلسطيني، فهذا انتقام مشروع... ماذا يصنع هذا الشعب البائس مع هؤلاء الجناة المتغطرسين؟ ولماذا يتشدقون دائماً بحقوق الإنسان وحكم القانون والديموقراطية، والعدالة، وإلخ... إلخ...؟ أليس من حق هذا الشعب أن يكفر برغاء هذه الإمبريالية الجانية؟