علمت «الجريدة» من مصدر مطلع أن الاجتماع الذي جرى في تل أبيب أمس الأول بين الرئيس الأميركي جو بايدن وفريقه، مع أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية المصغرة، انتهى بمجموعة من التوافقات والترتيبات التي سترسم شكل وحدود الحرب الإسرائيلية على غزة، والنتائج التي ترغب واشنطن وتل أبيب في تحقيقها.

وبحسب المصدر، فقد أعطى بايدن ضوءاً أخضر لإسرائيل للقيام بعمليتها البرية الجزئية التي يتمسك بها الجيش الإسرائيلي، والتي تقوم مرحلتها الأولى على طرد سكان شمال غزة من منازلهم وشن حملة تدمير قاسية للمنطقة، قبل دخول القوات الإسرائيلية البرية إليها.

Ad

وأشار إلى أن واشنطن أعطت تل أبيب مهلة لا تزيد على ثلاثة أشهر لإسقاط حكم حركة حماس في غزة وتدمير بنيتها العسكرية والإدارية والسياسية، وتنصيب حكومة «سلمية» فلسطينية مدعومة بقوات دولية يحدد شكلها لاحقاً، والدخول بعد ذلك في عملية إعادة إعمار دولية للقطاع المهدم بطريقة تمنع تحوله مرة أخرى إلى بيئة ملائمة لعمل الفصائل المسلحة، خصوصاً «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، وتحقيق الهدف الذي تحدث عنه مسؤولون إسرائيليون لتغيير وجه وواقع القطاع لنصف قرن مقبل.

أما النقطة الثالثة التي تم التوافق عليها، فذكر المصدر أنها ضرورة تحييد وعزل إيران ومنعها من تحقيق أي مكاسب سياسية من الهجوم الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر، وذلك من خلال الضغط عسكرياً على «حزب الله» والرئيس السوري بشار الأسد، مهما تطلب الأمر، حتى لو استدعى ذلك استخدام أسلحة تكتيكية «غير تقليدية» لقمع «حزب الله» أو العمل على إسقاط الأسد في دمشق.

ولفت إلى أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي اتفقا كذلك على ضرورة فتح ممر إنساني إلى غزة بأسرع وقت، ومنح الضمانات المطلوبة لطمأنة مصر والأردن فيما يخص أي مخططات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية إلى أراضيهما.

وفي تفاصيل الخبر:

تتوعد إسرائيل بالقضاء على حركة حماس من خلال هجوم لا هوادة فيه على قطاع غزة، لكن لا يبدو أنّ لديها تصوراً لمعضلة النهاية، ولا توجد خطة واضحة لشكل الحكم في القطاع الفلسطيني المنكوب، حتى لو حققت النصر في ساحة القتال.

وستكون الحملة العسكرية التي أُطلق عليها اسم «عملية السيوف الحديدية» لا مثيل لها في ضراوتها، كما ستكون أيضاً مختلفة عن أي شيء فعلته إسرائيل في غزة خلال الماضي، حسبما قال 8 مسؤولين إقليميين وغربيين مطّلعين على الصراع رفضوا الكشف عن أسمائهم، بسبب حساسية الأمر.

واستدعت إسرائيل عدداً قياسياً من قوات الاحتياطي بلغ 360 ألف فرد، ولم يتوقف قصفها للقطاع الصغير منذ هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من الجاري، الذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 شخص، معظمهم مدنيون.

وقال 3 مسؤولين إقليميين مطّلعين على المناقشات بين الولايات المتحدة وزعماء الشرق الأوسط، إن الاستراتيجية الإسرائيلية الفورية هي تدمير البنية التحتية في غزة، حتى لو سقط عدد كبير من الضحايا المدنيين، إلى جانب دفْع سكان القطاع نحو الحدود المصرية، وملاحقة «حماس» بتفجير شبكة الأنفاق المترامية الأطراف تحت الأرض، والتي بنتها الجماعة لتنفيذ عملياتها.

ومع ذلك، قال مسؤولون إسرائيليون، إنه ليس لديهم تصوّر واضح لما قد يكون عليه الوضع في المستقبل بعد الحرب. وقال مصدر مطّلع في واشنطن إن بعض مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن يشعرون بالقلق من أن إسرائيل، رغم أنها قد تبرع في وضع خطة فعالة لإلحاق ضرر دائم بـ «حماس»، فإنها لم تضع بعد استراتيجية للخروج.

وأضاف المصدر أن الرحلات التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى إسرائيل، شددت على الحاجة إلى التركيز على خطة ما بعد الحرب في غزة.

ويشعر المسؤولون العرب بالانزعاج أيضاً من أن إسرائيل لم تضع خطة واضحة لمستقبل القطاع الذي تحكمه «حماس» منذ عام 2006 ويبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة.

وقال مصدر أمني إقليمي «إسرائيل ليست لديها نهاية للعبة في غزة. استراتيجيتهم هي إسقاط آلاف القنابل وتدمير كل شيء والدخول. ولكن ماذا بعد؟ ليس لديهم استراتيجية خروج لليوم التالي».

ولم يبدأ اجتياح إسرائيلي بعد، لكنّ سلطات غزة تقول إن 3500 فلسطيني قتلوا بالفعل جراء القصف الجوي، ثلثهم تقريباً من الأطفال، وهو عدد أكبر من قتلى أي صراع سابق بين «حماس» وإسرائيل.

وأبلغ بايدن الإسرائيليين، خلال زيارته لإسرائيل أمس الأول، بأنه يجب القصاص من «حماس»، لكنّه حذّر من تكرار أخطاء ارتكبتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر. وقال: «الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا حماس... وحماس لا تمثّل الشعب الفلسطيني».

وقال خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، آرون ميلر، إن زيارة بايدن كانت فرصة سانحة بالنسبة له للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتفكير في قضايا مثل الاستخدام المتناسب للقوة والخطط الطويلة المدى لغزة قبل شنّ أي غزو.

ويقول مسؤولون إسرائيليون، بينهم نتنياهو، إنهم سيقضون على «حماس» رداً على الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. لكن ما سيأتي بعد ذلك هو أمر أقل وضوحاً.

وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، للصحافيين أمس «نحن بالطبع نفكر ونتدبر في هذا الأمر، بما يتضمن تقييمات ويشمل (مشاركة) مجلس الأمن القومي والجيش وآخرين بشأن الوضع النهائي... لا نعرف على وجه اليقين كيف سيكون». واستدرك: «لكن ما نعرفه هو ما الذي لن يكون»، في إشارة إلى هدف إسرائيل المعلن المتمثل في القضاء على «حماس»... لكن الكلام شيء والأفعال شيء آخر.

وقال المصدر الإقليمي الأول، في استدعاء لذكريات حرب العصابات الشيوعية التي واجهتها القوات الأميركية في فيتنام، «إنها مدينة أنفاق تحت الأرض تجعل أنفاق الفيتكونغ (في فيتنام) تبدو كلعبة أطفال... لن يقضوا على حماس بالدبابات وقوة النيران».

وقال خبيران عسكريان إقليميان لـ «رويترز» إن كتائب عز الدين القسام، (الجناح العسكري لحركة حماس)، تحشد القوات للتصدي للاجتياح وتزرع الألغام المضادة للدبابات وتنصب أكمنة للقوات.

وستكون عملية إسرائيل المقبلة أكبر كثيراً من سابقاتها التي أشار مسؤولون إسرائيليون إليها على أنها مجرد «تقليم للعشب»، إذ قللت من قدرات «حماس» العسكرية، لكنها لم تستأصلها.

ويقول المصدر الأميركي إن التفاؤل في واشنطن أقل تجاه قدرة إسرائيل على القضاء تماما على «حماس»، وإن المسؤولين الأمريكيين يرون احتمالاً ضئيلاً لرغبة إسرائيل في التمسك بأي أراضٍ في غزة أو إعادة احتلالها.

وذكر المصدر أن السيناريو المرجّح سيكون أن القوات الإسرائيلية ستقتل أكبر عدد ممكن من أفراد «حماس» أو تأسرهم، وستفجر أنفاقاً وورشاً لتصنيع الصواريخ، ثم، بعد تزايد القتلى والجرحى الإسرائيليين، ستبحث عن سبيل لإعلان النصر والخروج.

سوناك

إلى ذلك، تلقّى نتنياهو، أمس، دعماً من نظيره البريطاني ريشي سوناك، الذي زار إسرائيل بعد ساعات من مغادرة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتعهّد سوناك خلال لقائه نتنياهو بأن بريطانيا ستقف إلى جانب الدولة العبرية في «أحلك أوقاتها»، مضيفاً: «سنقف مع شعبكم ونريدكم أن تنتصروا».

وإذ عبّر عن ترحيبه بقرار السماح بمرور مساعدات إلى قطاع غزة، قال سوناك: «نحن نؤيد تماماً حق إسرائيل في ملاحقة حماس، وإعادة المخطوفين وضمان أمنكم على المدى الطويل».

وأضاف: «أعلم أنكم تتخذون خطوات لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، على الرغم من أن حماس تلحق الضرر بهم. ونحن ندرك أن الشعب الفلسطيني هو أيضاً ضحية حماس. ونحن بحاجة إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية».

وذكر مكتب رئيس الوزراء البريطاني، الذي سيقوم بجولة إقليمية تشمل قطر والأردن ومصر وتركيا، أن سوناك ونتنياهو أكدا ضرورة «منع أي تصعيد إقليمي للصراع وأهمية استعادة السلام والاستقرار في المنطقة».

من جهته، اعتبر نتنياهو أن هجوم السابع من أكتوبر استهدف وقف مبادرات التطبيع في المنطقة، وأضاف: «إنها أحلك أوقاتنا. هذا يعني أنّها حرب طويلة، وسنحتاج إلى دعمكم المستمر».

دعم واستقالة

وفي حين وصلت حاكمة نيويورك هوكول إلى القدس وشاركت في صلاة يهودية عند (حائط البراق/ المبكى) من أجل سلامة الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، أعلن مدير مكتب شؤون «الكونغرس» في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية الأميركية، جوش بول، استقالته من منصبه احتجاجاً على طريقة تعامل إدارة بايدن مع حرب غزة وتقديمها مساعدات تشمل أسلحة فتاكة لإسرائيل.

وتزامن ذلك مع إرسال الولايات المتحدة سفينة القيادة والسيطرة الحربية «يو إس إس ماونت ويتني» للانضمام إلى حاملتَي طائرات قبالة ميناء حيفا الإسرائيلي، بهدف ردع إيران والفصائل المتحالفة معها، ومنعها من الانخراط في الصراع.

وفي وقت يتوقع أن تصل السفينة الحربية لتعزيز عمليات الكوماندوز وتقديم الدعم اللازم لإسرائيل في حربها ضد «حماس»، خلال الأيام المقبلة إلى المنطقة، تسلمت تل أبيب أول دفعة مساعدات أميركية، وهي عبارة عن مجموعة من العربات المدرعة.

غارات ونشاط

في غضون ذلك، واصلت المقاتلات والمدفعية والبحرية الإسرائيلية قصفها لعدة مناطق بعموم قطاع غزة، وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، تدمير «بنى تحتية» تابعة لـ «حماس»، منها عشرات المنازل في حي الشجاعية.

وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، آفيخاي أدرعي، إن إسرائيل قتلت عشرات العناصر المنتمية إلى قوة النخبة بـ «حماس» ممن كانوا مسؤولين عن الهجمات في غلاف غزة، بعملية «طوفان الأقصى».

وذكر أن الجيش الإسرائيلي قام بتحييد خلية من 4 مسلحين في طولكرم بالضفة الغربية المحتلة، باستخدام طائرة مسيّرة انتحارية صغيرة، بعد وقوع تبادل لإطلاق نار بمخيم شمس للاجئين.

قصف واغتيال

في المقابل، دوّت صفارات الإنذار في تل أبيب ووسط إسرائيل، عقب إطلاق رشقة كثيفة من الصواريخ الفلسطينية، أمس، فيما استهدفت البلدات الإسرائيلية الواقعة على امتداد غلاف غزة والنقب بقذائف الهاون.

وأشارت مصادر فلسطينية إلى اغتيال إسرائيل لعضوة المكتب السياسي لـ «حماس»، جميلة الشنطي، في غارة جوية. وأفاد موقع «معا» بمقتل أرملة أحد مؤسسي الحركة الإسلامية الراحل عبدالعزيز الرنتيسي، الذي سبق أن اغتالته الدولة العبرية.

ودعت «حماس»«، أمس، إلى جمعة غضب جديدة، وقالت إنّه «في ظلّ حرب الإبادة الجماعيّة والمجازر المروّعة التي يرتكبها الاحتلال وحكومته الفاشية ضد أبناء شعبنا المدنيين العزَّل في ​قطاع غزة​، ندعو إلى النفير العام بكل مكان بالأراضي المحتلة وخارجها والرّباط والاعتكاف في ​المسجد الأقصى​، والاشتباك مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه في كل الأماكن والساحات». وهناك حالة ترقّب للتظاهرات، خصوصاً بعد مجزرة مستشفى المعمداني في غزة.

جاء ذلك في وقت أفادت وزارة الصحة بغزة بمقتل 3785 فلسطينياً في الضربات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر.

وبينما أعلنت وزراة الصحة خروج 4 مستشفيات في غزة عن الخدمة، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن «كارثة تكدّس الجثث في القطاع قد تمتد إلى خارجه».

جبهات متعددة

وتدهورت الأوضاع عند الحدود بين البلدات الإسرائيلية الشمالية ولبنان، أمس، رغم تحذيرات الرئيس الأميركي جو بايدن لأطراف أخرى من التدخّل في الحرب، وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، استهداف البنية التحتية لـ «حزب الله» في منطقة المنارة جنوب لبنان، رداً على إطلاق صواريخ من جهة المناطق الواقعة تحت سيطرته.

في موازاة ذلك، دوّت انفجارات في قاعدة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في ريف دير الزور، أقصى الشرق السوري، بعد هجوم على أكبر تجمّع لهذا التحالف في المثلث الحدودي السوري - الأردني - العراقي.

ووسط أنباء عن وقوف ميليشيات موالية لطهران وراء الهجوم «انتقاماً لغزة»، ذكرت مصادر أن قاعدة التحالف في حقل كونيكو للغاز تعرّضت للقصف بـ 5 قذائف هاون، وسط تحليق لطائرات التحالف الحربية والمروحية في أجواء المنطقة لوقت طويل.

وسبق استهداف حقل كونيكو هجوم بثلاث طائرات مسيّرة استهدف قاعدة التنف، وهي الأهم للتحالف الدولي، وتقع في المثلث الحدودي السوري - الأردني - العراقي. وأكد المرصد السوري أن التحالف أسقط طائرتين، بينما استهدفت واحدة القاعدة، مما أدى لأضرار مادية، دون ورود معلومات عن سقوط قتلى أو مصابين في صفوف القوات المتمركزة فيها. وأمس أعلن التحالف المنتشر بسورية والعراق إصابة 3 جنود من قواته بقصف فصيل يعتقد أنه موالٍ لطهران على معسكر التاجي في كردستان.