بقايا خيال: السيدة العربية الأولى
مع كثرة استخدام مصطلح «السيدة الأولى»، بدأ المسلمون عامة والعرب خاصة بالتساؤل حول أهمية منصب السيدة الأولى بالوطن العربي، فهناك من يقول يجب أن يكون للسيدة الأولى دور في أمور الحكم لأنها هي من صنعت السيد الأول، وساهمت في وصوله إلى هذا المركز المرموق، ولو نظرنا إلى عدد غير قليل من القيادات السياسية في دول العالم المتقدم لوجدنا أنهم ارتبطوا بنساء بعد وصولهم إلى سدة الحكم، ولم يكن لهن دور يذكر برحلة الألف ميل الرئاسية، وهناك أمثلة حية في فرنسا وإيطاليا وغيرهما من الدول الأوروبية ودول أميركا الجنوبية.
أما السيدة الأولى في الوطن العربي أو الدول الإسلامية فليست دائما هي الزوجة الأولى لتحتل مكانة السيدة الأولى، فالزوجة الأولى هي من صنعت السيد الأول خلال سنواته الأولى من تكوينه لذاته، ومهدت طريقه خلال سنوات صعوده، وما إن بزغ نجمه وعلا شأنه حتى بدل زوجته الأولى بأخرى أصغر وأجمل وغالبا ما تكون أكثر ثقافة، ولا يهم إن كانت الزوجة الجديدة «الزوجة الثانية» أو الثالثة أو الرابعة، طالما كان الشرع يبيح له الزواج بأكثر من واحدة، فغالبية زعماء دول العالم الثالث لم يتعودوا أن تكون السيدة الأولى هي التي بدأت مشوار ماراثون الألف ميل مع السيد الأول خلال «سنوات الضياع»، رغم أنها غالبا ما تكون السيدة الأخيرة التي «تجيب أجله»، ولنا في الوطن العربي أمثلة عديدة على الشؤم المنبعث من عدد غير قليل من سيدات يفترض أنهن أوائل، والمشكلة ليست في السيدة الأولى، وإلا كان الأمر سهلاً لو كانت هي الوحيدة الباقية في عصمته، «والمعنى ببطن الشاعر».
ولكن ماذا لو كان الرئيس أو السيد الأول محتفظاً بعصمته الزوجات الأربع، فمن منهن ستكون السيدة الأولى لتبرزها وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية عبر نشراتها الإخبارية؟ فإذا ما حاولت الزوجة الجديدة أن تتسيد المواقف الرسمية وتختار لنفسها مصير السيدة الأولى بين ثلاثة نسور، فهل ترضى الزوجات الثلاث الأخريات أن يبقين «ضميرات مستترات» وراء الكواليس؟ وهل يقبلن بأن يكتفين بتمثيل دور نائبات لـ«ضرتهن» السيدة الأولى، وهن اللاتي ضحين بشبابهن لإيصال السيد الأول إلى ما وصل إليه قبل ظهور الضرة أو «الزوجة الرابعة»؟
مشكلة زوجات الرؤساء في دول العالم الثالث عموما والوطن العربي خصوصا أن الزوجة نادرا ما تقدر على التفريق بين كونها «ست بيت» وبين «زوجة رجل مهم» تستطيع أن تتدخل في عمله وتفرض طلباتها عليه، فعندما نتحدث عن رئيس دولة بشكل عام فإن الوضع مختلف تماماً بين زوج ورئيس دولة مسؤول عن حكومتها وطابور طويل من وزرائها وجيش من المستشارين، ناهيك عن متطلبات وأولويات حزبه وحكومته وشعبه، لكن هذا ما يحدث عادة في الدول المتحضرة أو المتقدمة التي تتباهى بالديموقراطية والحرية قولاً وعملاً، أما في عدد غير قليل من الدول النامية حيث تغيب الديموقراطية وتكبت حريات الرأي، فإن كثيراً من المستشارين والوزراء لزوم الديكور البروتوكولي، حيث يعيشون في ربكة مبكية ومضحكة في آن واحد إذا لم يحسم الرئيس موقفه الحاسم ويتخذ قراراته الصارمة دون تردد وقبل تحرك السيدة الأولى للاستيلاء على مكان السيد الأول.
ولكن لنكن واقعيين ونتساءل: كيف يكون للسيدة الأولى، زوجة هذا الرئيس دور فعال، ويكون كلامها مسموعاً، إذا لم يكن للشعب دور فعال ولا كان كلام الشعب مسموعاً؟