من صيد الخاطر: «لَقَدْ ذلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيهِ الثَّعَالِبُ»
«لَقَدْ ذلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيهِ الثَّعَالِبُ»، مثل يقال للذليل عندما تهون عليه كرامته، فيتكالب عليه حثالات البشر، ويقال إن صاحب هذا المثل رجل من العرب كان يعبد صنما، فنظر يوماً إلى ثعلب وهو يبول عليه، فأرسل هذا البيت قائلا:
أَرَبٌ يَبـــــــولُ الثُعلُبانُ بِرَأسِهِ لَقَد هانَ مَن بالَت عَلَيهِ الثَعالِبُ
وهناك عدة روايات تدور حول المثل نفسه، لكنها متفقة على المعنى والدلالة، فيروى أن الصحابي الجليل أباذر الغفاري ذهب قبل إسلامه ليقدم القربات والطاعة والولاء لصنمه في الجاهلية، فوجد أن الثعلبان، وهو ذكر الثعالب، يبول على رأس الذي يعبده، فوقف مدهوشا فأنشد متعظا ومعتبرا، فقال:
أَرَبٌّ يَــــبشــولُ الثُّــعْلُبــــانُ برأسهِ لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بالَتْ عَلَيْهِ الثَّعالبُ
ف`لو كـــانَ ربــاً كان يَمنعُ نَفْسَهُ فلا خَيرَ في رَبٍّ نأته المطَالِبُ
برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هوغالب
وهناك رواية أخرى شبيهة عن قصة إسلام «غاوي بن ظالم»، وكان سادنا للصنم «سواع» الذي يَدين له هذيل، وبنو ظفر من سليم، فأرسل «غاوي بن ظالم» بهدية من سليم إلى «سواع»، فرأى ثعلبان يبول عليه، فما كان منه إلا أن كسر الصنم، ثم أتى النبي صلى الله عليه ليعلن له إسلامه، فقال له الرسول: أنت الآن راشد بن عبدالله.
وهناك أبيات قالها الشاعر عمر أبو ريشة تدور حول من تهون عليه الذلة، ومنها:
أمــتي كــــــــــم صــــــنــــــم مــــجدتــــــــــه لـــــــم يـكن يحمــل طهـر الصـنـم
لا يــــــــــــلام الذئب في عــــــــدوانـــــــه إن يـــــك الــــــــــراعي عـــــدوَّ الـــغــــنـم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما كـان في الحـــــــكم عبيد الــــــــــــدرهم
وقال شاعر آخر:
إِذَا لَمْ تَكُنْ ذِئْباً عَلَى الأَرْضِ أَجْرَدَا كَثِيرَ الأَذَى بَالَتْ عَلَيْكَ الثَّعَالِبُ
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِسْرًا عَلَى قِمَّةِ السَّمَا عَلَيْكَ جَرَابِيعُ الْكُهُوفِ تَكَالَبُوا
أما الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال عن الخنوع والذلة: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن». فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».
فيا أمة العرب انهضي، فقد تكالبت علينا شرار الأرض وحثالتها.