المعجزة الإلهية تتجلى في غزة
المقاييس المادية والأسباب الظاهرة الحاكمة لعقول البشر كلها تهشمت في عالم غزة، نعم إنها ملحمة النصر للفئة القليلة الضعيفة العزلاء من أي أسباب مادية إلا سلاح الإرادة والإيمان مع ما تيسر من العتاد والعدة، حينها سيُدك العدو، وتنهار تحصيناته، ويفقد سلاحه التقليدي والنووي فعاليته، وتأتي إرادة الله فتَلوي أعناق القوانين كلها لتقطع مقاليع إرادة المجاهدين البسيطة الحصون الصِّلاب وتهشم هامات الأعداء.
بحركة غير متوقعة اجتاز المجاهدون سور غزة، وبمجرد اجتيازه بوسائل أقل من بدائية كتب الله بها النصر، فوعد الله للمؤمنين بالنصر يتكرر مجرد توافر إرادة دخول الأرض واجتياز الحدود، يقول الله في كتابه العزيز: «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ* قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون* قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».
فرفض بنو إسرائيل الأمر ولم يُقدِموا على الدخول: «قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ»، فكانوا سيئي الظن بالله، وكان إيمانهم بوعد الله وقدرته في أوج ضعفه، فحرموا النصر وكان جزاؤهم الشتات والتيه أربعين سنة، ونعرف ما جرى لهم بعدها، وبعد أن طلبوا بأنفسهم ملكا ليقاتلوا في سبيل الله تولوا إلا قليلا، قال تعالى: «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ»، وهؤلاء القليل كتب الله لهم النصر يقول تعالى: «قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ».
فقوانين الله لا تتخلف لأنها مرتبطة بالمحور والمتغيِّر الأوحد تغيير ما في النفس مع بذل الجهد واستنفاذ الطاقة بعدها يتحقق النصر، وأهل غزة تلبَّسوا بكل الشروط النفسية ودخلوا أرض العدو بإمكاناتهم البسيطة بالرغم من أن الأسوار محروسة بكل المجسات، ومع ذلك تستغرب كيف اجتاز المجاهدون بطائرات شراعية الحدود، إنها المعجزة تتجلى بكل قسماتها صافعةً توقعات البشر.
لا نريد لملحمة غزة أن تنطفئ إشراقاتها المقدسة على يد الحكام والسياسيين، نريد أن تتلاحق ظهورات المعجزة، فالأرض ترتجف تحت أقدام اليهود، والهلع قد خلع قلوبهم، ويريد أكثرهم الهرب من دولتهم، وقد أدركوا ما قاله لهم يهود ناتوري كارتا من أن دولة إسرائيل ضد إرادة الرَّب وستسقط حتما، وامتدت الاحتجاجات حتى بين يهود الخارج الإسرائيلي في أميركا، ناهيكم عن ردة فعل الشارع العربي العنيف الذي وصل لاقتحام الحدود.
باختصار لأول مرة نرى مشروع الكيان الصهيوني الذي أقامته عصابات الهاغاناه والآرغون التي ارتكبت مذبحة دير ياسين والذي يمثل نتنياهو إحدى سلالات هذا الكيان والمشروع الصهيوني، كما تنبأ رجال الدين المسلمين واليهود والمفكرون أمثال المسيري يتصدع ويوشك على الانهيار.