في خطوة غير كافية لتلبية حاجات أكثر من مليون فلسطيني نزحوا إلى داخل قطاع غزة، هرباً من العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل منذ 15 يوماً رداً على الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 الجاري وأدى إلى مقتل 1400 إسرائيلي وأسر نحو 220، دخلت 20 شاحنة محملة بإمدادات محدودة من الأدوية والمستلزمات الطبية وكمية صغيرة من المواد الغذائية التي جاءت على شكل سلع معلبة إلى القطاع، أمس، عبر معبر رفح البري، الرابط بين المنطقة الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وقيّد الجيش الإسرائيلي وصول المساعدات الإنسانية التي دخلت القطاع وجعلها تقتصر على المناطق الجنوبية منه، وهي المناطق التي حثت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين على الاتجاه إليها.
ولفت إلى أنه حتى الآن غادر نحو 700 ألف من سكان مدينة غزة ومحيطها إلى الجنوب، محذراً مَن تبقى من سكان تلك المناطق بأنه يمكن اعتبارهم «عناصر إرهابية»، في وقت حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على إبقاء معبر رفح مفتوحاً.
وفي خطوة اعتُبرت نافذة دبلوماسية ضيقة، قالت قطر التي نجحت في الإفراج عن رهينتين أميركيتين من قبضة «حماس» إنها ستواصل مساعيها لإطلاق سراح جميع المدنيين الأجانب، في وقت عرض القيادي البارز في الحركة محمد نزال إطلاق سراح الرهائن المدنيين جميعهم إذا أوقف الجيش الإسرائيلي هجماته على غزة، مشيراً إلى أن ذلك لن يشمل أفراد الجيش.
ميدانياً واصل الجيش الإسرائيلي غاراته على قطاع غزة، واشتباكاته على الجبهة الشمالية مع لبنان، وسط تقديرات متضاربة بشأن الاجتياح البري، الذي يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط لإرجائه حتى الإفراج عن أكبر عدد من الرهائن، أو ربما إلغائه بالكامل، لتجنب حرب واسعة تشعل حريقاً إقليمياً لا يمكن إطفاؤه.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن واشنطن حذرت تل أبيب من شن هجوم استباقي على «حزب الله» على الجبهة اللبنانية أو استفزاز الحزب للانخراط في الحرب، في حين نقلت وكالة بلومبرغ عن مصادر، أن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بدأوا مناقشة إمكانيات محتملة حول غزة في حال نجحت إسرائيل في إزاحة «حماس»، بما في ذلك تثبيت حكومة انتقالية مدعومة من الأمم المتحدة وبمشاركة حكومات عربية.
إلى ذلك، كشف مصدر رفيع المستوى في «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، أن طهران بدأت توزيع أجهزة ومضادات لأسلحة غير تقليدية على حلفائها في المنطقة، تحسباً لاحتمال استخدام إسرائيل أي أسلحة غير تقليدية، خصوصاً قنابل اليورانيوم المنضب.
وأعلنت إيران إجراء مناورات بحرية في المياه الشمالية للخليج «من أجل نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم»، في حين حذر قائد سابق للبحرية البريطانية من أن اعتراض سفن أميركية لصواريخ حوثية على إسرائيل مؤشر جدي إلى احتمال توسع نطاق الحرب، وربما تحولها إلى حرب عالمية ثالثة على ضوء التطورات التي يشهدها العالم.
وبعد يومٍ من التظاهرات الكبيرة، خصوصاً في مصر والأردن، ناشدت إسرائيل رعاياها مغادرة مصر والأردن وتركيا وماليزيا فوراً، وحثتهم على تجنب السفر غير الضروري إلى المغرب، في حين ذكرت الشرطة في قبرص أن انفجاراً صغيراً وقع خلال ليل الجمعة ـ السبت بالقرب من السفارة الإسرائيلية في العاصمة نيقوسيا.
وفي تفاصيل الخبر:
في وقت تواصلت الغارات الإسرائيلية المدمرة على القطاع، وبدأ دخول مساعدات إنسانية «محدودة» إليه، بعد فتح مصر معبر رفح لأول مرة منذ 15 يوماً، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال كلمة في قمة استضافتها القاهرة، أمس، بهدف بحث إنهاء الحرب الدائرة حالياً بين الدولة العبرية وحركة حماس، أنه دعا الزعماء إلى الحضور من أجل الاتفاق على «خريطة طريق»، لإنهاء الوضع الإنساني الكارثي في غزة وإحياء مسار السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقال السيسي، خلال كلمته الافتتاحية بالقمة التي عقدت في العاصمة الإدارية الجديدة، وشارك فيها زعماء من 31 دولة ومنظمة دولية، إن أهداف «خريطة الطريق» تشمل توصيل المساعدات إلى القطاع المحاصر، والاتفاق على وقف إطلاق النار، ويلي ذلك مفاوضات تؤدي إلى «حل الدولتين».
وفي إشارة إلى رفض بلده القاطع لمحاولة دفع الفلسطينيين للنزوح من القطاع إلى سيناء المجاورة، أكد أن «تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبداً»، داعياً إلى توفير الحماية الدولية للفلسطينيين.
وتابع: «نجدد رفضنا للتهجير القسري للفلسطينيين ونزوحهم إلى سيناء، ونعتبر ذلك تصفية نهائية لقضيتهم»، وأردف: «يخطئ من يظن أن الشعب الفلسطيني الصامد يرغب في مغادرة أرضه حتى لو كانت تحت الاحتلال أو القصف».
وشدد على أن «حل القضية الفلسطينية ليس التهجير وإنما العدل وحصول الفلسطينيين على حق تقرير المصير»، محذراً: «نحن أمام أزمة غير مسبوقة تتطلب الانتباه الكامل للحيلولة دون اتساع رقعة الصراع بما يهدد استقرار المنطقة والسلم والأمن الدولي».
بدوره، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في كلمته، أن حملة القصف العنيفة على غزة شرسة ومرفوضة على مختلف المستويات، مشددا على ضرورة العمل على وقف الكارثة الإنسانية التي تدفع المنطقة إلى الهاوية.
وحذر من أن «عواقب اللامبالاة والتقاعس الدوليين المستمرين ستكون كارثية علينا جميعا»، لافتا إلى أن «الرسالة التي يسمعها العالم العربي هي أن تطبيق القانون الدولي انتقائي وحقوق الإنسان لها محددات تتوقف عند الحدود وباختلاف الأعراق والأديان».
وإذ شدد على ضرورة أن تدرك إسرائيل أنه لا يوجد حل عسكري لمخاوفها الأمنية، ولن تستطيع الاستمرار في تهميش 5 ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، قال: «هذا الصراع لم يبدأ قبل أسبوعين ولن يتوقف إذا واصلنا السير على هذا الطريق الملطخ بالدماء»، وأضاف: «التهجير القسري أو النزوح الداخلي القسري للفلسطينيين يعتبر جريمة حرب».
من جهته، أشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى أن «إسرائيل تستهدف آلاف المدنيين والمشافي والمدارس ومراكز الإيواء دون تمييز»، محذراً من «عمليات طرد وتهجير الفلسطينيين من غزة والقدس والضفة الغربية».
ولفت عباس إلى أن «حكومة الاحتلال لم تسمع نداءاتنا لوقف إطلاق النار، كما نجدد رفضنا قتل المدنيين من الجانبين»، وشدد على أن «السلام يتحقق بتنفيذ حل الدولتين وإنهاء الاحتلال وحل قضية اللاجئين، ولن نرحل وسنبقى في أرضنا».
موقف خليجي
وغداة تشديد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على رفض المملكة سياسة التهجير الجماعي القسري للفلسطينيين في غزة، دعا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في قمة القاهرة، إلى تحرك عاجل من أجل وقف إطلاق النار فورا، وجدد رفض بلده بشكل قاطع لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
في موازاة ذلك، أكد الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، أمام القمة، أن الإمارات تعمل مع أشقائها وأصدقائها على الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، فيما شدد العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى على أنه لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط دون تأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وصولا للسلام العادل والشامل والمستدام في المنطقة عبر حل الدولتين، مؤكدا رفضه سياسة التهجير.
كما حضر القمة أمير قطر تميم بن حمد، الذي تلعب بلده دوراً في مفاوضات بشأن إطلاق «حماس» للرهائن الذين احتجزتهم خلال هجومها غير المسبوق على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر الجاري، خاصة من مزدوجي الجنسية.
مواقف أوروبية
ووسط انتقادات عربية للموقف الغربي من الصراع الدامي، شدد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، أمام قمة القاهرة، على أهمية حشد جميع الجهود للوساطة ووقف الصراع.
وقال ميشيل: «نعرب عن تأييدنا لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكن ردها يجب أن يكون ضمن القانون الدولي»، وجدد تأييده لمبدأ حل الدولتين وتوفير الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
كما ذكرت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني أن «مصلحتنا المشتركة تقتضي منع تصاعد الصراع وانتقاله إلى جبهات أخرى».
ولفتت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى أن ثمة حاجة إلى ممر إنساني لقطاع غزة قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار.
وبعد تأكيدها على أحقية إسرائيل في الرد على هجوم «حماس»، الذي تسبب في مقتل 32 فرنسيا أيضا، قالت كولونا: «إن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون عادلا ويتطابق مع القانون الدولي. ويتعين على إسرائيل حماية المدنيين وفق القانون الدولي الإنساني. بعض الأطراف تحاول بلبلة الوضع، ونحن نعمل على تعزيز السلطة الفلسطينية».
وفي حين رأت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن القتال ضد «حماس» يتعين أن يكون بأقصى درجات الحرص على الوضع الإنساني في غزة، شدد وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي على أنه تحدث مع الحكومة الإسرائيلية بشأن ما يتعين عليها من تصرف وفقا للقانون الدولي والحفاظ على حياة المدنيين في غزة، وضرورة تحلّي جيشها بضبط النفس.
وقال كليفرلي: «على الرغم من الظروف الصعبة للغاية، دعوت الجيش الإسرائيلي إلى الانضباط والاحترافية وضبط النفس»، وأكد أهمية وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مشدداً على ضرورة العمل على إحلال السلام ومنع تطور الوضع إلى حرب شاملة.
واعتبر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أن من الضروري وقف إطلاق النار لحماية أرواح أكثر من 200 إسرائيلي موجودين لدى «حماس» في غزة، وكذلك من أجل المدنيين الفلسطينيين في القطاع.
إلى ذلك، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال «قمة القاهرة»، أنه «حان الوقت لإنهاء هذا الكابوس المروع» بغزة، مضيفا أن الأساس الواقعي الوحيد للسلام والاستقرار الحقيقيين هو «الحل القائم على وجود دولتين».
مساعدات لا تكفي
وتزامن انعقاد القمة، التي حضرها ممثلون عن الولايات المتحدة والصين وروسيا والعراق وتركيا، مع دخول 20 شاحنة محملة بإمدادات محدودة من الأدوية والمستلزمات الطبية وكمية صغيرة من المواد الغذائية التي جاءت على شكل سلع معلبة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري، الرابط بين المنطقة الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وجاء ذلك في وقت، حذر وكيل الأمين العام منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، من أن الوضع الإنساني «وصل إلى مستوى الكارثة».
من جهتها، قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية إن المساعدات لا تعدو «نقطة في بحر»، فيما حذرت حكومة حماس من أن قافلة المساعدات التي دخلت القطاع، الذي أوقفت إسرائيل إمداده بالغذاء والدواء والماء والكهرباء والوقود منذ 7 أكتوبر، ليست كافية.
قيود ونزوح
في المقابل، قيد الجيش الإسرائيلي وصول المساعدات الإنسانية التي دخلت القطاع، وجعلها تقتصر على المناطق الجنوبية منه، وهي المناطق التي حثت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين على الاتجاه إليها لتجنب القتال الدائر مع «حماس».
وصرح المتحدث باسم الجيش، دانيال هاجاري، بأن شحنات المساعدات لن تشمل الوقود، مضيفا أن أحدث المعلومات تشير إلى أن عدد الرهائن الذين تحتجزهم الحركة الإسلامية منذ هجوم 7 الجاري 210.
ولفت الجيش الإسرائيلي إلى أنه حتى الآن غادر نحو 700 ألف من سكان مدينة غزة ومحيطها إلى الجنوب، محذرا من تبقى من سكان تلك المناطق بأنه يمكن اعتبارهم «عناصر إرهابية».
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يعد للمرحلة الثانية من الحرب، بما في ذلك المعركة البرية، لافتا إلى شن المزيد من الغارات على الأهداف التابعة للفصائل الفلسطينية التي واصلت قصف المدن والبلدات الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب.
وأمس، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن حصيلة القتلى في غزة ارتفعت إلى 4385 شخصا، وأن%70 من الضحايا من الأطفال والنساء والمسنين.
الهدنة والرهائن
في المقابل، عرض القيادي البارز في «حماس»، محمد نزال، إطلاق سراح الرهائن المدنيين إذا أوقف الجيش الإسرائيلي هجماته على غزة، مشيرا إلى أن ذلك لن يشمل أفراد الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين الأسرى.
وجاءت تلك التصريحات عقب إفراج الحركة المسيطرة على القطاع عن محتجزتين أميركيتين بوساطة قطر، التي أكدت وزارة خارجيتها أنها تواصل الجهود مع جميع الأطراف من أجل إطلاق سراح جميع المدنيين الأجانب.
وأمس الأول، شكر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حكومة قطر على مساعدتها المهمة جداً في إطلاق الأميركيتين، لافتا إلى وجود نحو 10 أميركيين محتجزين لدى «حماس».
وجدد بلينكن دعم إدارة الرئيس الديموقراطي المطلق لحق إسرائيل في الرد على هجوم «حماس»، قبل أن يقر بوجود تأثر وانفعال داخل وزارة الخارجية التي يدور حديث عن وجود حالة من «التمرد» بين أفرادها جراء الانحياز الصارخ من قبل البيت الأبيض في التعاطي مع الأزمة.
وبينما تحدث بايدن مع الأم الأميركية وابنتها عقب إطلاق سراحهما، وشكر الدوحة على دورها، أفادت تقارير لـ «بلومبيرغ» بأن الحكومات الأميركية والأوروبية تمارس ضغوطاً على الدولة العبرية لتأخير غزوها البري المحتمل لغزة، لكسب الوقت لإجراء محادثات سرية عبر قطر من أجل الإفراج عن الرهائن.
وجاء ذلك في وقت وضع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إطلاق سراح الرهينتين في خانة «الضغط العسكري المتواصل»، نافيا ادعاء «حماس» أن الخطوة جاءت لأسباب إنسانية، ومؤكدا استمرار الضغط حتى إخراج جميع الرهائن.
وفي وقت سابق طلب بايدن بشكل عاجل مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ضمن مخصصات ضخمة للأمن القومي بقيمة 106 مليارات دولار.
وخصص بايدن 16 مليار دولار لإسرائيل، بعد يوم على ربطه هجوم «حماس» على إسرائيل بالغزو الروسي لأوكرانيا، لإقناع الأميركيين بأن على الولايات المتحدة الاضطلاع بدور قيادي على مستوى العالم.
تحذير وانفجار
من جانب آخر، ناشدت إسرائيل رعاياها مغادرة مصر والأردن وتركيا وماليزيا فورا، وحثتهم على تجنّب السفر غير الضروري إلى المغرب، فيما ذكرت الشرطة في قبرص أن انفجارا صغيرا وقع خلال الليل بالقرب من السفارة الإسرائيلية في العاصمة نيقوسيا.
وقالت الشرطة القبرصية إنها تستجوب 4 شبان بعد عثورها على جسم معدني يحتوي على «كمية صغيرة من مادة قابلة للاشتعال»، انفجر على بعد نحو 30 مترا من محيط مجمع السفارة الذي يقع في منطقة مكتظة في نيقوسيا.