بايدن والعداء للإسلام
في تلافيف المصانعة والرياء للفيل الإسرائيلي الذي أعلن الحرب على غزة، وقع بایدن في زلة لسان، كالتي وقع فيها بوش عقب أحداث سبتمبر 2001، التي فجرت برجين في نيويورك، عندما أعلنها حرباً على الإسلام، فقال الرئيس الأميركي بايدن، «لو لم توجد إسرائيل في هذه المنطقة لأوجدناها»، فعبر كلاهما عن خبيئة أنفسهما في العداء للإسلام، وكان بوش الأب قد أعلن في إحدى خطبه الانتخابية في الانتخابات التي جرت أواخر عام 1992، إن أميركا تقوم بدورها الحضاري المسيحي واليهودي في عالم اليوم بلا منافس، وهو ما يعني أن المسلمين غير متحضرين، وهو ما قرره الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون في كتابه «الفرصة السانحة»، عندما كتب يقول «إن المسلم غير متحضر ودموي»، تعبيراً عن الوجدان الغربي في العداء للإسلام، وقد عبرت مارغريت تاتشر إبان رئاستها للحكومة البريطانية عن هذا العداء، عندما طالبت، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بالحفاظ على حلف الأطلنطي (الناتو) لمواجهة الخطر الإسلامي.
الإرهاب العقائدي الإسرائيلي
إن العدوان الإسرائيلي على غزة اليوم يختلف في مفهومه العام في مسلسل الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني وإذلال هذا الشعب وتجويعه والتنكيل به وقتله، أو في مفهومه الخاص، رد اعتبار الفيل الإسرائيلي المثخن بالجراح، والذي لا يتعارض مع المفهوم العام، ولكن هذا العدوان يتسم بطابع جديد أو مفهوم لم تعهده إسرائيل منذ أكثر من سبعين عاماً خاضت فيها مسلسل حرب الإبادة، الذي كانت الحكومات المتعاقبة في إسرائيل تباشر فيه هذه الحرب، مع حفاظها على الطابع المدني للحكم، ولم يعد هذا المسلسل كافياً في نظر الأحزاب الدينية التي أصبحت لها اليد الطولى في تشكيل حكومة نتنياهو بعد الانتخابات الأخيرة، حيث اضطر إلى التحالف مع أقصى اليمين المتطرف في هذه الأحزاب، وتقليدها مناصب وزارية هامة، مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي، فراح وزراؤها مع المستوطنين من هذه الأحزاب يعربدون في ساحة الأقصى لإثبات قوتهم ونفوذهم في المجتمع الإسرائيلي، معتبرين حرب غزة جزءاً من صراعهم السياسي مع العلمانيين لإنهاء هذا الصراع لصالحهم، حيث تشير أصابع الاتهام إلى تورط هذه الأحزاب في عدم جاهزية الغرفة العسكرية لصد هجوم «طوفان الأقصى»، لاتخاذ هذا الهجوم ذريعة لإفناء الوجود الفلسطيني في غزة من ناحية، وضرب العلمانيين في مقتل من ناحية أخرى لإنهاء الصراع الديني داخل المجتمع الإسرائيلي لصالح فكرهم المتطرف في التعريف بهوية اليهودي، لإقصاء العلمانيين، واليهود من ساروجي، وعرب فلسطين 1984، الذين لهم في مقاعد الكنيست نسبة تصل إلى 10أعضاء كنيست، فتكون هذه الأحزب قد نجحت في اصطياد عصفورين بحجر واحد، وهو ما كشفت عنه التصريحات المصاحبة لإعلان نتنياهو الحرب على غزة، من وزراء هذه الأحزاب، الذين طالبوا بألا يحد من حرب إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، الرهائن الإسرائلييون، فهم ضحايا حرب، (وهم من ناحية أخرى من العلمانيين الذين لا تقيم لهم هذه الأحزاب وزناً في أيديولوجيتها). مثلما ولا تزال أصابع الاتهام تشير إلى تورط اللوبي الصهيوني والموساد الإسرائيلي في أحداث 11 سبتمبر 2001 في أميركا لتعلن أميركا الحرب الانتقامية المروعة، على المجتمع الاسلامي في العالم، والتي أطلق عليها بوش حرباً صليبية، ثم تراجع عن هذا التصريح، بزيارته للمركز الإسلامي في نيويورك، ليمهد الأرض لهذه الحرب التي ستنطلق منها هذه الحرب في دول إسلامية.
وقد وصل هذا الصراع الديني العلماني إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، عندما رفض ضابط في الجيش الإسرائيلي عند تسجيل مولوده في دائرة النفوس، التفسير التلمودي لهوية اليهودي مقرراً بأن الروابط الثقافية والاجتماعية هي التي تحدد هوية اليهودي لا دينه، وقد أوصت المحكمة بحذف خانة الانتماء إلى الشعب اليهودي أو الأمة اليهودية من سجل نفوس المواطن الإسرائيلي.
ولعله لا يخفى على أحد، أن إسرائيل لم تضع منذ نشأتها دستوراً لها، لخشية كل من طرفي الصراع، أن يفرض أحدهما أيديولوجيته على نصوص هذا الدستور، فكانت هذه الحرب الفرصة السانحة لتفرض الأحزاب الدينية أيديولوجيتها في إقامة الدولة اليهودية، التي ستستبعد بالتعريف التلمودي لهوية اليهودي الفلسطيني العرب الإسرائيليين 1948 الذين يحتلون نسبة من مقاعد الكنيست في كل انتخابات برلمانية، تصل أحياناً إلى 10% من هذه المقاعد، فالإرهاب العقائدي الإسرائيلي على غزة لا يستهدف إفناء الوجود الفلسطيني فحسب، بل كذلك إنهاء الصراع داخل المجتمع الإسرائيلي لصالح الدولة الدينية.
الاعتراف المثير لبايدن
قال بايدن «لو لم تكون إسرائيل موجودة لأوجدناها» وهي جملة قصيرة في مبناها كبيرة في معناها، وتحمل اعترافاً مثيراً لرئيس أكبر دولة في العالم من شقين:
الشق الأول: أن حرب غزة هي حرب بالوكالة عن أميركا، فحرب غزة التي تخوضها إسرائيل بعد «طوفان الأقصى»، هي حرب دينية بالوكالة عن أفيال مجلس الأمن، التي يهيمن عليها الفيل الأميركي الكبير، وهي بريطانيا وفرنسا وأيرلندا الشمالية، وحيث تخضع علاقات أميركا بالفيلين الآخرين، (روسيا والصين) لحسابات معقدة ليس هذا المقال مجالاً للخوض فيها.
الشق الثاني: جهل الرئيس الأميركي بالتاريخ، واعترافه سالف البيان، يتناقض مع الحقائق التاريخية، ويدل دلالة قاطعة على أن رئيس أكبر دولة في العالم، جاهل بالقضية التي وقف منحازاً انحيازاً كاملاً لأحد أطرافها باسم بريطانيا، فاللورد بلفور وجه في 2 نوفمبر سنة 1917 خطاباً إلى أحد زعماء الصهيونية يقول فيه إن «بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل كل مساعيها لتسهيل بلوغ هذا الهدف»، وكان أول من استوطن فلسطين قبيلة كنعان العربية، وعندما فرض انتداب بريطانيا على فلسطين قامت بعمل إحصاء لسكان فلسطين أثبت أن 670000 فلسطيني عربي وأن أغلبيتهم كانت من المسلمين، حيث لم يكن من المسيحيين إلا 71000 فلسطيني، وأن اليهود لم يزد عددهم على 84000 يهودي، وأن 400 قرية فلسطينية تم تدميرها بمعرفة اليهود الذين استوطنوا فيها، وأن نحو 700 ألف فلسطيني هربوا أو طردوا من فلسطين.
«لا للتمييز العنصري»
وهذه البيانات منقولة من كتاب قام بتأليفه رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق جيمي كارتر، تحت عنوان «فلسطين لا للتمييز العنصري»، فبعد أن أتمت بريطانيا مهمتها في توطين اليهود من كل أنحاء أوروبا الشرقية والغربية، رفعت يدها عن فلسطين بعد أن اطمأنت إلى زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين، وأنهم حصلوا من الأسلحة ما يستطيعون بها إنشاء وطنهم القومي الموعود من خلال الهاغاناه (العصابات الصهيونية) التي قامت بمذبحة دير ياسين وهدمت 400 قرية وأكثر من 400 مسجد، وشردت 700 ألف فلسطيني.
ولعل الرئيس بايدن لا يعلم أيضاً أن إسرائيل تدين بنشأتها إلى قرار تقسيم فلسطين الصادر في نوفمبر سنة 1947 إلى دولتين، دولة لليهود ودولة للعرب، الذي ما كان ليصدر لولا ضغط أميركا والاتحاد السوفياتي على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالذي أوجد إسرائیل هو أميرکا وأقرانها من أفيال مجلس الأمن، وقد كانت أميرکا أول دولة في العالم تعترف بدولة إسرائيل فور إعلان الكيان الصيهوني قيامها، عام 1949 وكانت إسرائيل أول دولة تقبل في عضوية الأمم المتحدة في 11 مايو سنة 1949، وقبل أن يكتمل اعتراف المجتمع الدولي بها.
إذ ظل كل من طرفي الحرب الباردة، أميركا والاتحاد السوفياتي، يرفض إصدار توصية مجلس الأمن، بانضمام دول كثيرة إلى الأمم المتحدة، باستخدامهما حق الفيتو، منذ نشأة المنظمة حتى 15 ديسمبر 1955، وهي كل من إيطاليا واسبانيا وايرلندا وفنلندا واليابان ومنغوليا والأردن وليبيا وألبانيا وبلغاريا وسيلان وهنغاريا ولاوس وكمبوديا ونيبال.
فقد كانت إسرائيل الطفل المدلل في عالم أفيال مجلس الأمن، وهو المولود الجديد، الذي سبق هذه الدول كافة في الانضمام إلى المنظمة الدولية، لأنها صنيعة الغرب لتكون شوكة في قلب الوطن العربي.