رياح وأوتاد: مذابح العهد القديم تنتصر على الإنسانية والقانون الدولي
لماذا يسمح الغرب بالوحشية الإسرائيلية؟ ولماذا لم تلامس صرخات الأطفال والثكالى في غزة إنسانية المجتمع الدولي وضميره؟ ولماذا لم تؤثر فيهم صور أشلاء ضحايا قصف البيوت والمستشفيات والمدارس؟
ولماذا لا يفعّلون القوانين والمعاهدات الإنسانية الدولية التي تضمن حماية المدنيين وحرمة مصادرة الأراضي المحتلة وجريمة الإبادة الجماعية (genocide) والعقوبات الجماعية (collective punishment)؟ رغم أنهم هم الذين صاغوها بأنفسهم وأقرّوها دولياً؟
لا يمكن الاقتناع بتبرير الغرب بأن هذه المجازر والمخالفات للقوانين الدولية تمت بسبب ما فعلته «حماس»، وحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، فيكفي إسرائيل للدفاع عن نفسها اتخاذ إجراءات أقل بكثير من هذه المجازر.
الصحيح أن الغرب أعطى الضوء الأخضر لتلك المذابح الوحشية ولم تتأثر ضمائرهم بها، بسبب تعاليم العهد القديم من التوراة، التي مازالت متجذرة في عقول كبار السياسيين في الغرب وعواطفهم.
فالرئيس ترومان نفسه الذي أمر بإلقاء القنابل الذرّية على اليابان، وكان أكبر راعٍ لهجرة اليهود إلى فلسطين بعد الحرب العالمية، كان يقرأ أجزاء من «العهد القديم» يومياً قبل نومه.
وفكرة إنشاء دولة لليهود في فلسطين جاء بها تيودور هرتزل من العهد القديم أيضاً، الذي تم فيه قتل سكان فلسطين من عماليق ونساء وأطفال، فدعوة هرتزل إلى إعادة اليهود لفلسطين تتضمن إعادة نفس مشهد التطهير العرقي في التوراة، وعرب غزة هم اليوم العماليق بمن فيهم المسلمون والمسيحيون، فهم إرهابيون وأصوليون لا يستحقون الحياة.
وكذلك معركة أرمجدون التي جاء ذِكْرها في سفر الرؤيا من العهد القديم fأنها آخر معركة كبرى ومرعبة ستقوم بين البشر قبل يوم القيامة، فيؤمن بها اليوم كثير من الصهاينة والساسة الغربيين، وقد أنتجت السينما العالمية أفلاماً ضخمة تؤكد أنها ستقوم بين الغرب والإسلام المرعب.
وحتى هنتجتون تنبّأ، في كتابه «صراع الحضارات»، بأن الصراع بين الحضارتين الإسلامية والغربية صراع حتمي، وتبعه لويس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ»، فقال إنها - أي نهاية التاريخ - ستشهد الصراع بين الحضارتين الغربية والإسلامية.
وهكذا، فإنّ الغرب متشبع بالإيمان بالروايات التوراتية، وكما قال بايدن «لا يلزم أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً، وإنه نفسه صهيوني».
والخلاصة أن العهد القديم مازال يتحكم في عقول الساسة الغربيين وتصرفاتهم، ولكن بنظرة صهيونية حديثة، فلا عجب إذا تبلّدت مشاعرهم نحو المذابح الوحشية وأيّدوها اليوم.