مثقفون: ندعم أهل غزة في مقاومتهم المشروعة للكيان الصهيوني
في هذه اللحظة الفارقة التي يشن فيها الكيان الصهيوني حرب إبادة على أهلنا في قطاع غزة، متذرعا بدعاوى الإرهاب التي أصبحت لا تنطلي على أحد، نقف - نحن مثقفي العالم العربي الموقعين على هذا البيان - لنعلن دعمنا غير المحدود لأهل غزة في مقاومتهم المشروعة وإدانتنا غير المحدودة للكيان الصهيوني في عدوانه الوحشي والبربري على أرواح الأبرياء.
الكيان الصهيوني، الذي يكره البراءة فيقتل الأطفال، ويكره الحقيقة فيقتل الصحافيين، ويكره الطبيعة فيُجرف أشجار الزيتون، يُتوج بتصعيده هذا مسيرة طويلة من الانتهاكات، هذه الانتهاكات التي لم تقتصر على رفض كل القرارات الأممية، وتوسيع السرطان الاستيطاني، والتضييق على فلسطينيي الضفة والداخل واعتقالهم، والعدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتأجيج العنف في نفوس المستوطنين وتسليحهم، وحصار قطاع غزة وتجويع أهله، بل وتجاوز ذلك كله ليصل إلى مبتغاه النهائي المتمثل داخليا في التطهير العرقي الممنهج للشعب الفلسطيني حتى تتحقق الكذبة السافرة التي قام عليها المشروع الصهيوني، فتصير فلسطين «أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض»، وخارجيا عبر تمرير مشاريع التطبيع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتجريد العرب من كرامتهم.
جامعا ما تفرق في البشرية من فظاعات، وعلى مدار خمسة وسبعين عاما، لم يترك الكيان الصهيوني المحتل قيمة أخلاقية إلا وانتهكها، ولا مبدأ حضاريا إلا وخرقه، ولا قداسة إنسانية إلا وداس عليها بأحذية جنوده الملطخة بدماء الأبرياء. على أنه هذه المرة قرر أن يذهب أبعد في طغيانه مستغلا تواطؤ العالم وانحيازه، وأراد أن تكون مجزرته الوحشية ضد أهل غزة منقولة على الهواء مباشرة دون أدنى خجل أو مراعاة لما تبقى من ضمير العالم. وإذا كان التاريخ البشري قد اعتاد على أن يمنح صوتا للجلاد وصوتا للضحية، فالكيان الصهيوني -الذي لم يعرف منذ قيامه غير السطو على حقوق الآخرين- سارع للسطو على الصوتين معا ليكون في الوقت ذاته مُطلِق الرصاصة في الواقع ومتلقيها في الأكذوبة.
إننا ونحن نوقع هذا البيان، نتوجه به إلى أهلنا في غزة خاصة وفي فلسطين بشكل عام محيين صمودهم الأسطوري وكفاحهم دفاعا عن حقهم التاريخي في أرضهم ووقفتهم الحضارية الشجاعة ضد طلائع الاستعمار والفاشية والعنصرية. ونحن في موقفنا هذا لا نعلن جديدا حين نحفظ لهم حقهم الطبيعي في مقاومة مُحتلِهم، فهو الحق الذي كفلته لهم كل شريعة وأقره كل قانون واطمأن به كل عُرف.
كما نتوجه إلى الأمة العربية جمعاء، حكوماتٍ، ومنظماتٍ، وشعوبا، وأفرادا، لنناشدهم القيام بدورهم التاريخي في دعم أشقائِهم الفلسطينيين ضد هذا العدوان السافر، ومساعدتهم بكل الطرق المعنوية والمادية الممكنة. مذكرين بضرورة ألا ينصرف الهم وألا تبرد الهِمة حتى تنكشف غمامة الموت الثقيلة عن أهلنا في غزة.
ثم نتوجه إلى أحرار الإنسانية في العالم أجمع، ولاسيما أولئك الذين ذاقوا مرارة الاستعمار والعنصرية وقسوة سياسات الإبادة والاحتلال في كل مكان. إننا في هذه اللحظة بحاجة ماسة إلى أن نتوحد في وجه هذا الظلم البين، وأن نقف سدا منيعا بين دبابة المستعمر وبين ضحيتها. وإذا كان الظالمون تنادوا على أن يكونوا أمة واحدة فلا أقل من أن يلتئم ضحاياهم أيضا أمة واحدة في مواجهتهم.
ونخص بالتحية مناصري القضية حول العالم، وفي طليعتهم القلة من أصحاب الضمير في الغرب الذين استطاعوا بأصواتهم الحرة الشجاعة أن يعرقلوا ولو قليلا آلة الكذب والتزييف الغربية التي صدمتنا ونحن نراها تحرق في أيام قليلة ما راكمه الغرب خلال قرون طويلة من مبادئ وقيم في سبيل دعم الدعاية الصهيونية. في الأيام القليلة الماضية، رأينا أعدادا من سياسيي الغرب ومثقفيه وإعلامييه وهم يتدافعون إلى عارهم الأبدي، ورأينا كيف أن خريف الطبيعة يبدو مجرد ظلٍ باهت للخريف الحقيقي، خريف دعاوى الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي داستها أقدام هؤلاء المهرولين في اتجاه دفع الكيان الصهيوني لاقتراف مجازره القادمة على أكمل وجه.
إننا في هذه البقعة من العالم، أكثر من يتوق إلى السلام. ولكننا بقدر ما نتوق إليه نعرف حق المعرفة أن لا سلام بلا حرية، ولا سلام بلا عدالة، ولا سلام بلا حقيقة. ولقد أثبتت الأيام أن هذا الكيان الصهيوني لا يعادي شيئا معاداته الحرية والعدالة والحقيقة.
يذكر أن معظم المثقفين العرب قاموا بالتوقيع على هذا البيان، ويتجاوز عدد الموقعين 2000 مثقف ينتمون إلى مجالات ثقافية وأدبية متنوعة.