بدعوة من القائم بالأعمال بسفارة الصين لدى الكويت، المستشار ليو شيانغ، حضرت الندوة التي أقامتها السفارة تحت عنوان: البناء المشترك عالي الجودة لـ «الحزام والطريق» بين الصين والكويت.
وقد بدأ المستشار ليو بالترحيب بضيوف الندوة، وقدّم سردا تاريخيا عن مبادرة الحزام والطريق منذ أن طرحها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013 بهدف تجسيد روح طريق الحرير المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلّم المتبادل والاستفادة المتبادلة، والعمل الدؤوب لتحقيق تكامل اقتصادي أعمق وروابط تنموية أكثر ونتائج مشتركة أوفر بشكلٍ مستمر طوال العقد الماضي.
وأضاف المستشار ليو أن البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» يُعد ركيزة رئيسية لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية، فخلال السنوات العشر الماضية، وقَّعت الصين على وثائق تعاونية لمبادرة الحزام والطريق مع ما يزيد على 150 دولة وأكثر من 30 منظمة دولية. وتم تشكيل شبكة بنية تحتية على أساس «6 ممرات، و6 طرق، وبلدان وموانئ متعددة» بشكلٍ أساسي، وتضاعف التبادل التجاري بين الصين ودول الحزام والطريق من 1.04 تريليون دولار في 2013 إلى 2.07 تريليون في 2022، بمتوسط نمو سنوي 8 بالمئة. كما تجاوزت الاستثمارات بين الصين ودول الحزام والطريق أكثر من 270 مليار دولار، ونتج عنه إنشاء أكثر من 3000 مشروع تعاون، وتوفير 420 ألف فرصة عمل.
وأكد في كلمته أن البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق يعزز الارتقاء بالعلاقات الصينية - العربية والصينية - الكويتية إلى آفاقٍ أوسع، بعد أن لاقت مبادرة الحزام والطريق ترحيباً حاراً وتجاوباً إيجابياً من قبل الدول العربية فور طرحها.
وكانت الكويت أول بلد عربي وقّع مع الصين على وثيقة التعاون بشأن «الحزام والطريق»، في حين كانت جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية وقّعت مع الصين على وثيقة التعاون لـ «الحزام والطريق». وعلى مدى العقد الماضي، حققت الصين والدول العربية نتائج مثمرة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 430 مليار دولار عام 2022، ما يعادل ضعفين مما كان عليه قبل 10 سنوات، كما تجاوز رصيد الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين الصين والدول العربية 30 مليارا، بزيادة نحو 3 أضعاف عمّا كان عليه قبل 10 سنوات، وقد نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع كبير في إطار بناء «الحزام والطريق»، وتم تشكيل شبكة التعاون لنقل التكنولوجيا التي تربط آلاف المؤسسات البحثية والشركات الابتكارية في الصين والدول العربية بعد إنشاء المركز الصيني - العربي لنقل التكنولوجيا، والمركز الصيني - العربي للطاقة النظيفة، ومركز التميز الصيني - العربي، والمركز الصيني - العربي للأبحاث الدولية للحد من الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي. أما بالنسبة للعلاقات الكويتية - الصينية، فأكد المستشار ليو أنها مبنية على الشراكة الاستراتيجية، فالصين تُعد أكبر شريك تجاري للكويت لمدة 7 سنوات متتالية، حيث وصل حجم التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 31.48 مليار دولار عام 2022. وأصبحت الكويت سابع أكبر مصدّر لواردات النفط الخام للصين، كما أنشأت الهيئة العامة للاستثمار ثاني مكتب استثمار خارجي للهيئة في مدينة شانغهاي، وأصبحت الصين ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في الكويت.
وفي ختام كلمته، حدد ليو المجالات التي تتطلب جهوداً مشتركة بين البلدين، منها: أولاً: العمل على مبادرة التنمية المستدامة وتعزيز المواءمة بين «رؤية الكويت 2035» ومبادرة الحزام والطريق، وتنفيذ الخطة الخمسية للتعاون الثنائي بين الصين والكويت للسنوات 2024/ 2028. ثانياً: تحسين البنية التحتية وتعزيز ترابطها على الأرض وفي قواعد البيانات والتكنولوجيا. ثالثاً: تعميق تواصل الأعمال عن طريق التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والإسكان والحوكمة البيئية والاقتصاد الرقمي، وإنشاء منطقة تجارة حرة مشتركة. رابعاً: تسريع تداول الأموال وتعميق التعاون المالي والمصرفي والاستثماري بين الصناديق السيادية وبنوك البلدين. خامساً: تعزيز التبادل الثقافي والحضاري وتوسيع التعاون في قطاع التعليم والصحة.
في قراءة تحليلية سريعة لكلمة المستشار ليو، وما حدده من خريطة لطريق التعاون بين البلدين في ختام كلمته الشاملة، توقّفت عند بعض المفردات التي أردت أن أثريها بالملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: جدية الصين واستعدادها للعمل مع الكويت لدفع البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق على المدى البعيد، وخلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية - الكويتية. وهذا ما تتطلع إليه الكويت منذ أن وضعت رؤيتها المستقبلية 2035 التي ترغب بتنفيذها في فترة زمنية قياسية مع شريك استراتيجي عالمي.
الملاحظة الثانية: البناء على اللقاء التاريخي بين قيادتي البلدين واعتبار هذه الندوة خطوة لتنفيذ مخرجات هذا اللقاء دليل على ترابط الاتفاقيات مع الخطوات، وتتطلب جاهزية الخطط وثباتها وكفاءة تنفيذ فريق العمل الكويتي.
الملاحظة الثالثة: الاستعانة بالكثير من الكلمات الإيجابية في كلمة المستشار، مثل: «التعاون المشترك»، «الشراكة الاستراتيجية»، «البناء المشترك» مما يعزز روح التعاون والشراكة بين البلدين، وتفتح آفاقاً أوسع في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الملاحظة الرابعة: وجود مشتركات تاريخية بين الشعبين (كبناء السور)، حيث أبدى المستشار ليو إعجابه بقصة بناء السور الكويتي الثالث، بعد أن شرحت له امتداد طوله الذي بلغ تقريباً 7 كيلومترات وبارتفاع 7 أمتار وعرض 3 أمتار، وقد تم الانتهاء منه في شهرين من موسم صيف 1920 وبسواعد كويتية. فمثل هذه الموروثات تؤسس لتبادل ثقافي وتراثي وعلمي بين البلدين، كإنشاء أفرع للجامعات الصينية ومراكز أبحاث مشتركة، وزيارة الوفود، وطرح بعثات ومنح دراسية.
الملاحظة الخامسة: الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والأولى عالمياً في التجارة الخارجية، ونسبة مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي بلغت 40 بالمئة في السنوات الثلاث الأخيرة، ولديها قدرات ابتكارية وتنافسية عالمية تستفيد منها الكويت في توسيع تجارتها الخارجية، وفي تنفيذ مشاريعها التنموية كإنشاء وإدارة الموانئ والمدن الذكية والبنية التحتية ومحطات طاقة متجددة في الجزر الكويتية غير المأهولة.
الكويت بحاجة إلى حليف استراتيجي يعزز وجودها ويدعم تنميتها ويوسع تجارتها وينفذ مشاريعها وينوّع اقتصادها ويزيد من فرص عملها ومن استدامة طاقاتها الطبيعية والمالية والبشرية والعلمية، فهل نحن مستعدون لمتطلبات الشراكة الكويتية - الصينية؟
alterkey@gmail.com