مسار الصراع العربي–الإسرائيلي اتخذ عدة خطوط ومحطات منذ قرار التقسيم عام 1947 وإلى اليوم، و«مشاريع السلام» كانت تعبيراً عن فشل متبادل بالقبول، تناوب عليه العرب والفلسطينيون والإسرائيليون.
ومثلما كان الانطباع قبل «حرب غزة» الأخيرة أن العرب عموماً من أكثر الأمم استهلاكاً للفرص الضائعة، وأقلهم خبرة في التخطيط والتفاوض على القضايا المصيرية، فالفلسطينيون لم يكونوا استثناء، فقد أضاعوا فرصاً عرضت عليهم ثم عادوا وقبلوا بأقل منها، فعلى سبيل المثال ما حصلوا عليه من «كامب ديفيد 1978- 1979» أيام مبادرة أنور السادات والتنازل الذي وافقوا عليه من خلال اتفاق أوسلو عام 1993 (عرفات - رابين).
لكن الموضوع لا يتحمله العرب والفلسطينيون وحدهم، ففشل مبادرات السلام عائد أيضا إلى الرفض الإسرائيلي، لاسيما في ظل حكومات يمينية متشددة مثل حكومة نتنياهو وتحالفاتها مع أقصى اليمين المتعصب بفكر ديني وأيديولوجي.. يحمل إرثاً صهيونياً قائماً على التوراة والأساطير.
قرار التقسيم بدءاً من عام 1948 وإعلان دولة إسرائيل، بحيث يأخذ الفلسطينيون نصف الأراضي والنصف الثاني لليهود، جوبه القرار بالرفض، ثم وقعت حرب 1967 تبعها حرب أكتوبر 1973، لتهل علينا مشاريع السلام، كمبادرة روجرز ومشروع ريغان ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (1979) تبع ذلك مؤتمر مدريد للسلام (1991)، ووصولاً إلى مؤتمر القمة العربية في بيروت (2002).
خلال تلك الحقبة (1947-2002) كان القرار العربي موحداً إلى حد كبير بل كان التعاطي العربي الجماعي مع القضية الفلسطينية غير مخترق، وهناك سقف أعلى بقي ثابتاً لم يتم التنازل عنه.
باختصار الموضوع الفلسطيني كان قضية العرب الأولى، لكن الواقع يقول إن هناك العديد من الفرص أهدرت العديد من الفرص في تلك المرحلة باستثناء ما أقدم عليه أنور السادات! وفي عام 2002 قالها العرب وفي القمة التي جمعت كل الملوك والرؤساء وبوضوح، أعطونا السلام ونحن نعترف بدولة إسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، فماذا كانت النتيجة؟ تفرقت وحدة الموقف العربي وانقسمت الساحة الفلسطينية، فسيطرت «حماس» على غزة بالكامل عام 2007 وسقط الجدار العربي من خلال التطبيع ودخل على الخط طرف جديد، وهو إيران كلاعب إقليمي له مصالحه وحساباته خصوصاً ما يتعلق منها بالشق الفلسطيني–الإسرائيلي.
أما إسرائيل فقد حكمها يمين موغل في التطرف تمادى في غطرسته والقفز على كل ما يمتّ للسلام ولحقوق الشعب الفلسطيني بصلة، وكانت مواقفه صلبة ومتشددة وممعنة في القهر والحصار، ولم يعد السلام مرغوباً فيه إسرائيلياً، فكانت لغة القوة والعسكر والتفوق هي السائدة، بل عمل التحالف الاستراتيجي الأميركي–الإسرائيلي على نسف كل مبادرة يمكن أن تعطي الأمل للفلسطينيين، فكانت عمليات زرع الاستيطان والمستوطنين (مليون مستوطن) تهدف إلى تمزيق أي نقطة ضوء لإقامة دولة فلسطينية، وهذا الانسداد في الأفق السياسي ومن معظم الأطراف أدى إلى «ثورة الكرامة» في غزة.
الشامتون بالحرب التي قادتها «حماس» ضد المحتل الإسرائيلي وصفوا المعركة بأنها بلا أفق سياسي، أي أنها جولة دموية خططت لها وأدارتها إيران وعلى حساب الشعب الفلسطيني.
للأسف، هؤلاء لم يروا «الوجه الآخر»، وهو أن هناك قضية شعب فلسطيني يقاوم ضد الاحتلال، وأنه لم يمت ومازال حاضراً وبقوة، بعد أن تم شطبه أو كاد من معادلة الصراع، واكتفوا بتمثيل السلطة الوطنية بقيادة محمود عباس الذي أخفق في التقدم خطوة واحدة نحو «الدولة الموعودة» أو الحكم الذاتي المنتظر.
هل الجولة الحالية فعلاً دون أفق سياسي؟ وما الأهداف السياسية المتوخاة، يا ترى، من وراء «طوفان الأقصى»؟
الراصد للتصريحات المتناقلة عن قيادات «حماس» يرى أن البعد السياسي يكاد يكون شعارا فضفاضا حتى إن كسبت الشارع الفلسطيني وتوّجت نفسها «زعيمة» و«قائدة» كبديل عن سلطة أبومازن.
ستنتهي هذه المعركة وبضحايا كارثية ودمار مخيف، وستثبت أن هذا الشعب بصرف النظر عن الأيديولوجية التي يحملها قادر على أن يقلب الطاولة على رأس الجميع، طالما لم يحصل على الحد الأدنى من حقوقه وأرضه واستقلاله، لكن هل هذا يكفي؟ بالطبع لا.