ما قل ودل: البديل هو عقد مؤتمر شعبي عالمي لنصرة فلسطين
إن عقد هذا المؤتمر يوم السبت الماضي في مصر والفشل الذريع الذي مُني به، وقد اقتصر على جلسة افتتاحية علنية، تليت فيها الكلمات، وانصرفت بعدها الوفود دون عقد جلسة ختامية مثل سائر المؤتمرات بعد مناقشات طويلة خلف جدران مغلقة، حتى لا تبيض وجوه وتسود وجوه، يختلفون ثم يتوافقون على قرارات، لا يراق فيه ماء كل هذه الوجوه حتى لو صدرت فاترة باردة لا تحقق هدفا، حيث حمل المؤتمر مسمى «مؤتمر القاهرة للسلام» فضم دولا لا تناصر القضية الفلسطينية، تحت عباءة هذا المسمى، سلام الأوهام على موائد اللئام، فكان المؤتمر زخما للعدوان الإسرائيلي الذي انعقد هذا المؤتمر لوقفه بعد خمسة عشر يوم ألقت فيه الطائرات الأميركية (إف16) آلاف الأطنان من المتفجرات على قطعة من الأرض لا تزيد مساحتها على 360 كيلومترا مربعا، تزيد كثافة السكان فيها على أي معدل لكثافة السكان في العالم، فهدمت الأبراج السكنية والبيوت على سكانها والمساجد والكنائس على المصلين، والمراكز الصحية والمستشفيات على المرضى والجرحى والأطباء والمسعفين، فأزهقت آلاف الأرواح من المدنيين وأثخنت آلافا غيرهم بالجراح وهدمت البنية التحتية لهذه المدينة الصامدة الباسلة.
ومع نبل الباعث على عقد هذا المؤتمر، وهو وقف هذا العدوان، فإنه أخطأ الوسيلة للأسباب الآتية:
مؤتمر شعبي عالمي لنصرة فلسطين
فقد كان بادياً لكل ذي بصر وبصيرة، أن حكومات دول العالم تساند إسرائيل وتدعمها وتشجعها، ومنها من ساندها بأسلحة الإبادة وبالطائرات لإبادة الشعب الفلسطيني في غزة بلا حدود، وبعضها يفرق المظاهرات الشعبية التي خرجت للتنديد بهذا العدوان، وقد أصبح في نظرها دفاعا عن النفس عدا بعضها، مثل حكومة كولومبيا التي طردت السفير الأميركي، وربما لم توجه إليها الدعوة، سهواً أو لأنها اتخذت موقفا قويا مسبقا، قد لا يشجع دولا أخرى على حضور هذا المؤتمر وهو مؤتمر سلام.
وإذ خيب هذا المؤتمر الآمال التي عقدت عليه في مصر وفلسطين قضيتها القومية، فإن الدعوة إلى مؤتمر شعبي عالمي تكون واجبة ومصر أولى بعقد هذا المؤتمر، فهي قلب الوطن العربي ومحور دعائم وحدة أبنائه، تؤكد عمق روابطه، فمن مصر خرجت حركات تحرير هذا الوطن، وهي قبلة العالم الإسلامي تخرج في أزهرها الشريف رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء وعلماء، نشروا نور الإسلام وعلومه في بلادهم، والأزهر هو ملاذ المسلمين في حماية المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى والقدس.
وقد أصدر فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر البيان تلو البيان يندد بهذا العدوان الوحشي الواقع على عزة، وينتصر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويدعو إلى نجدة الأقصى، وقد فتح باب الزكاة لنجدة غزة من أموال زكاة المسلمين على أن يضم هذا المؤتمر الشعبي شيخ جامع الأزهر، وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، أو ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان في الدول التي خرجت فيها مظاهرات هادرة لنصرة القضية الفلسطينية، وممثلين عن شعوب العالم التي عبرت بضمائرها الحية في التنديد بهذا العدوان الإسرائيلي الغاشم، وقد خرجت هذه الشعوب في مظاهرات عارمة تحمل العلم الفلسطيني، وتنادي بنصرته وحقه في الحياة على أرضه المغتصبة من المحتل الإسرائيلي، حتى في أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا التي تدعم إسرائيل بالسلاح، خرجت هذه المظاهرات.
وإن رئيس مصر إذا شاء يستطيع أن يوجه الدعوة إلى هذا المؤتمر، ليس بصفته الرسمية، بل بصفته مواطنا مصريا وعربيا ومسلما، وأخيرا بصفته المضيف، (رئيس الدولة التي ستستضيف هذا المؤتمر وليشرف هذا المؤتمر برئاسته باعتبار الدور المحوري المصري في هذه القضية حكومة وشعبا) وذلك بتوجيه الدعوة إلى منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (هيومان رايتس ووتش) وغيرها من منظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية في دول العالم كله، وبرلمانات العالم والبرلمان العربي والاتحاد البرلماني العالمي والأوربي والعربي لحضور هذا المؤتمر، الذي يعقد تحت مسمى مؤتمر لمناصرة الشعب الفلسطيني، لتجمع تحت رايته كل الدول التي تناصر وتدعم هذا الشعب.
فإن كانت المسؤوليات الدولية لرئيس الجمهورية تحول بينه وبين توجيه هذه الدعوة فإنها لا تحول دون قيام رئيس منظمة حقوق الإنسان المصرية بتوجيه هذه الدعوة، بمباركة من الحكومة المصرية، الدولة المضيفة، وقد أصدرت هذه المنظمة برئاسة المحامي الكبير والناشط الإنساني والمناضل الحر عصام شيحة أكثر من بيان وتصريح يندد بفظائع العدوان الإسرائيلي في غزة.
وإذا لم تكن الأوضاع الأمنية تسمح بعقد هذا المؤتمر في مصر فليعقد في سراييفو كما عقد مؤتمر التحول الديموقراطي العربي فيها، وذلك بعد استئذان حكومة سراييفو.