هي الحرب، نعم كرروها وما زالوا حتى آخر مقالة لهم، وهناك سيل منها، وهي أيضاً نتيجة «للحيوانات البشرية» القاطنة غزة، كما سماها وزير الحرب الصهيوني، هي أصلا كيان لا يعرف سوى الحرب والموت والدمار وكثير من الدماء والأشلاء الندية لأطفال غزة وفلسطين.

عرفنا أنها الحرب، وعشنا حروبهم السابقة ونحن على الحال نفسها، متسمرون أمام شاشات التلفزة ننتقل لنبحث عن أكثرها محاولة لإيصال الصورة حتى من تدّعي أنها مع الحق والناطقة بلغة الضاد، حتى تلك تضطرك لمشاهدة الحدث ذاته بسرديات مختلفة.

Ad

نحن أمام شاشاتنا وحكوماتنا تنطلق بعبارات الاستنكار والمطالبة بضبط النفس على استحياء إلا عندما وصلت نار حرب غزة إلى صحرائها وبلداتها، وسكنت الغيوم وسربت الأخبار والمؤامرات والروايات. كم منهك مشهد تسمّرنا خلف الشاشات وأحيانا يوحي بالبلادة، وكم هي تعبيرات عجزنا وضعفنا ونحن نذرف الدمع الكثير ونرسل الأخبار عبر مجموعاتنا على وسائل التواصل، أو ما تبقى منها، فمعظمها يملكه الصهاينة أيضاً، ورغم أن النفط وماله كله عندنا فإن عليهم أن يعذرونا فقد انشغلنا بمسابقات الجمال والرشاقة والعمار المتوحش والاستهلاك القاتل في العدم، ولا ننسى شراء الأسلحة فتتكدس حتى تنتهي صلاحياتها أم أن الأسلحة تصدأ، ونعود لندفع مليارات لأسلحة جديدة، لم ولن نستخدمها أبداً إلا ربما أحيانا عندما اضطررنا لقتل بعضنا أو بعض بعضنا!! ولكن مهلاً فهناك وبعد خمسة عشر يوما من الموت المعلن على كل الوسائط جاءت القمة!!

«إنها الحرب» يقول نتنياهو وبايدن وكل الرجال البيض وحتى السمر بوجوه بيضاء، ألم ينكشف عدد المتصهينين منا وهم كثر رغم وجع الاعتراف؟ بعضهم لم يمل تكرار أرسلوها بلغة أجنبية إنكليزية أو فرنسية أو إسبانية أو حتى عبرية لتصل الى الجمهور الآخر للمواطنين الصالحين الديموقراطيين جدا والذين أبكتهم حرب أوكرانيا حتى آخر دمعة لأنها غزوة روسية، ولأنها أيضاً تخالف الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي «الإنساني»... كل القوانين والاتفاقيات وحتى المنظمات الدولية سقطت الى آخر ذاك المشهد المثير للشفقة عند معبر رفح وقوافل المساعدات تنتظر أوامر تل أبيب وواشنطن وربما باريس ولندن وغيرهم الى تلك المرأة الجالسة بحقد شديد على رأس المجموعة الأوروبية.

إنها الحرب، وأهل غزة أكثر معرفة بها فيما نعبث نحن بمحركات البحث يرسل أطفالهم كثيرا من البكاء والصراخ والدم والدمار والضحك أيضاً الذي يثير حتماً دهشة الصهاينة، لأنهم وكثير من الرجال البيض لم يقرأوا هذا الشعب جيداً، ولم يعرفوا كم أن للحياة عنده قيمة ومعنى، فالموت الفلسطيني ليس هدرا كما يردد بعضهم بنيات سوداء أو حتى بطيبة قلب أو ربما جهل، هم من فهموا ودرسوا الحرب ربما في كتب دينهم، وهي ليست داعشية كما يصورها أفيخاي أذرعي القبيح، وما حضارتهم وثقافتهم إلا تراكم لتاريخ حافل بالرقص مع الحياة، وليس كما يفعل الصهاينة، بالرقص فوق جماجم وبقايا عظام الأطفال الندية، وكل ذنبهم أن أباهم وأمهم ركضا سريعا بعيدا عن قنابلهم «الذكية» واختبآ كما مئات بل آلاف من عائلات غزة في المساجد والكنائس، والمدارس هي الأخرى لم تسلم من صواريخهم، وهم يضحكون وبين حين وحين ينظرون بشماتة وهم يشربون كوبا من الماء المثلج، وهناك تغط غزة في عتمة اللا ماء واللا كهرباء واللا دواء واللا حياة.. ومعها وفوقها صواريخ وقنابل فوسفورية وكل ما أبدعه العقل الشرير للرجال والنساء البيض!!! لم يصرخ الرجل الأبيض «المتحضر» عندما دمرت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية في حي الزيتون، وهي ثالث أقدم كنائس العالم، وعند أهل غزة مسلمين ومسيحيين هي ملاذهم في كل حروب الصهاينة المتكررة عليهم.

نعم كان ذاك القائد في جيش الحرب الصهيوني يعرف تماما ما يفعل وهم ليسوا «كوراتا للدامج» أو أضرار جانبية كما يفسرها غوغل وهو الآخر صهيوني كما «انستغرام» و«فيسبوك» ومعظم، إن لم يكن، كل المنصات، حتى هذه لم نعرف أن نستخدم نفطنا أو بعض عوائده بالمليارات من الدولارات لامتلاكه والسيطرة عليه.

إنها الحرب، فعلينا ربما أن نعض على الجرح المدمي حتى تغسل دماء أطفال ونساء ورجال وأبطال غزة مسلمين ومسيحيين وغير دينيين، حماسيين وجهاديين وإسلاميين فقراء وفقراء أكثر ومعدمين، متعلمين وعمالا وفلاحين وصيادين وصحافيين وإعلاميين ومفكرين وأساتذة جامعات وغيرهم، يغسلون أرضنا الممتدة بعد تلوثها بكثير من الذل والإهانات وفقدان الكرامة والإنسانية... هي غزة الداخل لها مولود وكلنا في خارجها سنموت كالجرذان!!!

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية