نيوليبرال ومأساة فلسطين
وقفت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، السيدة غريس باندور، بشجاعة مع القضية الفلسطينية، ودانت بعنف العدوان الإسرائيلي على غزة، ودعت في ختام خطاب لها دول الجنوب إلى الاتحاد في مواقفهم السياسية ضد هيمنة وغطرسة دول الشمال، أي دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
تشخّص السيدة باندور الوضع بأن البطش والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتهجير السكان المستمر، منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 48 وحتى الآن، على أنه صورة لهذا الصراع الشمالي - الجنوبي، فهو صراع دول الفقر والقهر الجنوبية ضد الاستعمار الشمالي بشكله الجديد.
الكاتب آدم هنية يرى في كتابه القيّم «الرأسمالية والطبقية في دول الخليج العربية» - الذي صادره مفتشو «الإعلام» قبل أسبوعين من مكتبة تكوين، ومنعوه من التداول لأنه عرض الحقائق التاريخية بحياد علمي، وهذا غير مرغوب في ثقافة دولة الرقابة بطريقة «أورويل 84» - أن هذا الصراع يجد تجلياته في هيمنة «نيوليبرال» منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي على مراكز السلطة في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة ودور «البترودولار» في تشكيل توجهات النيوليبرال العالمية.
خارج بحث آدم هنية، الممنوع من التداول مثله مثل الخمور والمخدرات، كان كل من الرئيس الأميركي السابق ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة تاتشر العمودين الأساسيين لسيطرة نيوليبرال على الاقتصاد العالمي، فهما حققا على أرض الواقع نظرية مدرسة شيكاغو الاقتصادية بقيادة الاقتصادي ملتون فريدمان، تلميذ فردريك هايك النمساوي وكتابه «الطريق للعبودية»، فحين تتملك الدولة وتسيطر على النشاط الاقتصادي، فهذا يعني وأد حريات الأفراد وقتل الطموح الشخصي للارتقاء، وفسح المجال لقيام الدولة التسلطية مثل النازية والفاشية.
من ناحية أخرى، كانت نتيجة هذا الطرح غلّ يد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي بصورة مجملة، فلا توجد «مشاكل في الحكومة وإنما الحكومة هي المشكلة»، وكانت تلك العبارة ركيزة البداية لتحقيق سياسات النيوليبرال والعولمة والسيادة المطلقة للدولار، ومزيد من جرعات البؤس في تلك الدول الغربية والولايات المتحدة للعمال والطبقة الوسطى وتهميشهم.
من جانب آخر، كان نهج الـ «نيوليبرال» قد أضاف من حجم المعاناة والفقر لدول الجنوب التي غرقت في الديون، والتي لم يكن لها من مفرّ غير الخضوع لوصفات صندوق النقد الدولي للخروج من معضلة الديون، هذا الصندوق والبنك الدوليان اللذان يخضعان لسلطة الدولة الأميركية، التي أضحت بدورها حامية لمصالح الشركات والمؤسسات الكبرى التي يملكها بليونيرية الواحد في المئة، هما أهم أدوات سيطرة الشمال على الجنوب واستغلاله، عالم موحش ظالم انتقلت فيه الدارونية من علم الأحياء إلى واقع الاجتماع، فالبقاء للثري القوي الذي يلتهم الضعيف الفقير.