سقطت أقنعة الإنسانية عن أوجه أبرز حاملي راياتها من حكومات حول العالم، وأوجه التباكي المزيفة وذلك بعد قرابة سنتين من التباكي على أزمة أوكرانيا، واليوم تتم مباركة تدمير وزهق أرواح الأطفال والعزل في فلسطين، (موضوع أوكرانيا هنا مثال للقياس لا أكثر لتبيان ازدواجية معايير أولئك الذين يباركون سفك دماء الفلسطينيين أصحاب الأرض باسم الإنسانية وحفظ السلام، أما في حقيقة الحال فتشريح ومناقشة مسألة أوكرانيا أمر مختلف بتاتاً وخارج عن إطار هذا المقال).
ازدواجية المعايير لم تتجسد في حالة (أوكرانيا) مع الغرب فقط، بل كانت وبكل وضوح تشكل رأياً عاماً فاضحاً لحكومات العديد من دول الغرب حين تم قصف المستشفى المعمداني في قطاع غزة المحتل الأسبوع الماضي لنجد الصمت المطبق من مدّعي الإنسانية من جهة، بل توجيه أصابع الاتهام إلى المقاومة الفلسطينية في غزة من جهة أخرى قبيل خروج أي تقرير من جهة محايدة.
ورغم أن كل الأنباء والأدلة وتحليل الخبراء العسكريين توضح أن القصف كان من الصهاينة، وبعد وعيد ونذير بإخلاء المستشفيات كذلك، إلا أنه ما زالت حكومات الغرب (الإنساني) في سكوت مقرف، وعزاؤنا الوحيد هو أن الشرفاء في تلك الدول إما تقدموا باستقالات جماعية من مناصب سياسية قيادية أو دعموا الشعوب المناهضة للمجازر الجماعية في غزة، بل إن من أراد أن يذرف دموعه على استحياء فضحته ملامحه في دعم الصهاينة وخططهم للمنطقة، خصوصاً أن إنذار الصهاينة ووعيدهم تجاه عدد من المواقع والمستشفيات ما زالا قائمين.
ومن الجانب الآخر والأكثر قرفاً حقيقةً هو كشف الحقيقة عن المتصهينين المندسين بيننا، تحديداً من أبناء جلدتنا العرب والمسلمين، فإن سلمنا جدلاً بأن الغرب كلهم صهاينة وهذا ليس بصحيح البتة، فلمَ يتصهين بعض العرب؟! هل هو نوع من ادعاء الإنسانية واستخدامها كغطاء زائف كعادتهم أم للتقرب من حكومات غربية أثبتت التجارب والتاريخ بأن عداءهم لنا متجذر ومتأصل؟! ألا يعلم هؤلاء أن الكرامة وقول كلمة الحق والرأي الحر أهم ما يمكن لأي إنسان أن يورثه للأجيال القادمة؟!!
أما المخجل فهو التصريحات الخارجة على استحياء لمن أزعجنا طيلة السنوات الماضية بفيلق القدس ومحور المقاومة والممانعة وحزب الله الذي أصبح فجأة «يشوشر» فقط للظهور الإعلامي لا أكثر، إن كانوا صادقين في ما كانوا قائلين فليفتحوا الجبهات وينضموا للمقاومة، ولتكن مسألة تحرير الأرض قضية شاملة جامعة، وهو ما يريده كل إنسان مسلم عربي مخلص.
وقبل أن يناقشني أحدهم أو حتى يفكر باتهامي بتشتيت وتفكيك الصف الواحد، فليعلم جوابي مقدما، أن ما أطرحه هنا ليس إلا (تنظيفاً) للصف والفكر، ليتسنى للناس وأصحاب القضية الشرفاء معرفة حقيقة وخبايا الأمور، وعليه قد كانت كلمات بعض النواب السابقين في ساحة الإرادة الأسبوع الماضي كلمات مستحقة بل تساؤلات مشروعة في هذه الأيام وفي ظل هذه الظروف، وأتمنى صادقاً أن تنُظم كل جيوش المسلمين في مسألة تحرير القدس لتكن بداية وحدة عربية صادقة دون مزايدات أو خلافات، ولا أبالي إن كان معهم حزب الله أو غيره، فالمقاومة مشروعة ضد الصهاينة بأي شكل من الأشكال مع وضع أي خلاف على الجانب والهامش الآن، لأن قضية فلسطين أكبر وأسمى من أي شيء آخر.
ها هي غزة العزة الآن تقاوم أمام الجميع لتبين لكم من هم مع، ومن هم ضد، ومن يتكسب على قضية فلسطين طيلة السنوات الماضية، ومن يستخدم سلاح الإنسانية زيفاً وتزلفاً فقط ليدفع إما بأجندات غربية كالمثلية والانحلال، ومن يريد فعلا أن يحفظ شرف الأرض.
على الهامش:
كتب المحلل الاقتصادي محمد البغلي تغريدة معبرة فحواها أن قطع العلاقات وطرد السفراء الداعمين للكيان الصهيوني واستخدام سلاح الطاقة (النفط) لا جدوى منه إن لم يكن موقفاً موحداً خليجياً عربياً، يتماشى مع وقف الدعم عن مصر في سداد ديونها مقابل فكرة تهجير أصحاب الأرض، وإذ أؤيد هذه الفكرة تماماً وأتفق معها لكني أزيد عليها أن الحالة العامة في المنطقة تنذر بتغيرات جذرية لا يمكن التصدي لها إلا بموقف خليجي موحد، فمصلحة الدولة العليا تحتم أن يكون أي تحرك من هذا النوع قائماً على أساس منظومة خليجية موحدة، وليس بشكل أحادي من حكومة دون غيرها، والعداء الفردي لدولة دون أخرى ليس من صالح أحد البتة، فالمواقف السياسية الموحدة والخارجة من منظومة واصطفاف خير ألف مرة من تلك الأحادية الخارجة من دولة واحدة.
هامش أخير:
كلمة صاحب السمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح (حفظه الله) في قمة القاهرة للسلام تضع النقاط على الحروف، وتوضح للعالم أجمع حجم دولة الكويت الحقيقي على الخريطة في نصرة الحق ونظرتها الأزلية لقضية فلسطين كقضية محورية تعكس رأي القيادة والشعب في آن واحد.