كتبت بتاريخ 8/ 6/ 2021 مقالة في جريدة «الجريدة» عنوانها «من سيفزع للكويت هذه المرّة»، رأيت أن أعيد نشر بعض منها لأننا نعيش اليوم وكأن التاريخ يعيد نفسه، لعل وعسى ألا تعيدنا شعارات البعض الى أجواء ما قبل 2/ 8/ 1990، يوم الخميس الأسود، اليوم الذي قسّم فيه الغزو العراقي للكويت أمتنا المتناحرة أصلا، وأدى الى تشرذمها، وتفككها الى دول فاشلة عاجزة محطمة، مزايدات تريد من الكويت أن تعادي أميركا والغرب وحيدة، تريد أن تقطع مصدر رزقنا الوحيد، ولو على حساب أمنها واستقلالها، قلت فيها:

«نحمد الله، وكالعادة، أن قامت الكويت والأمة العربية والإسلامية وبعض دول العالم المستقلة نوعا ما بتكرار إداناتهم لإسرائيل منذ قيامها وإلى يومنا هذا، بلا كلل ولا ملل، فقد أدانوا بعنف لا مثيل له المذابح والتنكيل التي ارتكبها الصهاينة في حق أبناء شعبنا الشقيق في فلسطين.

Ad

كما نشد على يد من صاغ الموقف الكويتي القومي الثابت إزاء القضية الفلسطينية في بيانهم المتشدد ضد العدو، فالكويت دانت رسميا وشعبيا العدوان على غزة، وقامت بحملة تبرعات شعبية وأرسلت مواد إغاثية الى أهالي غزة الذين نُكِبوا على يد حماس والعدو الصهيوني، فما قامت به الكويت واجب لا شك فيه، وهو كافٍ بالنسبة إليها، فلا تحملّوها أكثر مما تحتمل، ولا تتباروا وتتسابقوا على مواقف لا تطيقها.

إنها مزايدة كويتية أخرى حتى على أصحاب الأرض الشرعيين، وهو تشدّد لم تقم به أي دولة في العالم، ويبدو أن الكويت فقط، ووحدها، هي من تريد تحرير فلسطين من الغاصبين.

قلبنا على الكويت صاحبة الفزعات القومية لفلسطين، فمن سيفزع لها هذه المرة إذا ما سقطت تحت براثن غازٍ آخر؟ فيبدو أنها تسير وحيدة حاملة السلم بالعرض سعيدة برسائل مديح لن تغنيها ولن تنفعها بشيء، فالسلطة الفلسطينية وحماس، تتفاوضان مع إسرائيل، ومعظم الدول العربية والخليجية إما طبّعت، أو ستطبّع، أو موافقة على التطبيع، فهل ستنفعنا تلك الشعارات، والمظاهرات، ومناكفة أميركا، وحلفائها؟ وهل ستنفعنا مواقفنا القومية وقت الضيق؟ ومن ذا الذي سيقف معنا إذا ما تعرضنا لأي خطر؟

ويبدو أن الكويت حنّت إلى الأيام الخوالي التي أودت بها إلى الكارثة، ما نراه اليوم هو توجه لأن توضع الكويت مرة ثانية في وجه المدفع، رغم صمت من هم أولى بالصمود، فهم من احتلت أراضيهم، وهم الأقوى، وهم من يفترض بهم استرجاع ما فرّطوا فيه، وهم من رفعوا عقيرتهم مطالبين بتحرير فلسطين من وراء ميكروفوناتهم، وفي نهاية الأمر هم من طبّعوا مع إسرائيل في السر والعلن، الكويت الآن تصول وتجول خليجيا وعربيا ودوليا، تريد أن تحل مشاكل العرب المستحيل حلحلتها، وأن تدافع عن قضية العرب الأولى، وبدأت تنافح وتجادل وتعارض حتى من طرد صدام من أراضيها».

نقول: لا شك أن فلسطين قضية عربية مركزية، ولكن أمن الكويت ودول الخليج الأهم عندنا، إنها بلادنا، ونقول: العالم كله اليوم، شئنا أم أبينا، يعيش الحقبة الأميركية الغربية التي تساند إسرائيل بكامل إمكاناتها العسكرية والسياسية والمادية والإعلامية، وكل الخوف أن هناك من يخطط لما هو أعظم، وأن غزة ما هي إلا البداية، فمن أراد السلامة فالحكمة ألا يخسرهم ولا يعاديهم إلى أن نمتلك أسباب القوة على المواجهة، فاحتجوا كما تشاؤون، ولكن بتعقل، ولا تلقوا ببلدنا الى التهلكة.