نعم، سوف تتغير خريطة الشرق الأوسط، لا كما خطّط لها الكيان الصهيوني بمعيّة الغرب، بل كما سطر أهل فلسطين بدمائهم الزكية الطاهرة، بداية لتحرير بلدهم فلسطين من براثن المغتصب الصهيوني وعصاباته، وإنّي لأظنّ أن هذا لن يكون بعيداً، بعد «طوفان الأقصى»، بل إنه صار ملموساً وفي متناول اليد، وأظن أنه سيكون أسرع وأقرب مما نتوقع جميعاً!
فقد كتبت في 13 الجاري مقالاً بعنوان «طوفان الأقصى... سقوط عربي وفلسطيني»، ومما جاء فيه «وستبقى الحقيقة الثابتة بهذا الشأن، وكما هي عقيدة المسلمين الراسخة، فلئن نجح ذلك مرحلياً، فإنّ مآل الكيان الصهيوني إلى الزوال، وسيقيّض الله للأمة والشعب الفلسطيني دائماً مَن يجدد الأمل لتحرير فلسطين من براثن الكيان الصهيوني المغتصب، ورغم حالة الوهن والسقوط الذي تعيشه السلطة الفلسطينية ومعها السقوط والوهن العربي، فإنّ غداً لناظره قريب، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد».
وأجدني اليوم أمام التطورات الميدانية والثبات والتمسّك بالأرض الذي يُظهره أهل غزة بشكل غير مسبوق إنسانياً، ورغم قيام آلة الحرب والطيران الصهيوني بتدمير غزة والقتل الجماعي لأهلها وسياسة الأرض المحروقة، بما في ذلك تجويع شعب غزة وتعطيشه، ومنع أبسط مقومات الحياة عنهم من كهرباء وأدوية، فإن ذلك زاد أهل غزة إصراراً وثباتاً وتمسكاً بالأرض، ويهتف كل منهم «نموت ولا نتخلّى عن المقاومة» و«نحن فداء للمقاومة وفلسطين»، رغم استشهاد أزواجهم وزوجاتهم وإخوانهم وأبنائهم أمام أنظارهم!
وقد استوقفتني المقابلة الرائعة للقيادية الفلسطينية د. حنان عشراوي مع إحدى المحطات الأجنبية، (وهي التي كانت جزءاً من السلطة الفلسطينية ولا تزال ضمن قياداتها، وكانت تحمل ملف القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وجولات المفاوضات مع الكيان الصهيوني)، فقالت عشراوي: «لا يمكن أن تقول إن التصعيد الأخير هو نتيجة لعمل حماس، بل هو نتيجة للسياسات الصهيونية للتخلص من غزة وإنهائها، ثم قالوا بل للتخلص من حماس، ولذلك فقد شيطنوها، ولا أظن أن حماس جرّدت نفسها من إنسانيتها، بل الكيان الصهيوني هو مَن جرّد نفسه من إنسانيته لعقود من الزمان، وأفلت من العقاب، بالرغم من لجوء الفلسطينيين إلى المحاكم والمنظمات الدولية، ورغم محاولات الفلسطينيين السلمية بالمفاوضات، فإن الكيان الصهيوني كان يقابلهم بالقتل والتعذيب والإساءة ليس لحماس فقط، وإنما للشعب الفلسطيني برمّته».
ثم أضافت عشراوي: «هل تعتقد أنه سيتم إخراج حماس من غزة، يجب أن تعرف ما هي حماس؟ فهي حركة ضخمة لديها جناح عسكري وآخر شعبي، ولديها مؤسسات وحكومة وحركة نسوية وطلابية، فحماس جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، فهل سيتم إزالتها بقتل هؤلاء الناس جميعاً؟!».
فالتصعيد الحاصل بقتل المزيد من الفلسطينيين لن يؤدي إلى إضعاف «حماس»، بل سيضعف الآخرين ويضعف منظمة التحرير الفلسطينية، فـ «حماس» حظيت الآن بشرعية (اعتراف) من الشعب الفلسطيني، لأنه ينظر إليهم على أنهم مَن واجهوا العدوان الصهيوني ودافع عن الشعب الفلسطيني.
إذاً نحن فعلاً انتقلنا مع المقاومة المسلحة للفلسطينيين من خلال «طوفان الأقصى»، وما صاحبه من دعم وصمود خيالي لأهل غزة ومن ورائهم كل الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع، إلى مرحلة غير مسبوقة سينتج عنها تغيير خريطة الشرق الأوسط بتحرير فلسطين لأهلها وشعبها وانتهاء الكيان الصهيوني المحتل.
وإن ذلك هو يقيننا جميعاً فلسطينيين وعرباً ومسلمين... والله غالب على أمره.