وجه إعلان الولايات المتحدة الأميركية تخفيف العقوبات ضد قطاع النفط في فنزويلا خلال الأشهر الستة المقبلة، بدون أي قيود، الأنظار إلى احتمالية حدوث تحول في أسواق الطاقة حال استمرار التوافق بين كاراكاس وواشنطن، بما يسمح بتدفق المزيد من الصادرات النفطية الفنزويلية إلى الأسواق الخارجية.

فبعد التوصل إلى اتفاق بين حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وأحزاب المعارضة بشأن ضمانات لإجراء الانتخابات الرئاسية في النصف الثاني من عام 2024، مع مراقبة دولية، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً يسمح لفنزويلا بإنتاج وتصدير النفط للأسواق المختارة، مما رفع على الفور أسعار السندات الحكومية الفنزويلية تفاؤلاً من الأسواق المالية بإمكانية التوسع في الاتفاق وتمديده، مع مراهنة مستثمرين على أن الاتفاق سيمهد طريقاً نحو عملية إعادة هيكلة ديون فنزويلا، التي بدأت البلاد في التخلف عن سداد ديونها في عام 2017 بنحو 60 مليار دولار.

Ad

دفعة ورهانات

ورغم أن الجانب الأكثر ارتباطاً بالتصريح الأميركي كان متعلقاً بسوق النفط بشكل أعطى دفعة قوية لرهانات المحللين بشأن عودة إنتاج فنزويلا من النفط، التي كانت تنتج مطلع الألفية أكثر من 3 ملايين برميل يومياً لتتراجع إلى مليوني برميل يومياً في عام 2017 لتنحدر حسب بيانات شهر أغسطس الماضي «770 ألف برميل يومياً» ثارت على الجانب الآخر العديد من التساؤلات في أسواق الطاقة حول أثر القرار واستدامته وتأثيره على موازين العرض والطلب، بالتالي الأسعار المدعومة بسياسات «أوبك بلس» بخفض الإنتاج وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية، ناهيك عن التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.

احتياطات وشركات

فبالنظر إلى واقع قطاع النفط في فنزويلا، نجد أن هذه الدولة اللاتينية تمتلك أكبر احتياطيات من النفط الخام في العالم بحوالي 303 مليارات برميل، في حين أثرت العقوبات الأميركية عام 2019، والتي كانت شددت ضوابطها عام 2015، على جودة البنية التحتية لقطاع إنتاج النفط الفنزويلي، الذي بات يحتاج إلى استثمارات تصل إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة تأهيل القطاع، مما جعل العديد من الشركات مثل «إس إل بي - SLB»، أكبر شركة لخدمات حقول النفط في العالم، تعلن أنها تخطط لعودة سريعة إلى فنزويلا بعد التخفيف واسع النطاق للعقوبات الأميركية على صناعة النفط في البلاد.

وكذلك تعمل شركات ضخمة مثل «شيفرون» و«روسنفت» و«إيني» على إعداد خططها لإعادة تأهيل حقول النفط والبنية التحتية، التي تدهورت نتيجة نقص الاستثمارات إثر العقوبات الأميركية، ناهيك عن الأزمات السياسية المحلية والسياسات الشعبوية والتوترات الدولية.

تهالك البنية التحتية

صحيح أن قرار تجميد العقوبات الأميركية لن يعطي نتائج أساسية في سوق النفط بشكل سريع، ليس فقط لتهالك البنية التحتية في قطاع النفط الفنزويلي، إنما أيضاً لأنه مؤقت باستثناء يمتد لستة أشهر فقط، لمراقبة ضمانات الشفافية في الانتخابات الرئاسية المقررة في النصف الثاني من العام المقبل، لكن التوافق بين حكومة كاراكاس ومعارضيها أعطى دفعة لتوقعات إيجابية من أن تفضي المراقبة الدولية للعملية الانتخابية إلى توسع أكبر في تخفيف قيود الإنتاج النفطي في دولة تسبح على بحيرات من البترول، إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن بوسع فنزويلا أن ترفع إنتاجها خلال فترة «المهلة» 6 أشهر إلى مليون برميل يومياً، وأن تضيف حال تمديد المهلة فترة مماثلة 250 ألف برميل، أما إمكانية عودة الإنتاج بشكل كامل وفق الحصة السوقية لمنظمة «أوبك» ما يناهز 3 ملايين برميل يومياً فيحتاج على الأقل إلى 3 سنوات أخرى قادمة.

أثر استراتيجي

ولعل الأثر الاستراتيجي لقرار الولايات المتحدة لا يقتصر فقط على عودة النفط الفنزويلي إنما على محاولة الإدارة الأميركية الحصول على المزيد من الإمدادات المختلفة لتهدئة أسعار النفط الخام، في وقت لا تخفي فيه إدارة بايدن اعتراضها على سياسات خفض الإنتاج من مجموعة «أوبك بلس» مما قد يفضي إلى إجراءات تتعلق بتحفيز صادرات النفط الإيراني، الذي بلغت في نهاية النصف الأول من العام الحالي أعلى مستوياتها منذ 5 سنوات إلى 1.6 مليون برميل يومياً، ناهيك عن مساعي الرئيس الأميركي - وهو بالأصل صاحب سياسة بيئية تدعو لحماية المناخ ومن مناهضي التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري - لشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة لرفع إنتاجها في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة حماية للمستهلكين.

فحسب بيانات يونيو الماضي، عاود إنتاج النفط الأميركي الارتفاع لمستويات قريبة من القمة القياسية المسجلة قبل وباء «كورونا»، لكن وتيرة النمو تشهد تباطؤاً، إذ سجل إنتاج النفط في الولايات المتحدة 12.8 مليون برميل يومياً في يونيو، مقابل 12.6 مليون برميل في مايو ما يقترب من القمة البالغة 13 مليون برميل يومياً والمحققة في نوفمبر 2019.

تعدد الوسائل

فعجز المعروض في أسواق النفط العالمية يقدر حتى نهاية العام الحالي بـ 1.5 مليون برميل يومياً مع احتمالية أن يتحول الفائض إلى عجز في العام المقبل وسط مساعي المستهلكين وأهمهم الولايات المتحدة إلى ما يعرف بـ «تهدئة الأسعار» في الأسواق أي انخفاضها وهو متعدد الوسائل كتخفيف قيود الإنتاج في دول كفنزويلا وإيران أو تحفيز لإنتاج النفط الصخري الأميركي أو محاولة الضغط على مجموعة «أوبك بلس» أو بعض أعضائها لزيادة الإنتاج ناهيك عن محاولة تطويق آثار الحرب الروسية - الأوكرانية أو الحرب في غزة عن أسعار النفط بأكبر قدر ممكن.

من يهتم؟

ربما لا يكون الحديث اليوم عن سياسات فنزويلا الشعبوية التي دمرت اقتصاد البلاد الغنية بالنفط مناسباً وسط تطورات الأحداث الجديدة في إعادة تأهيل قطاع النفط فيها للإنتاج مجدداً بل على الأرجح أن عودة النفط الفنزويلي لن تكون ذات أثر مرتبط بأسواق الطاقة في الأميركتين، إنما ستكون آثارها ضمن استراتيجية «تهدئة الأسعار» التي تصل إلى جميع منتجي النفط في العالم، ولا سيما الدول المعتمدة بشكل شبه كلي على إيرادات النفط في تمويل ميزانياتها وعلى رأسها الكويت، التي لا يبدو أن فيها من يهتم بأي تحولات أو تطورات حتى وإن مست مصدر «الرزق» الأساسي للبلاد.