أخطار مالية تتطلب المواجهة
الخطر الأول هو النمو الحتمي للميزانية دون أن يقابله نمو مماثل في الإيرادات، حيث إن نمو مصروفات الميزانية لا مفر منه، بسبب الزيادة الطبيعية في عدد الكويتيين، وبالتالي زيادة الطلب على الخدمات، وبالذات الوظائف والإسكان والصحة والتعليم، وتزداد طلبات التوظيف بحوالي 25 ألف طلب سنوياً، ومن المنتظر أن يبلغ تعداد الكويتيين مليونين ونصف المليون حوالي عام 2040.
كذلك من أسباب الزيادة الحتمية أخطاء الحكومة واقتراحات مجلس الأمة المالية الشعبوية، وقد كانت جميع مصروفات الميزانية عام 2000 أربعة مليارات دينار، وبلغت الآن 26 ملياراً، ويُتوقع أن تبلغ حوالي 35 أو 40 ملياراً بين عامي 2035 و2040.
الخطر الثاني هو ضعف الإيرادات النفطية، حيث كان إنتاجنا من النفط في منتصف السبعينيات يلامس 4 ملايين برميل يومياً، وفي عام 1995 كان يبلغ حوالي 3.5 ملايين برميل يومياً، أما الآن فهو أقل من 2.7 مليون برميل يومياً، وتحتاج حقول الكويت، التي تعتبر الآن آباراً كهلة (geriatric)، إلى تكنولوجيا جديدة، واستثمارات ضخمة، للعودة بإنتاجها إلى مستواها السابق.
ويشكِّل النفط وحده 90 في المئة من دخل الدولة في الميزانية. ومن المعروف أن النفط سلعة ناضبة أسعارها متغيِّرة، وسعر التعادل الحالي للميزانية هو 93 دولاراً للبرميل، وكان يتراوح بين 8 و15 دولاراً قبل سنوات قليلة، ويزداد السعر المطلوب للتعادل كلما زادت مصروفات الميزانية. وفي سنوات انخفاض النفط كان العجز يُسدد من الاحتياطي العام، حتى تآكلت السيولة منه.
الخطر الثالث هو فشل الإصلاح الاقتصادي، وفشل جميع مؤشرات الخطط الخمسية، ففشل المجلس وفشلت الحكومة في إيجاد مصدر آخر للدخل، وفشلا في زيادة عدد الكويتيين بالقطاع الخاص وترشيق القطاع الحكومي، وفشلا في إصلاح التعليم وربطه بمتطلبات سوق العمل، ويجري الآن استنزاف أموال التأمينات وصندوق التنمية.
ويعود فشل الحكومة في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والتصدي لضغوط المجلس إلى ضعفها، إلى جانب خلافات الأسرة، ومنافسة المجلس على الشعبوية الكاذبة، ولو كانت السُّلطة والحكومة واعية وقادرة على التعامل مع الخطرين المذكورين بالإصلاحات الاقتصادية، لما كانت هناك مشكلة، لكنها قامت - للأسف - بتقديم الحل الأسهل، وإنشاء خطر ثالث، وهو تقديم قانون للسحب من احتياطي الأجيال، وقانون آخر للدَّين العام، وهما معروضان على المجلس الآن.
ولا شك في أنه لو كانت لدينا إصلاحات اقتصادية حقيقية وأكثر من مصدر لزيادة الإيرادات، لكانت زيادة الميزانية وانخفاض أسعار النفط أمراً عادياً ومقبولاً، وليس خطراً مخيفاً، ولأمكن أيضاً تحقيق مكاسب شعبية للمواطنين، ولكن المؤسف أن ذلك لم يتم حتى الآن.