في الوقت الذي تشهد معدلات الجريمة ارتفاعاً كبيراً في تسجيل أعداد القضايا الجنائية، بأنواعها المختلفة، تواجه المنظومة القانونية المكلفة مواجهة تلك القضايا تحدياً في التعامل معها، وفقاً للقواعد القانونية التي تنظم إجراءات التحقيق والمحاكمات الجزائية، وصولاً إلى إنفاذ قواعد المحاكمة العادلة.
والارتفاع الكبير لأعداد القضايا الجزائية أمر لا يمكن ضبطه، لكونه مرتبطاً بأسباب تربوية واجتماعية ونفسية لا علاقة للمنظومة القانونية بها، إلّا أنه بالإمكان، وبعد مرور أكثر من 60 عاماً على تطبيق قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، إعادة النظر في أسلوب التعامل مع الملفات الجزائية التي تقيّدها جهات التحقيق، ومنحها صلاحيات في سلطة التصرف، مع منحها سلطة تقرير العقوبات، كأحد صور التسوية الجنائية، وبناء على طلب المتهم في بعض القضايا الجزائية البسيطة.
وقيد جهات التحقيق اليوم لسلطات التحقيق والتصرف والادعاء، وإن كان أمراً مبرراً، بعد تطبيق دام لفترة زمنية كبيرة سمحت للمحاكم استيعاب أعداد القضايا الجزائية المرفوعة إلى المحاكم، إلا أنه أمر يبرر المراجعة، حيث ستسهم تلك المراجعات التشريعية في إحداث نوع من التوازن لمهام المنظومة القضائية بين جهات التحقيق والمحاكم الجزائية، بأن يمنح المشرع سُلطات الادعاء الحق في إتمام التسوية الجنائية في العديد من القضايا الجزائية، بما يترتب على ذلك إغلاق ملفات تلك الدعاوى، أو القبول بالعقوبات، كأحد صور التسوية الجنائية.
لذلك، فإنه يتعيَّن العمل على إعادة النظر في أحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بما يسمح بتطوير إجراءات التحقيق، ويمنحها صلاحيات واسعة ويقلل من فرص عرضها امام القضاء، كما يستدعي الأمر إعادة النظر في اسلوب إجراءات المحاكمة، ومنح القاضي الجزائي صلاحيات في تقرير العقوبات وتقديرها واستحداث العقوبات كالتي تتعلّق بخدمة المجتمع أو الصالح العام، وكذلك الحال فيما يتعلق بطرق تقديم الشكاوى وإجراءات التحقيق وعرض المتهمين وتنفيذ أحكامها وإجراءات محاكماتهم.