مع فشل مجلس الأمن الدولي في إصدار أي قرار بشأن الحرب في غزة، بسبب حالة الاستقطاب الدولية الحادة، برزت، أمس، دعوة عربية لوقف فوري لإطلاق النار في القطاع الفلسطيني الذي يتعرّض لحملة قصف إسرائيلية انتقامية وحشية.
ورفض بيان مشترك وقّعته كل من الكويت ومصر والأردن والإمارات والسعودية البحرين وعُمان وقطر والمغرب، «أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة»، ودان «استهداف المدنيين والعنف والإرهاب والتهجير القسري والعقاب الجماعي»، مطالباً «مجلس الأمن بإلزام الأطراف بالوقف الفوري لإطلاق النار».
وفيما دعا الأردن وموريتانيا الى جلسة عامة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، من لاهاي، أمس، أن حل الدولتين «أكثر أهمية من أي وقت مضى»، في ظل «الحرب الانتقامية» التي تشنّها إسرائيل على غزة، خلال لقاء مع مسؤولين من المحكمة الجنائية الدولية بمن فيهم المدعي العام كريم خان، ودعا المالكي إلى ضرورة قبول إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار فوراً.
وذكر الوزير الفلسطيني أن أكثر من 50 بالمئة من المباني السكنية في غزة دمّر جراء القصف الإسرائيلي غير المسبوق، مشيراً إلى الوضع الكارثي الذي يعانيه القطاع المحاصر بشكل كامل.
وفيما التقى مسؤولون من «حماس» وإيران في موسكو، أمس، لإجراء محادثات مع مسؤولين روس حول أزمة الرهائن وتوسيع الحرب في المنطقة، بدأ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان زيارة مفاجئة إلى نيويورك بالولايات المتحدة، لبحث الأزمة التي تهدد بانفجار مواجهة إقليمية واسعة قد تستدعي تدخلاً عسكرياً أميركياً مباشراً لمساندة تل أبيب.
وحذّر قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، أمس، الجيش الإسرائيلي من اجتياح غزة قائلاً، إنه إذا فعل «فسيُدفن فيها»، وأن «الأميركيين سيحترقون بالنار التي أشعلوها» في المنطقة.
توغّل بالدبابات
ميدانياً، وبعد المعلومات عن تأجيل «مفتوح» للاجتياح البري لقطاع غزة، توغلت قوات برية إسرائيلية ليل الأربعاء ـ الخميس في شمال القطاع لمهاجمة مواقع «حماس» في عملية وصفت بـ «الكبيرة نسبياً».
وقال متحدث عسكري، إن التوغل يأتي في إطار تحضيرات الجيش للمراحل المقبلة من القتال، مضيفاً أن «الجنود خرجوا من المنطقة عند انتهاء العملية». وأوضح أن دبابات وقوات مشاة قصفت خلايا مسلحة عدّة، وبنية تحتية ومواقع إطلاق صواريخ مضادة للدروع داخل شمال غزة.
وبثّت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس، صوراً وفيديوهات لدبابات تدخل إلى تخوم القطاع عبر فتحات كبيرة في السياج الأمني المحيط به، ووصفت العملية بأنها أكبر من تلك التي نفذت في السابق خلال الحرب التي اندلعت عقب الهجوم غير المسبوق الذي شنته «حماس» على 11 قاعدة عسكرية و20 مستوطنة إسرائيلية، وتسبب في مقتل أكثر من 1400 وجرح 3200 وأسر 224، العديد منهم أجانب ومن مزدوجي الجنسية.
وأفاد موقع ميدل إيست آي البريطاني، عن مصدر عربي رفيع المستوى مطلع على شؤون فصائل المقاومة الفلسطينية، قوله إن هذه الفصائل تتوقع أن تُغرق إسرائيل أنفاق غزة بغاز الأعصاب والمواد الكيميائية، المحرّمة دولياً، تحت مراقبة قوات «دلتا» الأميركية الخاصة، في إطار هجوم مفاجئ على القطاع.
وتعتمد الخطة على استخدام الغاز بكمية كافية لشل الحركة الجسدية لفترة تتراوح بين 6 و12 ساعة لاقتحام شبكة الأنفاق وإخراج الرهائن وقتل العناصر المسلحة.وصباح أمس، واصل الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته العنيفة على عموم القطاع، إذ تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين منذ بدء الحرب 7 آلاف، إضافة إلى وجود عشرات الآلاف من المصابين والمفقودين.
في المقابل، أعلنت فصائل غزة أنها استهدفت مروحية إسرائيلية بصاروخ «سام 6» وأسقطتها في المنطقة الشرقية لوسط القطاع، التي تعرّضت لغارات عنيفة عقب ذلك. وأطلقت الفصائل رشقات صاروخية على تل أبيب وعسقلان وحيفا ومستوطنات كيسوفيم ونيرعام وسديروت بـ «غلاف غزة»، فيما أعلنت «حماس» مقتل نحو 50 من الرهائن بسبب الغارات الإسرائيلية على غزة.
بايدن والمنطقة
وجاء التوغل المحدود بعد ساعات من مباحثات أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ناقشا خلالها «الجهود الجارية لتحديد مكان الرهائن الأميركيين في غزة وتأمين إطلاق سراحهم».
وأفاد بيان للبيت الأبيض بأن بايدن أكد لنتنياهو أهمية إيجاد «طريق للسلام الدائم» بعد الأزمة الحالية.
وأشار إلى أن بايدن جدد في اتصاله مع نتنياهو، تأكيد حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بما يتفق مع القانون الإنساني الدولي.
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قال بايدن: «لن تكون هناك عودة إلى الوضع الراهن كما كان في 6 أكتوبر، هذا يعني ضمان عدم قدرة حماس على إرهاب إسرائيل واستخدام المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية، ويعني أيضاً أنه عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك، ومن وجهة نظرنا يجب أن يكون حل قائم على وجود الدولتين».
ومع تصاعد الحديث عن ترتيبات خاصة بغزة تتضمن دوراً مصرياً، نفى مصدر رسمي مصري «الادعاءات بنشر قوات بريطانية بين مصر وقطاع غزة».
نبوءة نتنياهو وتهديد غانتس
وجاء حديث بايدن بعد تصريحات متلفزة لنتنياهو أثارت جدلاً بسبب استحضاره «نبوءة أشعياء» التوراتية التي تتحدث عن معركة كبيرة بين إسرائيل وخصومها، ويرى البعض أنها معركة نهاية العالم.
وقال نتنياهو، إن الحرب هي بين الخير والشر، معتبراً أن الإسرائيليين هم «أبناء النور» وخصومهم «أبناء الظلام»، و«سيهزم النورُ الظلام». وجدد التزامه بشنّ عملية برية ضد غزة، مؤكداً أن موعد العملية سيتم التصويت عليه في الحكومة الأمنية المصغرة.
وفيما أشار الى أن استعادة الأمن في الجنوب ستحتاج الى سنوات، لم يستبعد الوزير في حكومة الطوارئ، بيني غانتس، أن بلاده «ستضرب حماس أينما كانت»، في ردّ على سؤال بشأن إمكانية أن تقوم إسرائيل باغتيالات في الخارج تستهدف قادة الحركة. وتقيم قيادة «حماس» في تركيا وقطر ولبنان.
انقسام دولي
وبعد يوم من استخدام روسيا والصين حق النقض «الفيتو» ضد دعوة أميركية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتحرك بشأن الصراع من خلال الدعوة إلى وقف القتال، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، ووقف تسليح «حماس» وغيرها من فصائل غزة، أظهر نص المسودة النهائية لبيان القمة الأوروبية الذي سيجري اعتماده في بروكسل، أن زعماء الاتحاد الأوروبي سيدعون إلى إقامة «ممرات وهدنات إنسانية»، لإيصال المساعدات بشكل عاجل إلى غزة. وجدد زعماء أوروبيون أمس، دعمهم لإسرائيل وتفهمهم لضرورة «قتال وهزيمة حماس»، مشددين في الوقت نفسه على وجوب حماية المدنيين والتزام إسرائيل بالقانون الدولي.
وفي أنقرة، ذكرت الرئاسة التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان أبلغ بابا الفاتيكان فرنسيس الثالث، في اتصال هاتفي، أن الهجمات الإسرائيلية على غزة ترقى إلى مذبحة، مؤكداً أن تركيا لن تقف موقف المتفرج.
لا أمان
وفيما فيما دخلت 12 شاحنة ضمن الفوج السادس للمساعدات الإغاثية إلى القطاع عبر معبر رفح المصري، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، لين هاستينغز، إنه لا مكان آمناً في غزة، وأن طرق الإخلاء من شمال القطاع الى جنوبه تتعرّض للقصف، مشيرة إلى أن المقيمين في شمال القطاع وجنوبه عالقون وسط العمليات العسكرية في غياب الأساسيات اللازمة للحياة.
واتهم الجيش الإسرائيلي مجدداً «حماس» بمنع الغزيين من التحرك جنوباً، فيما بدا أن خطته لإخلاء سكان القطاع إلى الجنوب قد انهارت تماماً، بعد أن عاد مئات النازحين مفضّلين الموت في منازلهم بدل الموت في طريقهم إلى المناطق الآمنة المفترضة.