وفي النهاية، يكون على إدارة التسجيل العقاري الإعلان في الجريدة الرسمية عن البيانات الخاصة بكل عقار، ويتم إخطار أصحاب الشأن بما تم إثباته على الصحيفة العقارية من ملكية وحقوق عينية ومعاملات وتعديلات (م/7 قانون، م/10 لائحة).
الردع الجزائي بعد انتهاء المراحل العقارية الانتقالية... مواجهة ممارسات التجاوز على العقارات
بعد إتمام القيد في السجل العيني، فإن مواجهة الجرائم والممارسات غير المشروعة على العقارات ستكون أكثر فاعلية، وفق ما يلي:
(1) مواجهة الغصب العقاري أو التعدي على حدود العقار: فلا يمكن بطبيعة الحال أن يغصب أحد عقار المالك المقيد في السجل بموجب صحيفة عقارية، لأن ملكيته مسجلة بشكل واضح وقطعي في السجل العقاري، وهكذا يستطيع المالك المطالبة بتمكينه من عقاره أمام القضاء استناداً إلى البيانات القطعية من صحيفة العقار في السجل العيني، ومن ثم يستعيد السيطرة على العقار.
ومن جهة أخرى، لا يمكن لصاحب العقار أن يتعدى على حدود عقار مجاور له، لأن السجل العيني يعتمد على خرائط مساحية مفصلة ودقيقة.
وبالتالي، فإن الرؤية تكون دقيقة للقاضي في حال وقوع نزاع على ملكية أجزاء من العقار، والسبب أن التحديد والتحرير الدقيق ينفيان أي شبهة أو غموض.
فإذا حاول مالك عقار أن يغصب جزءاً من عقار جاره، فإن القضاء يستطيع حسم المنازعة بشكل سريع ودقيق وقطعي، بعد إجراء خبرة عقارية بغرض الاطلاع على العقارين، ثم مطابقة الأوصاف في السجل العيني على تقارير الخبرة التي تم إعدادها على أرض الواقع، وهكذا سيتم اكتشاف أي تجاوز على العقار الموصوف في السجل.
(2) مواجهة النصب العقاري: فلا يمكن لمالك العقار أن يبيع عقاره أكثر من مرة ويقبض ثمنه عدة مرات، والسبب أن مالك العقار الأخير مذكور على الصحيفة العقارية الوحيدة للعقار.
أما وفق الشهر العقاري، فلا يظهر المالك الأخير، بل يظهر المحرر الشخصي، والذي قد لا يمثل آخر عقد بيع، وقد يصعب اكتشاف قيام المالك ببيع العقار ثانية من خلال الدفاتر الشخصية، بسبب تشابه الأسماء أو البيع بالوكالة، وبالتالي قد يقوم المالك ببيع العقار مرتين أو أكثر بموجب عقد واحد مسجل في الشهر العقاري.
بينما وفق السجل العيني، ما على الشخص الذي ينوي شراء عقار، سوى استخراج بيان عقاري لذات العقار، بحيث يظهر فيه المالك الأخير، إضافة لمواصفات العقار والحقوق التي عليه، وهذه البيانات ذات حجة رسمية لا يمكن للغير الاحتجاج بعكسها في مواجهة الغير حسن النية من حيث المبدأ.
أما المجني عليه المهمل الذي يشتري عقاراً من غير مالكه أو يشتريه من مالكه كمشترٍ ثانٍ أو ثالث، من دون أن يستخرج بياناً عقارياً للعقار الذي ينوي شراءه من السجل العيني، ومن دون أن يتأكد من أن الشخص الذي يريد بيعه العقار هو المالك الحالي الأخير، فهذا المجني عليه يكون قد وقع ضحية لإهماله الجسيم، ورغم ذلك تقوم المسؤولية الجزائية على البائع المحتال.
• هل أصبح قانون السجل العقاري العيني 21/ 2019 ملزماً للمحاكم؟
الفترة القانونية الانتقالية... الطبيعة الخاصة لقانون السجل العيني
كما أن السجل العيني يحتاج إلى مرحلة تحديد الأقسام المساحية والتخطيط ورسم المسطحات والخرائط التفصيلية قبل تطبيقه، فإن القانون ذاته يحتوي على مرحلة انتقالية أيضاً، ليس من الناحية الفنية، بل القانونية أيضاً.
فلا يمكن فرض أحكام قانونية شكلية صارمة بخصوص التسجيل في الصحائف العقارية إذا لم تكن هذه الصحائف موجودة أصلاً، فهذا الأمر ينافي المنطق.
لذا، فقد كان لابد للمشرّع من إتاحة المجال الزمني الكافي لمرحلة قانونية انتقالية، بهدف إعداد المستندات اللازمة لتطبيق القانون، والسماح للموظفين، والمتعاملين، وأصحاب الحقوق باستيعاب التغيير الجذري الذي حدث في آلية التوثيق من الشهر العقاري المستمر منذ 1959، إلى السجل العيني وفق قانون 21/ 2019.
• ما الفترة الانتقالية الصريحة قبل نفاذ قانون السجل العيني؟
نصَّت المادة الأخيرة من قانون السجل العيني على التزام رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وفق اختصاصاتهم، بتنفيذ القانون، على أن يكون القانون نافذاً بعد سنة واحدة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (م/32 قانون).
بناءً عليه، فإن المشرّع منح الجهات الحكومية مهلة سنة واحدة حتى تمهد الطريق الفني لتطبيق القانون، وهذه المهمة ملقاة بشكل أساسي على:
وزير العدل: الذي تقع عليه مهمة اختيار الأقسام المساحية التي سيطبق عليها السجل العيني (م/7 لائحة).
بلدية الكويت: التي يقع عليها العبء الفني الأكبر من حيث الكشوف المساحية على الطبيعة، ورسم الخرائط والمسطحات اللازمة لتحديد أوصاف كل عقار، وحفظ صحائف عقارية لكل عقار أيضا (م/9 لائحة).
ويفترض أنه مع نهاية مدة السنة من تاريخ نشر القانون رقم 21/ 2019 أن يكون القانون نافذاً فنياً وقانونياً، عندها يبدأ التزام بلدية الكويت بإخطار أصحاب الحقوق بما آلت إليه بيانات الصحيفة العقارية التي تخص مصالحهم خلال مدة سنة من تاريخ العمل بهذا القانون (م/7 قانون).
لكن ماذا إذا لم تستطع الجهات الحكومية تحضير البيئة الفنية المطلوبة لتطبيق القانون؟ هل توجد فترة قانونية ضمنية يفرضها الواقع قبل نفاذ قانون السجل العيني؟
لم يجب القانون 21/ 2019 عن هذا التساؤل، أي أن المشرّع لم يضع في حسبانه مجرد إمكانية تأخر وزير العدل عن اختيار الأقسام المساحية الخاصة بالسجل العيني، أو تأخر بلدية الكويت في تحضير المستندات الفنية والإدارية اللازمة لقيد الحقوق والتصرفات كما نص القانون.
لذا، فإن حلول تاريخ نفاذ القانون -أي بعد انتهاء سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية- يجعل قواعد القانون واجبة التطبيق.
لكن المشكلة أن وجوب التطبيق النظري يتعارض مع استحالة التطبيق العملي. وبغض النظر عن الجهة التي تتحمَّل مسؤولية هذا التأخير، فإن الحديث عن نفاذ قانون يستحيل تطبيقه على أرض الواقع أمر غير منطقي.
وفي هذا الخصوص، نجد أن اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني أجابت بشكل غير مباشر عن التساؤل الخاص بتطبيق القانون النافذ نظرياً، رغم أنه مستحيل التطبيق فنياً وعملياً، حيث جاء في نص اللائحة: «عند بدء سريان القانون في الأقسام المساحية يرسل مكتب السجل العيني إخطاراً مع العلم بالوصول لأصحاب الشأن...» (م/10 لائحة).
فلم يذكر نص اللائحة هذا أن سريان القانون يبدأ مع انتهاء المهلة القانونية -وهي السنة من تاريخ نشره- بل وضعت اللائحة بشكل غير مباشر تاريخاً آخر لنفاذ القانون، ألا وهو سريان القانون في الأقسام المساحية التي اختارها وزير العدل.
يشير هذا النص بشكل غير مباشر إلى أن سريان القانون يستحيل أن يبدأ قبل اختيار الوزير للأقسام المساحية المطلوب تطبيق القانون عليها وانتهاء الإجراءات الفنية والإدارية الخاصة بتحضير السجل.
أي أن اللائحة تقول بشكل ضمني إن القانون قد يعتبر نافذاً نظرياً، لكنه لن يسري في الواقع إلا إذا تم اختيار الأقسام المساحية وانتهاء إجراءات التحضير لتطبيق القانون.
وهنا نتساءل: كيف نظر القضاء الكويتي إلى هذه الإشكالية؟ وما الاتجاهات الأساسية في تفسير النصوص الخاصة بنفاذ قانون السجل العيني؟ وكيف اعتبر جانب من القضاء الكويتي بأن قانون السجل العيني دخل حيز النفاذ؟
صدر حكم محكمة التمييز بالطعن رقم 4082 لسنة 2021 تجاري/1 بتاريخ 25 مايو 2022، وقد أكدت المحكمة على المبادئ التالية:
عدم رجعية القوانين، فالقانون النافذ على عقد بيع عقار يبقى نافذاً على جميع الحقوق التي نشأت في ظل هذا القانون.
تطبيق القانون القديم على آثار التصرفات المستقبلية التي نشأت في ظل هذا القانون، حتى وإن صدر قانون جديد بأحكام مخالفة، فإذا أراد المشتري إقامة دعوى تثبيت بيع لعقد مبرم في 2013، فينطبق عليه مرسوم بقانون رقم 5/1959، وليس قانون السجل العيني رقم 21/ 2019.
الاستثناء من هذه القواعد هو النظام العام، وهي الحالة المذكورة في قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 الذي نص على ضرورة قيد دعوى البيع العقاري على صحيفة العقار تحت طائلة عدم سماعها، ليس فقط بخصوص الدعاوى الجديدة التي تقام بعد العمل بهذا القانون، بل حتى بخصوص الدعاوى القديمة التي أقيمت قبل صدور هذا القانون أصلاً، حيث تم منح أصحاب الدعاوى القديمة هذه مهلة 60 يوماً من تاريخ طلب التأشير على صحيفة العقار بطلبات الدعوى، حتى يتم إبراز بيان عقاري فيه إشارة للدعوى على صحيفة العقار.
بناءً عليه، قضت محكمة التمييز برد دعوى البيع، لأن المدعي لم يبرز بياناً عقارياً عليه تأشير بالدعوى على صحيفة العقار وفق أحكام قانون السجل العيني 21/ 2019، الذي اعتبرته المحكمة أصبح نافذاً.
• ما مبررات الجانب الثاني من القضاء الكويتي الذي يقول بعدم دخول قانون السجل العيني حيز النفاذ بعد؟
ذهبت محكمة الاستئناف المدنية في حكم حديث صادر في 2022 إلى أن قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 لم يدخل حيز النفاذ بعد.
وكان موضوع الدعوى يتناول حق ميراث عقار، وهي من الحقوق واجبة القيد عبر التأشير على صحيفة العقار في السجل العيني حتى تنشأ، وتعتبر قاعدة التأشير هذه من النظام العام، الأمر الذي يوجب على المحكمة عدم سماع الدعوى في حالة عدم التأشير وفق القانون 21/ 2019 (م/11)، وقد خلت الدعوى المنظورة أمام المحكمة من أي شهادة تثبت هذا التأشير، الأمر الذي كان حرياً بعدم سماع الدعوى، كما ذهبت محكمة التمييز في حكمها المشار إليه سابقا.
لكن محكمة الاستئناف استعلمت من مدير الإدارة العامة للتسجيل العقاري، الذي أفاد بأن القانون رقم 21/ 2019 لم يعمل به حتى الآن، كما أرسل المدير المذكور صورة صادرة من رئيس المكتب الفني لقطاع التسجيل العقاري والتوثيق تفيد بأنه لا يمكن الاستجابة لطلب شهادة تدل على التأشير في السجل العيني عن العقار لاستحالة تنفيذه.
فرغم وجوب نفاذ قانون السجل العيني لمرور سنة من تاريخ نشره (م/32 قانون)، فإن مدير إدارة التسجيل العقاري أفاد للمحكمة بأنه من الواجب قبل تطبيق القانون صدور قرار من وزير العدل بتحديد المنطقة المساحية التي يسري عليها القانون، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد. وهكذا، فإن العمل في الدوائر العقارية لا يزال جارياً وفق المرسوم 5/ 1959 بشأن التسجيل العقاري، لحين صدور القرار الوزاري بتحديد الأقسام المساحية وفق خطاب المدير المذكور.
وهكذا، فقد حكمت محكمة الاستئناف بأن شرط التأشير على الصحيفة العقارية لسماع دعوى الميراث بالنسبة للورثة هو بدعة، كما ذهبت وفق مرسوم بقانون 5/ 1959 رغم تعديل هذا المرسوم وإقرار وجوب التأشير (المادة 11 مكرر 1 الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 73/ 1979).
كما أقرت المحكمة بأن قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 -الذي نص على شرط التأشير لسماع الدعوى- لم يدخل حيز النفاذ بعد، وعليه يجب تطبيق المرسوم بقانون رقم 5/ 1959.
وهكذا حكمت بصحة الدعوى بموضوع ميراث عقار دون وجود تأشير للدعوى.
• ما رأينا إزاء نفاذ قانون السجل العيني رقم 21/ 2019؟
يبدو أن رأي محكمة الاستئناف في حكمها المذكور ذهب مع نص المادة 10 من اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني، التي لم تتحدث عن نفاذ القانون إلا بالتوازي مع سريان القانون على الأقسام المساحية، والتي يقرر وزير العدل البدء بتطبيق القانون عليها، وهو ما يجب أن يتوازى أيضاً مع تحضير بلدية الكويت للخرائط والصحائف العقارية المطلوبة.
وفي الحقيقة، لا يمكن للقضاء تطبيق قانون يستحيل تنفيذ قواعده على أرض الواقع، حتى إن كانت نصوصه تقول إن القانون أصبح نافذاً من الناحية الزمنية النظرية البحتة، حيث إن نفاذه في مثل هذه الحالة يبقى حبراً على ورق.
وهنا يكون البطء في التحضير والتنفيذ الحكومي للمرحلة الانتقالية الفنية نحو السجل العيني، عاملاً موجباً لعدم التطبيق القضائي للقانون، والقول بغير ذلك يعني طلب شيء مستحيل من أحد أطراف الدعوى، وهو تقديم شهادة تأشير على صحيفة عقارية غير موجودة أصلاً، الأمر الذي يتنافى مع المنطق ويخالف العدالة بشكل صريح.
بناءً عليه، فإننا نذهب مع رأي محكمة التمييز الذي يقول بنفاذ القانون 21/ 2019 في حالة وجود صحيفة عقارية للعقار محل الدعوى من جهة، وبعدم نفاذ هذا القانون بأمر الواقع ووفقاً للمادة 10 من لائحته التنفيذية إذا لم تكن الصحيفة العقارية للعقار محل الدعوى موجودة لدى إقامة الدعوى، واستحال على المدعي التأشير بإشارة الدعوى على الصحيفة من جهة أخرى.
الردع الجزائي بعد انتهاء المراحل العقارية الانتقالية... مواجهة ممارسات التجاوز على العقارات
بعد إتمام القيد في السجل العيني، فإن مواجهة الجرائم والممارسات غير المشروعة على العقارات ستكون أكثر فاعلية، وفق ما يلي:
(1) مواجهة الغصب العقاري أو التعدي على حدود العقار: فلا يمكن بطبيعة الحال أن يغصب أحد عقار المالك المقيد في السجل بموجب صحيفة عقارية، لأن ملكيته مسجلة بشكل واضح وقطعي في السجل العقاري، وهكذا يستطيع المالك المطالبة بتمكينه من عقاره أمام القضاء استناداً إلى البيانات القطعية من صحيفة العقار في السجل العيني، ومن ثم يستعيد السيطرة على العقار.
ومن جهة أخرى، لا يمكن لصاحب العقار أن يتعدى على حدود عقار مجاور له، لأن السجل العيني يعتمد على خرائط مساحية مفصلة ودقيقة.
وبالتالي، فإن الرؤية تكون دقيقة للقاضي في حال وقوع نزاع على ملكية أجزاء من العقار، والسبب أن التحديد والتحرير الدقيق ينفيان أي شبهة أو غموض.
فإذا حاول مالك عقار أن يغصب جزءاً من عقار جاره، فإن القضاء يستطيع حسم المنازعة بشكل سريع ودقيق وقطعي، بعد إجراء خبرة عقارية بغرض الاطلاع على العقارين، ثم مطابقة الأوصاف في السجل العيني على تقارير الخبرة التي تم إعدادها على أرض الواقع، وهكذا سيتم اكتشاف أي تجاوز على العقار الموصوف في السجل.
(2) مواجهة النصب العقاري: فلا يمكن لمالك العقار أن يبيع عقاره أكثر من مرة ويقبض ثمنه عدة مرات، والسبب أن مالك العقار الأخير مذكور على الصحيفة العقارية الوحيدة للعقار.
أما وفق الشهر العقاري، فلا يظهر المالك الأخير، بل يظهر المحرر الشخصي، والذي قد لا يمثل آخر عقد بيع، وقد يصعب اكتشاف قيام المالك ببيع العقار ثانية من خلال الدفاتر الشخصية، بسبب تشابه الأسماء أو البيع بالوكالة، وبالتالي قد يقوم المالك ببيع العقار مرتين أو أكثر بموجب عقد واحد مسجل في الشهر العقاري.
بينما وفق السجل العيني، ما على الشخص الذي ينوي شراء عقار، سوى استخراج بيان عقاري لذات العقار، بحيث يظهر فيه المالك الأخير، إضافة لمواصفات العقار والحقوق التي عليه، وهذه البيانات ذات حجة رسمية لا يمكن للغير الاحتجاج بعكسها في مواجهة الغير حسن النية من حيث المبدأ.
أما المجني عليه المهمل الذي يشتري عقاراً من غير مالكه أو يشتريه من مالكه كمشترٍ ثانٍ أو ثالث، من دون أن يستخرج بياناً عقارياً للعقار الذي ينوي شراءه من السجل العيني، ومن دون أن يتأكد من أن الشخص الذي يريد بيعه العقار هو المالك الحالي الأخير، فهذا المجني عليه يكون قد وقع ضحية لإهماله الجسيم، ورغم ذلك تقوم المسؤولية الجزائية على البائع المحتال.
• هل أصبح قانون السجل العقاري العيني 21/ 2019 ملزماً للمحاكم؟
الفترة القانونية الانتقالية... الطبيعة الخاصة لقانون السجل العيني
كما أن السجل العيني يحتاج إلى مرحلة تحديد الأقسام المساحية والتخطيط ورسم المسطحات والخرائط التفصيلية قبل تطبيقه، فإن القانون ذاته يحتوي على مرحلة انتقالية أيضاً، ليس من الناحية الفنية، بل القانونية أيضاً.
فلا يمكن فرض أحكام قانونية شكلية صارمة بخصوص التسجيل في الصحائف العقارية إذا لم تكن هذه الصحائف موجودة أصلاً، فهذا الأمر ينافي المنطق.
لذا، فقد كان لابد للمشرّع من إتاحة المجال الزمني الكافي لمرحلة قانونية انتقالية، بهدف إعداد المستندات اللازمة لتطبيق القانون، والسماح للموظفين، والمتعاملين، وأصحاب الحقوق باستيعاب التغيير الجذري الذي حدث في آلية التوثيق من الشهر العقاري المستمر منذ 1959، إلى السجل العيني وفق قانون 21/ 2019.
• ما الفترة الانتقالية الصريحة قبل نفاذ قانون السجل العيني؟
نصَّت المادة الأخيرة من قانون السجل العيني على التزام رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وفق اختصاصاتهم، بتنفيذ القانون، على أن يكون القانون نافذاً بعد سنة واحدة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (م/32 قانون).
بناءً عليه، فإن المشرّع منح الجهات الحكومية مهلة سنة واحدة حتى تمهد الطريق الفني لتطبيق القانون، وهذه المهمة ملقاة بشكل أساسي على:
وزير العدل: الذي تقع عليه مهمة اختيار الأقسام المساحية التي سيطبق عليها السجل العيني (م/7 لائحة).
بلدية الكويت: التي يقع عليها العبء الفني الأكبر من حيث الكشوف المساحية على الطبيعة، ورسم الخرائط والمسطحات اللازمة لتحديد أوصاف كل عقار، وحفظ صحائف عقارية لكل عقار أيضا (م/9 لائحة).
ويفترض أنه مع نهاية مدة السنة من تاريخ نشر القانون رقم 21/ 2019 أن يكون القانون نافذاً فنياً وقانونياً، عندها يبدأ التزام بلدية الكويت بإخطار أصحاب الحقوق بما آلت إليه بيانات الصحيفة العقارية التي تخص مصالحهم خلال مدة سنة من تاريخ العمل بهذا القانون (م/7 قانون).
لكن ماذا إذا لم تستطع الجهات الحكومية تحضير البيئة الفنية المطلوبة لتطبيق القانون؟ هل توجد فترة قانونية ضمنية يفرضها الواقع قبل نفاذ قانون السجل العيني؟
لم يجب القانون 21/ 2019 عن هذا التساؤل، أي أن المشرّع لم يضع في حسبانه مجرد إمكانية تأخر وزير العدل عن اختيار الأقسام المساحية الخاصة بالسجل العيني، أو تأخر بلدية الكويت في تحضير المستندات الفنية والإدارية اللازمة لقيد الحقوق والتصرفات كما نص القانون.
لذا، فإن حلول تاريخ نفاذ القانون -أي بعد انتهاء سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية- يجعل قواعد القانون واجبة التطبيق.
لكن المشكلة أن وجوب التطبيق النظري يتعارض مع استحالة التطبيق العملي. وبغض النظر عن الجهة التي تتحمَّل مسؤولية هذا التأخير، فإن الحديث عن نفاذ قانون يستحيل تطبيقه على أرض الواقع أمر غير منطقي.
وفي هذا الخصوص، نجد أن اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني أجابت بشكل غير مباشر عن التساؤل الخاص بتطبيق القانون النافذ نظرياً، رغم أنه مستحيل التطبيق فنياً وعملياً، حيث جاء في نص اللائحة: «عند بدء سريان القانون في الأقسام المساحية يرسل مكتب السجل العيني إخطاراً مع العلم بالوصول لأصحاب الشأن...» (م/10 لائحة).
فلم يذكر نص اللائحة هذا أن سريان القانون يبدأ مع انتهاء المهلة القانونية -وهي السنة من تاريخ نشره- بل وضعت اللائحة بشكل غير مباشر تاريخاً آخر لنفاذ القانون، ألا وهو سريان القانون في الأقسام المساحية التي اختارها وزير العدل.
يشير هذا النص بشكل غير مباشر إلى أن سريان القانون يستحيل أن يبدأ قبل اختيار الوزير للأقسام المساحية المطلوب تطبيق القانون عليها وانتهاء الإجراءات الفنية والإدارية الخاصة بتحضير السجل.
أي أن اللائحة تقول بشكل ضمني إن القانون قد يعتبر نافذاً نظرياً، لكنه لن يسري في الواقع إلا إذا تم اختيار الأقسام المساحية وانتهاء إجراءات التحضير لتطبيق القانون.
وهنا نتساءل: كيف نظر القضاء الكويتي إلى هذه الإشكالية؟ وما الاتجاهات الأساسية في تفسير النصوص الخاصة بنفاذ قانون السجل العيني؟ وكيف اعتبر جانب من القضاء الكويتي بأن قانون السجل العيني دخل حيز النفاذ؟
صدر حكم محكمة التمييز بالطعن رقم 4082 لسنة 2021 تجاري/1 بتاريخ 25 مايو 2022، وقد أكدت المحكمة على المبادئ التالية:
عدم رجعية القوانين، فالقانون النافذ على عقد بيع عقار يبقى نافذاً على جميع الحقوق التي نشأت في ظل هذا القانون.
تطبيق القانون القديم على آثار التصرفات المستقبلية التي نشأت في ظل هذا القانون، حتى وإن صدر قانون جديد بأحكام مخالفة، فإذا أراد المشتري إقامة دعوى تثبيت بيع لعقد مبرم في 2013، فينطبق عليه مرسوم بقانون رقم 5/1959، وليس قانون السجل العيني رقم 21/ 2019.
الاستثناء من هذه القواعد هو النظام العام، وهي الحالة المذكورة في قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 الذي نص على ضرورة قيد دعوى البيع العقاري على صحيفة العقار تحت طائلة عدم سماعها، ليس فقط بخصوص الدعاوى الجديدة التي تقام بعد العمل بهذا القانون، بل حتى بخصوص الدعاوى القديمة التي أقيمت قبل صدور هذا القانون أصلاً، حيث تم منح أصحاب الدعاوى القديمة هذه مهلة 60 يوماً من تاريخ طلب التأشير على صحيفة العقار بطلبات الدعوى، حتى يتم إبراز بيان عقاري فيه إشارة للدعوى على صحيفة العقار.
بناءً عليه، قضت محكمة التمييز برد دعوى البيع، لأن المدعي لم يبرز بياناً عقارياً عليه تأشير بالدعوى على صحيفة العقار وفق أحكام قانون السجل العيني 21/ 2019، الذي اعتبرته المحكمة أصبح نافذاً.
• ما مبررات الجانب الثاني من القضاء الكويتي الذي يقول بعدم دخول قانون السجل العيني حيز النفاذ بعد؟
ذهبت محكمة الاستئناف المدنية في حكم حديث صادر في 2022 إلى أن قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 لم يدخل حيز النفاذ بعد.
وكان موضوع الدعوى يتناول حق ميراث عقار، وهي من الحقوق واجبة القيد عبر التأشير على صحيفة العقار في السجل العيني حتى تنشأ، وتعتبر قاعدة التأشير هذه من النظام العام، الأمر الذي يوجب على المحكمة عدم سماع الدعوى في حالة عدم التأشير وفق القانون 21/ 2019 (م/11)، وقد خلت الدعوى المنظورة أمام المحكمة من أي شهادة تثبت هذا التأشير، الأمر الذي كان حرياً بعدم سماع الدعوى، كما ذهبت محكمة التمييز في حكمها المشار إليه سابقا.
لكن محكمة الاستئناف استعلمت من مدير الإدارة العامة للتسجيل العقاري، الذي أفاد بأن القانون رقم 21/ 2019 لم يعمل به حتى الآن، كما أرسل المدير المذكور صورة صادرة من رئيس المكتب الفني لقطاع التسجيل العقاري والتوثيق تفيد بأنه لا يمكن الاستجابة لطلب شهادة تدل على التأشير في السجل العيني عن العقار لاستحالة تنفيذه.
فرغم وجوب نفاذ قانون السجل العيني لمرور سنة من تاريخ نشره (م/32 قانون)، فإن مدير إدارة التسجيل العقاري أفاد للمحكمة بأنه من الواجب قبل تطبيق القانون صدور قرار من وزير العدل بتحديد المنطقة المساحية التي يسري عليها القانون، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد. وهكذا، فإن العمل في الدوائر العقارية لا يزال جارياً وفق المرسوم 5/ 1959 بشأن التسجيل العقاري، لحين صدور القرار الوزاري بتحديد الأقسام المساحية وفق خطاب المدير المذكور.
وهكذا، فقد حكمت محكمة الاستئناف بأن شرط التأشير على الصحيفة العقارية لسماع دعوى الميراث بالنسبة للورثة هو بدعة، كما ذهبت وفق مرسوم بقانون 5/ 1959 رغم تعديل هذا المرسوم وإقرار وجوب التأشير (المادة 11 مكرر 1 الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 73/ 1979).
كما أقرت المحكمة بأن قانون السجل العيني رقم 21/ 2019 -الذي نص على شرط التأشير لسماع الدعوى- لم يدخل حيز النفاذ بعد، وعليه يجب تطبيق المرسوم بقانون رقم 5/ 1959.
وهكذا حكمت بصحة الدعوى بموضوع ميراث عقار دون وجود تأشير للدعوى.
• ما رأينا إزاء نفاذ قانون السجل العيني رقم 21/ 2019؟
يبدو أن رأي محكمة الاستئناف في حكمها المذكور ذهب مع نص المادة 10 من اللائحة التنفيذية لقانون السجل العيني، التي لم تتحدث عن نفاذ القانون إلا بالتوازي مع سريان القانون على الأقسام المساحية، والتي يقرر وزير العدل البدء بتطبيق القانون عليها، وهو ما يجب أن يتوازى أيضاً مع تحضير بلدية الكويت للخرائط والصحائف العقارية المطلوبة.
وفي الحقيقة، لا يمكن للقضاء تطبيق قانون يستحيل تنفيذ قواعده على أرض الواقع، حتى إن كانت نصوصه تقول إن القانون أصبح نافذاً من الناحية الزمنية النظرية البحتة، حيث إن نفاذه في مثل هذه الحالة يبقى حبراً على ورق.
وهنا يكون البطء في التحضير والتنفيذ الحكومي للمرحلة الانتقالية الفنية نحو السجل العيني، عاملاً موجباً لعدم التطبيق القضائي للقانون، والقول بغير ذلك يعني طلب شيء مستحيل من أحد أطراف الدعوى، وهو تقديم شهادة تأشير على صحيفة عقارية غير موجودة أصلاً، الأمر الذي يتنافى مع المنطق ويخالف العدالة بشكل صريح.
بناءً عليه، فإننا نذهب مع رأي محكمة التمييز الذي يقول بنفاذ القانون 21/ 2019 في حالة وجود صحيفة عقارية للعقار محل الدعوى من جهة، وبعدم نفاذ هذا القانون بأمر الواقع ووفقاً للمادة 10 من لائحته التنفيذية إذا لم تكن الصحيفة العقارية للعقار محل الدعوى موجودة لدى إقامة الدعوى، واستحال على المدعي التأشير بإشارة الدعوى على الصحيفة من جهة أخرى.