قال التقرير الأسبوعي لمركز «الشال» الاقتصادي، إنه بعمل متقدم هدفه الاستدامة، أصدر ديوان المحاسبة التقرير الثالث للموضوعات عالية المخاطر، إذ لم يتوقف عند مهام الرقابة اللاحقة وتدوين ملاحظاته على ما تم، بل يقوم بعمل صحيح واستباقي لتلافي مخاطر المستقبل، صحيح أنه لا يجد دائماً آذاناً صاغية، لكنه يدوّن صراحة تقاعس هيئات عامة عن الاستجابة لمتطلباته، ويؤدي دوره بمهنية، وعدم التفاعل مع ملاحظاته خطيئة من يملك القرار في تلك الجهات العامة.
في التفاصيل، يسمي الديوان في تقريره الحالي، ستة موضوعات عالية المخاطر، الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات، والعجز المزمن لوزارة الكهرباء والماء عن تقدير احتياجات الطاقة، والعجز عن رصف وصيانة الطرق وفساد الخلطة الأسفلتية، ورسوم الانتفاع بأراضي الدولة، وتجاوزات ما خصص من أراضي الدولة لمؤسسة الموانئ الكويتية، وتأخر الجهات الحكومية في إجراء التحول الرقمي والتقني.
ونُشر التقرير بالكامل ولن نكرر نشره، وهدفنا التأكيد على جودة ما ذكره، ولعل واحداً من المؤشرات على صحته هو اختراق أنظمة وزارة المالية في شهر سبتمبر الفائت، مما أدى إلى تعطيل أعمالها بعض الوقت، ولا نعرف ما إذا كان للتخلف الرقمي علاقة بتوقف «تقارير المتابعة الشهرية للإدارة المالية للدولة» التي كانت تصدرها الوزارة شهرياً قبل الاختراق بأكثر من سنة.
وربما من المفيد أن ننبه إلى أن لنا رؤية مختلفة لرابع المخاطر وهو حول الرسوم على أملاك الدولة، فالاستدامة الاقتصادية والمالية مهددة من مخاطر التعامل مع أملاك إن تم التركيز فقط على البعد المالي، أو الرسوم.
ولأن الاقتصاد مهدد بفقدان استدامته لعجزه عن خلق فرص عمل مواطنة حقيقية، وعجزه عن خلق نشاط اقتصادي يؤدي إلى تكوين وعاء ضريبي رديف مستقبلي لتمويل المالية العامة، ولأنه من المستحيل قيام أي مشروع كبير في الكويت للإنتاج السلعي والخدمي وسط المستوى الحالي لأسعار الأراضي وغالبيتها الساحقة أراضي دولة، لابد من التعامل مع أملاك الدولة وفق معيارين.
الأول المعيار الاقتصادي الذي يسمح بمنح الأراضي بتفاوت وامتياز كبير في مستوى الرسوم والمدى الزمني لفترة الاستغلال بما يتناسب مع ما يخلقه المشروع من فرص عمل مواطنة مستدامة، وما يمكن أن يمنحه لاحقاً من ضرائب للمالية العامة إن استقر نشاطه، وكم يوطنه من أموال لاستثماراته المباشرة المحلية، أو حتى ربطه بالارتقاء بمستوى الخدمة إلى مستوى المعايير العالمية للتعليم والخدمات الصحية مثلاً.
والثاني المعيار المالي، أو عدالة الرسوم للدولة، وهو صحيح، يفرض على أراضي الترفيه أو حتى للأعمال التي لا تتوافق مع مفهوم استدامة الاقتصاد حتى لو كانت للإنتاج السلعي والخدمي، مثل تلك التي تستخدم عمالة كثيفة رخيصة تزيد من تخريب التركيبة السكانية ومزيد من الضغوط على الخدمات العامة، وأيضاً صحيح ما ذكره التقرير حول ضرورة تساوي التعرفة على نفس النشاط.
في خلاصة، نتفق مع التقارير الثلاثة لديوان المحاسبة ونعتقد أنه بات ضمن مؤسسات الدولة النادرة التي مازالت تعمل بمهنية، ويبقى مقترحنا لتوسيع مفهوم الاستدامة رأي نعتقد بأهميته ولا يقلل من أهمية محتوى التقرير.