على لهيب نار تغلي في قلوب كل من يشاهدون ما يحصل في غزة بعين إنسانية، وفي ظل موقف باهت لأغلب الأنظمة العربية والإسلامية التي تركت أهل القطاع، بمدنييه وأطفاله ونسائه، فريسة لآلة الحرب الإسرائيلية المتجهة إلى تنفيذ حرب إبادة بحقهم، أصدرت عدة شخصيات ورموز عربية بياناً تجأر فيه بضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب الضروس فوراً.

وأكدت تلك الشخصيات، في بيان، أن الصراع لم يبدأ في 7 الجاري بهجمات حركة حماس على إسرائيل، ولم تكن تلك الأحداث الأخيرة مفاجئة أو غير متوقعة، بعدما فشلت تحركات الزعماء في المنطقة وخارجها بفعل تجاهلهم الرسالة الأساسية التي مفادها أن قضية فلسطين هي القضية المركزية، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل دائم من دون تحقيق العدالة المنصفة لشعبها، والسلام للجميع.

Ad

ورأوا أنه لا يمكن تحقيق أي شيء من خلال الغزو الإسرائيلي لغزة، بل من الممكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع، وهو الأمر الذي لا يجوز إجازته أو تبريره، مضيفين: «تعلم إسرائيل، ويجب أن يتم تذكيرها، أن التكلفة البشرية لمثل هذا الهجوم سوف تخلق تداعيات عالمية لا يمكن التنبؤ بها لعقود قادمة».

وذكروا أن سوابق أعمال العنف الحالية عديدة، والتي كان ينبغي للقادة أن يتحركوا قبل ذلك بكثير لتفاديها، مستشهدين بما حدث من انتهاكات إسرائيلية والرد عليها من الجانب الفلسطيني.

ولفتوا إلى أن تشديد الحصار على غزة حولها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، كما امتد العنف إلى الضفة الغربية، فضلاً عن القائمة الطويلة لانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، وبناء جدران الفصل العنصري، وتقييد حركة المدنيين لجعل الحياة مستحيلة، وتوسيع المستوطنات غير القانونية.

وشددوا على أن الرد الإسرائيلي على هجمات 7 الجاري، والذي اتخذ شكل عقاب جماعي وجرائم ضد الإنسانية، ومجازر وفظائع في غزة ضد المدنيين بهدف التهجير القسري للفلسطينيين، فضلاً عن تدمير المستشفيات والكنائس والمساجد، يشكّل في مجموعه إهانة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، معقبين بأن مليوني مدني في غزة هم ضحايا الفشل المستمر في تنفيذ حل شامل وعادل ودائم، وعليه «لم يعد من الممكن تجاهل محنة الفلسطينيين».

وأكدوا أن السلام يجب أن يكون هدفاً كافياً في حد ذاته، ولكن لا شيء يمكن أن يجعله أكثر إلحاحاً من إلقاء نظرة خاطفة على الهاوية التي نراها أمامنا في الأزمة الحالية، معربين عن استغرابهم مفارقة الغرب الذي تدخَّل لدعم ردود الفعل المتطرفة في إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس، «وهذه ليست سياسة حكيمة، فالعدالة مطلوبةٌ وهي حقٌ للجميع».

وفي تفاصيل الخبر:

«إن الفظائع التي نشهدها اليوم في فلسطين هي نتيجة لعقود من الاحتلال الظالم وأحداث العنف والمآسي والوعود التي لم يتم الوفاء بها، وتكاثر المستوطنات غير القانونية، ووقوع الضحايا. إن بعض الأفعال التي ارتُكبت تتعارض مع ثقافتنا العربية، وكذلك مع المعتقدات والقيم الإسلامية، وتؤدي إلى تصاعد العنف والبؤس الذي لا يجلب أيّ ربح لأحد، سوى الخسائر.

فالصراع لم يبدأ في 7 الجاري، ولن ينتهي بوقف إطلاق النار، ويشهد المجتمع الدولي مع الأسف، التكلفة الباهظة للفرص الضائعة، وبعد أن غضّ الطرف عن قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التي لم يتم تنفيذها، وفي انتهاك القانون الدولي، والانقلاب على مبادرات السلام.

إن منطقتنا تستحق السلام، ويمكن لشعوبها، عندما تتاح لها الأدوات المناسبة، أن تخلق معًا بيئة تكرّم تراثه وحضاراته القديمة، فضلاً عن تحقيق الرخاء.

وما تأكد في الأسبوعين الماضيين، وعلى مدى القرن الماضي، هو أن العنف يمكن أن يُخرج أسوأ ما في الناس، وأن المشاعر يمكن أن تصل إلى أبعد الحدود. ولذا، فإنَّه من واجب القادة المسؤولين إطفاء هذه النار قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.

لا يمكن تحقيق أي شيء من خلال الغزو الإسرائيلي لغزة، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع، وهو الأمر الذي لا يجوز إجازته أو تبريره، وتعلم إسرائيل، ويجب أن يتم تذكيرها، أن التكلفة البشرية لمثل هذا الهجوم ستخلق تداعيات عالمية لا يمكن التنبؤ بها لعقود قادمة.

لم تكن الأحداث الأخيرة غير متوقعة أو مفاجئة، لقد رأينا أن العنف لا يولّد إلا المزيد من العنف والتطرف، وهذا النمط واضح، وقد تكرر مع الأسف. لقد فشل الزعماء في المنطقة وخارجها في تحرّكهم على أساس من تجاهل الرسالة الأساسية التي مفادها أن قضية فلسطين تظل القضية المركزية، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل دائم من دون تحقيق العدالة المنصفة للشعب الفلسطيني، والسلام للجميع.

إن سوابق أعمال العنف الحالية عديدة، والتي كان ينبغي للقادة أن يتحركوا قبل ذلك بكثير لتفاديها. وفي أبريل من هذا العام، هاجمت القوات الإسرائيلية المصلين في المسجد الأقصى وآخرين يحتفلون بشهر رمضان المبارك في القدس. وتم إطلاق صواريخ من غزة رداً على أعمال العنف التي ارتكبها المستوطنون الإسرائيليون وقوات الأمن.

وتحدث أعمال العنف على فترات منتظمة، دون نقص في الاستفزازات وردود الفعل. فقد اندلعت حرب غزة في 25 يونيو عام 2006، في الليلة التي كانت فيها «فتح» و»حماس» على وشك التوقيع على تفاهم يستند إلى وثيقة اقترحها أسرى من الجانبين في السجون الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع أعمال العنف تقريبًا.

وفي كل اشتباك، قُتل آلاف الفلسطينيين في جولات عنفٍ ومذابح مختلفة، وحيث دُمرت منازل لا حصر لها. لقد أدّى تشديد الحصار والحصار على غزة إلى تحويلها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم. وامتد العنف أيضًا إلى الضفة الغربية، كما رأينا عام 2002 عندما تم تدمير مخيم جنين للاجئين في ذلك الوقت، وفي وقت سابق من هذا العام.

وتشمل القائمة الطويلة لانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، وفي بناء جدران الفصل العنصري، وتقييد حركة المدنيين لجعل الحياة مستحيلة، وتوسيع المستوطنات غير القانونية.

وما كان ينبغي لنا أبداً أن نصل إلى هذا الحد الذي أدى إلى الهجوم الأخير الذي شنّته «حماس» يوم 7 الجاري، الذي أسفر عن أكبر عدد من الضحايا والرهائن المدنيين والعسكريين الإسرائيليين حتى الآن.

إن الرد الإسرائيلي الذي اتّخذ شكل عقاب جماعي وجرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة بالمجازر والفظائع المرتكبة في غزة ضد المدنيين بهدف التهجير القسري للفلسطينيين، وكذلك في تدمير المستشفيات والكنائس والمساجد، هو بمجموعه يشكّل إهانة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.

إن مليونَي مدني في غزة هم ضحايا الفشل المستمر في تنفيذ حل شامل وعادل ودائم، ولم يعُد من الممكن تجاهل محنة الفلسطينيين. إن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق من دون العدالة، والحلول النصفية ليست حلولاً.

إن معايير السلام مدرجة في مبادرة السلام العربية التي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك، الأمير عبدالله، وتم اعتمادها بالإجماع خلال قمة جامعة الدول العربية في بيروت في أبريل، كما أقرّتها منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2002، وهي تظل الحل الأكثر منطقياً وإنصافاً. الفرضية الأساسية هي أن الحل العسكري لن يحقق السلام، ولن يوفر الأمن، وأن السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط هو وحده الذي يشكّل الخيار الاستراتيجي للدول العربية. والشروط هي إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين وفق قرارات الأمم المتحدة، مقابل سلام دائم بين إسرائيل والدول العربية.

إن السلام يجب أن يكون هدفاً كافياً في حدّ ذاته، ولكن لا شيء يمكن أن يجعله أكثر إلحاحاً من إلقاء نظرة خاطفة على الهاوية التي نراها أمامنا في الأزمة الحالية. هناك العديد من التحديات، ولكن يجب أن تتحول إلى فرص من قبل الحكماء، عندما تتوافر المكونات الصحيحة، مع نوايا حسنة وقادة شجعان.

لقد طغت مذبحة عيد الفصح على مبادرة السلام العربية، حيث قتل مهاجم انتحاري من «حماس» 30 شخصًا خلال احتفال بعيد الفصح في نفس اليوم الذي تم فيه إطلاق المبادرة. مثال آخر على العنف والتطرف لهزيمة الاعتدال وخلق الفوضى.

وبعد مرور 21 عاماً، تغيّرت الظروف، لكنّ الأهداف ظلت كما هي: يجب أن يسود السلام والعدالة والاعتدال.

كل أزمة تجلب معها فُرصة، وكلّما كبرت الأزمة، زادت الحاجة إلى اغتنام الفرصة التي تنشأ بعد ذلك لتحقيق السلام والعدالة. نحن نعيش في أوقات خطيرة مع تصاعد العنف والحرب في أوكرانيا، مما يهدد السلام العالمي.

ومن المفارقة أن الغرب تدخَّل لدعم ردود الفعل المتطرفة في إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس. وهذه ليست سياسة حكيمة، فالعدالة مطلوبةٌ، وهي حقٌ للجميع، كما أنّ الاعتدال مطلوبٌ، ويجب أن يسودَ لدى جميع الأطراف.

هناك مثل عربي قديم يقول: «الظلم والقهر إنْ دام دمَّر، والعدل إنْ دامَ عمَّر». هذه دعوة لتغيير المسار ووقف الحرب على غزة وتحقيق العدالة لشعب فلسطين وإنهاء هذا الصراع الذي سيستمر في تهديد الأمن العالمي والسلام الإقليمي.

والمطلوب الآن هو الرؤية، والشجاعة، وحُسْن النية، وتصميم المجتمع الدولي على إحلال السلام والرخاء للجميع.

إن إيماننا المشترك بالكرامة الإنسانية لا يستحق أقل من ذلك».