رأى المحامي المخضرم، المناضل الحقوقي اللبناني محمد فريد مطر، أن «القانون الدولي لم ينصف المجتمعات العربية، حيث إن الاستعمار القديم خلّف العديد من القضايا العالقة، وأهمها قضية فلسطين، وهي القضية الظلامية الكبرى.

فالقانون الدولي لصيق بالسياسة ويُطبّق بحالة نسبية كما يحصل اليوم بالنسبة إلى دعم الغرب للشعب الأوكراني، من دون الالتفات إلى الشعب الفلسطيني، وذلك كون هذا القانون خاضعاً لموازين القوى التي تمثّلها اليوم الولايات المتحدة الأميركية حتى إشعار آخر، والتي لا تريد حل القضية ولا إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وكذلك دول الغرب، تمامًا كقضايا كشمير وتايوان وقضية الكويت والعراق وسياسات المكر المتّبعة».

مطر، الشخصية الاستثنائية في مجال القانون والمحاماة والمدافع الشرس عن القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وصف كل أنحاء العالم بـ «المظلمة والكئيبة من ناحية البيئة والسياسة والتوحش»، قائلًا: «فلسطين مصباحي الوحيد في هذا البؤس، إنها الضمير البشري».

Ad

واعتبر أن «المحاماة مهنة شريفة لم أندم يومًا على اختيارها، لكنني أشعر بالإحباط والاستياء والخيبة عندما أعجز عن تحقيق العدالة وألتمس أنها ممنوعة من التحقق، كما شهدنا في ملفَّي اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وقضية انفجار مرفأ بيروت».

وكان المحامي مطر الذي يهوى الأدب والشعر والتاريخ والفلسفة، قد خص طلاب برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي بحلقة حوارية تمحورت حول سيرته المهنية الطويلة في مواضيع القانون والسياسة الدولية.

بعد ورشة تدريب إعلامي مكثف دربت فيها الإعلامية نادين مجذوب مشاركين من الكويت ولبنان وفلسطين حول أصول الحوار الإعلامي ومهاراته.

وفي سياق رده على المشاركة ربى الزهوري، لفت مطر إلى أن «التدخلات السياسية في لبنان تعيق عمل المحامين إلى حد كبير.

لكن عموماً هناك علاقة متناقضة بين القانون والسياسة، حيث إن الدول قائمة على القانون والسلطة، علمًا بأن السلطة من دون قانون تكون غاصبة، والقانون من دون سلطة غير قابل للتنفيذ. وهذه جدلية كبيرة في التاريخ البشري».

مطر، الذي أتقن أصول المحاماة على يد شارل مالك، العربي الوحيد المشارك في صياغة وإعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أشار إلى أن «تطور القوانين بطيء مقارنة بالعلوم والطب، لأنها تتطلب فترات زمنية طويلة لتحقيق النتيجة المرجوة. غير أن الذكاء الاصطناعي يطرح اليوم معضلة أساسية في كيفية تنظيم القانون».

واعتبر أن «المشكلة تكمن في القانون نفسه وفي الخلل بتطبيقه، مما يعيق تحقيق العدالة».

ولفت إلى أن «الفكر اليساري حمل عبر الزمن القضايا الحقيقية من المساواة وحقوق المرأة، غير أن سياسات اليسار لم تنجح، وبالتالي انتصرت الرأسمالية، لكنّ الأخيرة لم تقدم الإجابات التي تنتظرها البشرية، ولا تزال المشاكل قائمة». وأسف مطر لكون «البشرية تراجعت وأصبحت أقل حرية، وسط تسارع الأخبار بشكل لا يستوعبه العقل البشري، حتى وصلنا إلى مجتمع رأي، عوض أن نكون مجتمعًا عميق التفكير، وهذه إشكالية خطيرة، بعد أن كانت الحركات الطلابية حركات تصحيحية».

وفي تعقيبه على سؤال المشارك دانيال بو غانم، تحدّث مطر عن تجربته في التمثيل القانوني في المحكمة الخاصة بلبنان ومحكمة العدل الدولية، والتي أغنت مسيرته في ممارسة القانون الداخلي والدولي.

وقال: «مع الأسف السياسة في لبنان عطّلت عمل القضاء، إذ يستخدمون وسائل قانونية لتحقيق غاية غير قانونية، وهذا معيب.

من هذا المنطلق، يجب الذهاب بقضية انفجار مرفأ بيروت إلى لجنة تحقيق دولية، لكونها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية». وعمّا إذا كان انفجارًا أم تفجيرًا، أجاب: «هل هناك شيء انفجر وحده؟».

وفي سياق رده على المشاركة إيفا غنّام، رأى المحامي المعروف بإنسانيته، أن «الإنسان عبارة عن عقل، وأن اللحظة التي انتصر فيها العالمان العربي والإسلامي على الصليبيين، انطفأ العقل.

وفي معركة تحرير فلسطين يجب أن ينتصر العقل على الفكر الديني، فالصراع ليس صراعًا دينيًّا».

وسأل: «من يحمينا من الدكتاتوريات والسلطات؟ بمعنى نريد من يحمينا من وحشية أنظمتنا. ففكرة الزعامة والقائد الملهم في مجتمعاتنا العربية غير مقبولة، وتمثّل بالتالي جنون العظمة، حيث إن البطل الحقيقي هو الإنسان الكادح من أجل لقمة العيش.

وأنا لا أستسيغ الشعبوية لكونها تؤدي إلى دكتاتوريات ومجتمع أبوي سلطوي».

وفي إجابته عن المشاركة إيفا حامد، استذكر مطر حادثة الإعدام في لبنان التي طلب منه والده القاضي، حضور عملية تنفيذها.

وقال: «كنتُ حينها طالب حقوق بالسنة الثالثة، وكانت تجربة صعبة جدًّا. منفّذ حكم الإعدام لم يكن خبيرًا، فتطايرت الدماء، مما دفعني إلى الرغبة بتغيير اختصاصي الجامعي، لكون القانون مسؤولية كبيرة.

كما لم أقبل لاحقًا أن أكون قاضيًا، لكوني لا أحتمل اتخاذ قرارات على حياة الناس. أنا ضد الإعدام من ناحية إنسانية، ومن الضروري معاقبة المجرم بالقانون مهما كانت فظاعة الجريمة وبشاعتها. ليس من السهل أن نُزهق روحًا».

وإذ لفت إلى أن «الطبيب ملزم بإعطاء الأولوية للجريح»، أوضح أن «المحامي يتمتع بامتياز قبول الملف أو رفضه، وأنا لا أقبل الملفات المتعلقة بالمخدرات والدعارة. وقد قضيتُ معظم حياتي وأنا أرفض ملفات».

وخلال حديثه مع المشارك سلمان فياض، اختصر مطر مسيرته بالقول: «أقوم بما يفيد حكم القانون من منطلق دوري كمحامٍ. كما لا أستسيغ السياسة ولا أطمح لها.

فالطموح إن لم يكن مُحكماً بضوابط وقيود يدفع الإنسان إلى تقديم التنازلات ومراضاة الناس طوال الوقت، ومعظم مشاكل البشرية سببها هذا النوع من الطموح. أنا أفضّل سقراط الذي عاش حرًّا، متواضعًا، ولم يكن يومًا أسير المال أو المناصب.

ولو عاد بي الزمن كنتُ بقيتُ في إنكلترا وعملتُ أستاذا جامعيا، بعيدًا عن كل هذه الضوضاء. لكنني أحب المحاماة والقانون كثيرًا، ولا يمكنني إلا مواصلة الدفاع عن الحقوق ومكافحة الفساد، لا سيما بعد أن نهبونا في لبنان وأصبحنا فقراء جددا. فمن الضروري تغيير النظام الذي يمعن في سرقة اللبنانيين».

وأبدى المحامي الوطني والعروبي أسفه «لما وصل إليه لبنان، وجيلنا يتحمّل جزءًا من المسؤولية. كما أنني لستُ مستأنسًا بما يحصل حولنا من سورية واليمن والعراق وليبيا.

وضع لبنان والدول العربية كئيب، حيث نرى البؤس والاستسلام وصورة سوداوية».

وتعقيبًا على سؤال المشاركة آية البيطار، أجاب: «لا أثق بالقانون الدولي إلا إذا تمّ تطبيقه وفق قواعده، فالمحاكم الدولية والقانون الدولي حاجة ملحّة لتحقيق العدالة من دون أي ضغوط.

ومن الضروري فصل الدين عن الدولة، فالدين حاجة لمعظم البشر، لكن يجب إحكام العقل في تفسير الدين، وألّا يتحول الدين إلى مهنة».

ورأى أن «الذكاء الاصطناعي يهدد القوانين والمهن، فهو سريع في التنقيب بالأحكام القانونية، لكن هل يمكنه تقديم حلول أو خلاصة الأحكام؟ وهذا تحدّ أساسي.

فالعقل البشري ينظم نفسه بالتجربة والخبرة والحياة، لكن العقل الاصطناعي يصبح مخيفًا إذا تمكّن من تنظيم نفسه، حيث يصبح عندها الخالق والمخلوق. وهو يهدد العديد من المهن بالزوال من طب وقضاء وغيرهما.

كانت التكنولوجيا تلحق التطور البشري، بينما اليوم أصبحت تسبقه وتنوّره بطريقتها الخاصة». وفي فقرة الأسئلة والنقاش، اعتبر مطر أن «القانون يجب أن يُطبّق على الجميع من دون استثناء.

فالحصانة هي الوجه الآخر للمسؤولية كي يقوم المرء بواجبه، ولا يجب أن تحميه من المساءلة. كما أن التميز بمهنة المحاماة ينطلق من الملاءمة بين القانون وأصول المحاكمات، والتنبّه إلى أن القضايا تختلف عن بعضها البعض.

لذلك يجب إسقاط القانون على الوقائع والتحلي بالدقة وبتقديم قراءة قانونية نزيهة، وهذه مسألة ليست سهلة».