كاميرتك أبكتنا يا وائل
لا أعرف وائل دحدوح شخصياً لكنه منحني الثقة بالنفس وأعطاني دروساً في الحياة، أي إنسان هذا، يُقتل أبناؤه وزوجته وحفيدته ثم يقوم بدفنهم حالاً وبلحظة الاستشهاد، ثم يحمل كاميرته على كتفه لأداء مهمته لينقل ما يحدث من فظائع همجية على أرض غزة؟
تخيّلتُ نفسي وأنا أرافق هذا الإنسان الشجاع وأمشي وراءه لأكون عوناً له، تمنيت أن يكون لدي شيء من عنفوانه وقوته، هل هي الكاميرا والعين التي يرى فيها والتي جعلته في خدمتها؟ أم الأرض والانتماء لها؟
لا تسألني عن أيديولوجيته، فيما إذا كان «حمساوياً» أو «فتحاوياً»، هذا الرجل أكبر من ذلك بكثير، هذا قال لنا وللعالم، أنا ابن الأرض لي الحق أن أدافع عنها، وقد دفعت أعز ما أملك في سبيل ذلك... ودّعتُ فلذات كبدي لكنني سأستمر في حمل رسالتي وكاميرتي، فالعين التي بكت لم تكن «عين الكاميرا» بل عيون من شاهد أبنائي تحت الأنقاض.
وائل لم يرسل المشاهد التي رصدها في كاميرته التي توقفت لحظات، بل استعان بكاميرات زملائه، فهؤلاء هم جنود الحقيقة على الأرض، وهم من سيتولى توزيعها وبثها عبر وسائل الإعلام وبكل اللغات علّها تصل إلى فخامة الرئيس بايدن علّه يرتدع ويراجع نفسه وضميره، وهو المتباكي على «أطفال إسرائيليين» تبين أنها قصة مفبركة!
وائل راح يلملم أشلاء أبنائه وعلى الهواء مباشرة وبصوت مجروح، لكنه احتفظ برباطة جأشه وعزة كرامته قائلاً «بينتقموا منا بالأولاد، معلش» تحولت عبارته إلى وسم تداوله المغردون على «السوشيال ميديا».
تتّبعتْ كاميرات زملاء وائل مشيته وراحت ترصد تحركاته أينما ذهب، تنقل «صورته» كما هي، وسط موجات من دم الأبرياء والمدنيين تتساقط على الأرض ليصبح «صانع الحدث» لا ناقله فقط.
ظن دحدوح وبحكم خبرته الميدانية أن نقل عائلته من «تل الهوى» في شمال غزة إلى مخيم النصيرات سيكون آمناً؟ لكن طائرات «جيش الدفاع» لم تترك بقعة في أراضي غزة إلا وأسقطت قنابلها وحممها على رؤوس الناس والبشر.
كان وائل يمارس مهام عمله في تغطية مباشرة للهجمات الإسرائيلية على المناطق والبيوت السكنية في غزة، يتنقل تحت موجات من القصف، واضعاً روحه على كفه، وعينه على الكاميرا التي أخذت منه حياته، دون أن يتوقع لحظة أن الصورة القادمة التي ستبثها قنوات العالم (الحر) ستكون من نصيبه؟
ضمّهُ إلى صدره، نظر إليه ووجهه ملطخ بالدم، سارع إلى نقله، لكن المنية سبقته فكانت لقطة الوداع لأب صابر قوي ذي عزيمة لم تنكسر استسلم لها الآخرون والكبار منهم وتحولوا إلى ضعاف وبكّائين، إلا وائل الذي قالها «هذا هو قدرنا وخيارنا ولن نحيد عن هذا الطريق»... فهل هناك كلام بعد يمكن أن يقال؟
وائل... أعرف أنه لا شيء في الدنيا يمكن أن يعوضك عما فقدته، لكني لو كنت أملك القرار لمنحتك جائزة أفضل الشجعان للصحافيين في العالم.