لبنان: حرب غزة تستحضر أجواء ما قبل حرب 1975
3 مسارات تطبع الوقائع واليوميات اللبنانية، المسار الأول هو ايقاع المواجهات التي يفرضها حزب الله ضد الإسرائيليين في الجنوب، والتي تتصاعد وتتراجع وفق إيقاع الحرب في غزة. والمسار الثاني هو المساعي التي تبذلها الحكومة اللبنانية بالحدّ الأدنى، لاحتواء أي تصعيد ومنع تمدده من غزة إلى لبنان.
أما المسار الثالث فهو تنامي الأصوات السياسية الداخلية التي تعترض على سياسة حزب الله على أساس أنها قد تورّط البلد في معركة كبرى.
على وقع المسارات الثلاثة، ثمّة رهان لبناني على نضوج أي مفاوضات تقودها دول عربية وأجنبية في سبيل الوصول إلى هدنة إنسانية وإطلاق سراح الرهائن، وبالتالي تجنّب اتساع رقعة الصراع. في هذا السياق، تبرز مساعٍ كثيرة في سبيل إنضاج هذه المفاوضات، بالاستناد إلى الدور الذي تقوم به قطر ومصر، في ظل محاولات من تركيا وإيران للحديث مع «حماس» حول شكل الحلول المقبولة.
وفيما لا تزال المصادر السياسية والدبلوماسية تستبعد أن تتحول المعارك في الجنوب إلى حرب شاملة، يشعر حزب الله بالارتياح، إذ يعتبر أن الفشل الإسرائيلي في تحقيق أي تقدّم بري في غزة يرفع الضغط عنه، فيما يمكنه أن يحوّل المواجهات المحدودة والمدروسة مع إسرائيل إلى مكاسب سياسية بالمرحلة المقبلة، خصوصاً أنه يعتبر أنه نجح في استيعاب السنّة وتجاوز تراكم التوتر والتشنج السنّي ـ الشيعي، فيما هناك فصائل سنية تقاتل من الجنوب تحت كنفه، من بينها الجماعة الإسلامية، وسرايا المقاومة، والفصائل الفلسطينية الأخرى.
ويراكم الحزب على هذا الالتقاء السنّي ـ الشيعي، وقد كثف سعيه لاستعادة رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل باتصال أجراه مع الأمين العام للحزب حسن نصرالله لمدة 40 دقيقة، في خطوات تمنحه المزيد من الأوراق السياسية.
في المقابل، تستفز سياسة حزب الله جهات أخرى، لا سيما القوى المسيحية المعارضة للحزب، التي تعتبر أنه لا يمكن الموافقة على توريط لبنان بأي حرب، وأن لبنان غير معنيّ في هذا الصراع. هذا ما يعزز الانقسام اللبناني أكثر، وسط أجواء تذكّر اللبنانيين بما سبق الحرب الأهلية (1975) التي اندلعت في أحد أشكالها على خلفية عمل الفصائل الفلسطينية انطلاقاً من لبنان، وهذا ما يتكرر الآن من خلال دفع حزب الله بفصائل فلسطينية لشنّ عمليات انطلاقاً من الجنوب. من هنا لا بدّ من طرح تساؤلات كثيرة تتصل بالمستقبل السياسي للبنان ما بعد تداعيات هذه الحرب، لا سيما أن حزب الله سيخرج منها منتصراً، مما يعني أن وضعه سيتعزز أكثر على الساحة اللبنانية، وهو ما سيعارضه مسيحيون آخرون، الأمر الذي سيؤدي إلى الارتفاع في منسوب دعوات التقسيم أو الانفصال أو الفدرالية.