تعرّضت مظاهر «الوحدة»، بعد هجوم 7 أكتوبر في إسرائيل، لاهتزاز هو الأكبر بعد اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأجهزة الأمن بالتقصير، وعدم تحذيره قبل هجوم «حماس»، في خطوة تتزامن مع بدء الجيش عملية برية داخل قطاع غزة، فيما يبدو أن تل أبيب قد تراجعت عن فكرة اجتياح القطاع، وتتجه إلى حصار قد يستمر عاماً كاملاً.

وأصدر نتنياهو تصريحات في مؤتمر صحافي، وكتب منشوراً على موقع «إكس»، أمس الأول، أشار فيهما إلى أن الأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن الفشل الأمني الذريع الذي وقع صبيحة السابع من أكتوبر، وبأنه لم يتمّ في أي حال من الأحوال ولا في أي مرحلة توجيه تحذير لرئيس الوزراء بشأن نوايا الحرب لدى «حماس».

Ad

وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، أمس، إن نتنياهو تجاوز خطاً أحمر عبر محاولات التهرّب من المسؤولية، وأن تحميل الذنب للأجهزة «يضعف الجيش في الوقت الذي يحارب أعداء إسرائيل». من ناحيته، دعا الوزير وعضو «كابينيت الحرب» بيني غانتس نتنياهو إلى التحلّي بالمسؤولية.

وتحت الضغوط التي انضمّ إليها عدد من أعضاء «الكنيست»، أبرزهم رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، اعتذر نتنياهو مُقرّاً بأنه أخطأ، وقال في منشور على «إكس» «أخطأت، ما قلته بعد المؤتمر الصحافي (السبت) لم يكن ينبغي أن يُقال، وأعتذر عن ذلك. وأعطي الدعم الكامل لجميع رؤساء الأذرع الأمنية، وأدعم رئيس الأركان وقادة وجنود الجيش الموجودين على الجبهة ويقاتلون من أجل البيت (إسرائيل). معاً سوف ننتصر».

مصير الاجتياح

إلى ذلك، ومع تواصل المعارك البرية في قطاع غزة لليوم الثاني، لا يزال عدم الوضوح هو الميزة الأبرز للعمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. ولا يزال الجدل سارياً حول حجم العملية البرية وأهدافها والمدة الزمنية التي تستغرقها.

ورفضت دول عربية خليجية، أمس الأول، في مقدمها الكويت والسعودية أي عمل بري داخل القطاع، كما حذّرت عدة دول، بينها الصين وروسيا، إسرائيل من القيام باجتياج بري. وكانت إيران وحليفها الأقوى حزب الله في لبنان أعلنا أنها سيتدخلان في الحرب في حال شنت إسرائيل عملية برية.

وأعلنت واشنطن أنها تفضّل تجنّب سيناريو عملية شاملة، والاكتفاء بعمليات جراحية محدودة.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز، إن تل أبيب أوقفت نهائياً خطط الاجتياح، واستبدلتها بتوغلات بريّة محدودة، في تماشٍ مع اقتراح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي قاد معركة تحرير الموصل من «داعش»، واقترح على إسرائيل شنّ عملية مماثلة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إسرائيل تنفذ، على ما يبدو، عملية على مراحل، حيث تتقدم وحدات استطلاع أصغر إلى داخل غزة «لتحديد مواقع المقاومة الفلسطينية والاشتباك معها والتعرّف على نقاط ضعفها».

القضاء على «حماس» أم على قدراتها؟

وأعلن نتنياهو، أمس الأول، أن قوات الجيش دخلت قطاع غزة لبدء «المرحلة الثانية من الحرب»، محذراً من أنها ستكون «طويلة وصعبة»، ولافتاً إلى أن هدف الحرب «واضح»، وهو القضاء على قدرات «حماس» والإفراج عن الرهائن.

ورأى مراقبون أن نتنياهو تراجع خطوة بإعلان أن الهدف هو القضاء على قدرات «حماس» وليس القضاء عليها، كما اقترح سابقاً، بالتالي، فإن سيناريو القيام باجتياح للقطاع وتنصيب إدارة انتقالية قد تم استبعاده.

في المقابل، شدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هارتسي هاليفي، مساء أمس الأول على أن «تدمير حماس مستحيل من دون الاجتياح البري»، مشيراً إلى أن «أهداف الحرب تتطلب الدخول البري، فلا إنجازات من دون مخاطر ولا انتصار دون دفع الثمن».

وقال رئيس الحكومة السابق إيهود باراك، إنه «لا سبيل سوى إرسال عشرات الآلاف من الجنود إلى الأرض» لتدمير معظم قدرات «حماس»، وإقامة منطقة عازلة على طول الحدود، معتبراً أنه من الممكن أن تجد إسرائيل قوة عربية متعددة الجنسيات لتولّي مسؤولية غزة، قبل تسليمها لاحقاً إلى السلطة الفلسطينية.

حصار لمدة عام

أما مجلة إيكونوميست البريطانية، فقد أشارت الى أن إسرائيل تتجه الى فرض حصار على غزة، مشيرة الى أن التوغلات البرية يوم الجمعة شمال وجنوب مدينة غزة، يوحيان خطة تدريجية لإحاطة المدينة الرئيسية والاعتماد على تكتيكات الحصار. ونقلت عن أحد كبار الضباط أن الحملة ستستغرق عدة أشهر، وربما عاماً. كما نقلت عن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت أن «حماس» لم تكن تتوقع هذا السيناريو، بل كانت تتوقع غزواً بريًا لـ 3 إلى 6 أسابيع.

الرهائن

وفيما نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين أن العوامل الأخرى التي أثرت، على الأرجح، على تخطيط إسرائيل للحرب هي التأثير المحتمل على مفاوضات الرهائن، خصوصاً مع بدء تحركات غاضبة لأهالي الأسرى، تزامناً مع بدء العمل البري، قال مصدر مطلع على المفاوضات التي تتوسط فيها قطر بين إسرائيل وحركة حماس للإفراج عن الرهائن مقابل تخفيض التصعيد لـ «رويترز» إن المفاوضات لم تنهرْ بعد، لكنها تجري «بوتيرة أبطأ».

3 محاور

ميدانياً، دارت معارك طاحنة على 3 محاور رئيسية شمال قطاع غزة أمس، بعد توغل قوات إسرائيلية إلى غرب بيت لاهيا في الغرب والبريج في الوسط ورفح في الشرق، واشتباكها مع عناصر «كتائب القسام» (الجناح المسلح لـ «حماس»)، أمس، التي أعلنت أنها صدت التوغلات الإسرائيلية وباغتت بعض القوات المتسللة من الخلف.

في المقابل، أفاد الجيش الإسرائيلي، أمس، بزيادة عدد قواته التي دخلت غزة مع توسيع عملياته البرية في القطاع، لافتاً إلى أن مقاتلاته استهدفت ما وصفها بـ «450 موقعاً لـ «حماس»، على مدار اليوم السابق.

ووصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إعلان رئيس «حماس» بغزة يحيى السنوار استعداد حركته للإفراج عن الأسرى الـ 230 وبينهم العديد من الأجانب ومزدوجي الجنسية، مقابل إطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل، بأنه «إرهاب نفسي ساخر».

من جهة ثانية، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن آلاف الأشخاص اقتحموا مستودعات لها، ومراكز التوزيع في وسط وجنوب القطاع المحاصر بشكل كامل، وأخذوا الدقيق وغيره من المواد الأساسية اللازمة للاستمرار في الحياة.

وفي وقت دعت «فصائل غزة»، في بيان مشترك «الأشقاء في مصر لفتح معبر رفح فوراً لنقل الجرحى وإدخال المساعدات الإنسانية»، نقلت صحيفة «العربي الجديد» عن مصادر مصرية، إن مصر وجهت تحذيرات شديدة للحكومة الإسرائيلية من القيام بأي عمليات أو أنشطة عسكرية بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) المحاذي للشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة، والذي يمتد بطول 13 كيلومتراً، حال قرّرت الشروع في اجتياح برّي للقطاع لأن ذلك بعد انتهاكاً لاتفاقية كامب ديفيد.

وفي حين ذكرت مصادر مصرية رسمية أن القاهرة تكثّف اتصالات مع كل الأطراف الفاعلة من أجل إدخال كميات كبيرة من المساعدات العاجلة إلى غزة، إضافة إلى العمل على إعلان وقف إطلاق نار، أفادت السلطات الإسرائيلية بأنها ستسمح بزيادة دخول المساعدات الإغاثية إلى القطاع.

في السياق، أفادت وزارة الصحة بأن عدد القتلى جراء حملة القصف الإسرائيلية، ارتفع إلى 8005 أشخاص، بينهم 3342 طفلاً، منذ 7 الجاري. وأعلن «الهلال الأحمر» الفلسطيني أن السلطات الإسرائيلية طلبت إخلاء مستشفى القدس فوراً، تمهيداً لقصفه.

من جانب آخر، أفادت تقارير فلسطينية بأن اتصالات الهاتف والإنترنت بدأت تعود تدريجياً إلى مناطق القطاع بعد قطعها بشكل كامل أمس الأول.

جبهات إيران

وتبنى فصيل يُطلِق على نفسه اسم «المقاومة الإسلامية في العراق»، استهداف قاعدة «الشدادي» الأميركية، في مدينة الحسكة السورية، فيما التقى وفد حركة حماس، برئاسة أسامة حمدان، في بغداد قادة فصائل شيعية.

وفيما تواصلت الاشتباكات المنضبطة بين القوات الإسرائيلية وعناصر «حزب الله» في جنوب لبنان، اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن إسرائيل تجاوزت «الخطوط الحمر» بتكثيف هجومها على «حماس»، الأمر الذي قد يدفع أطرافاً أخرى إلى التحرك.

إلى ذلك، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان اتصالاً بنظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان أمس أكدا خلاله أهمية أن يضطلع المجتمع الدولي بدوره لتحقيق وقف لإطلاق النار وحماية المدنيين في قطاع غزة. وكرر عبداللهيان أمس نفيه وقوف بلاده وراء الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر مؤكداً أن طهران لا تريد توسيع رقعة الحرب. ويبدأ وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان زيارة لواشنطن يلتقي خلالها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الدفاع لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بيلنكن والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ لبحث التطورات في المنطقة.