رفضت المحكمة الدستورية، أمس، الدعوى المقامة بطلب الحكم بعدم دستورية عدد من مواد قانون جرائم تقنية المعلومات بسبب غموض بعض نصوصه.
وأكدت «الدستورية»، في حيثيات حكمها الذي أصدرته برئاسة المستشار فؤاد الزويد وعضوية المستشارين عادل البحوه، وصالح المريشد، وعبدالرحمن الدارمي، وإبراهيم السيف، خلو أحكام القانون من أية عيوب تنال من وضوح أحكامه، مقررة رفض الدعوى.
وقالت المحكمة إن المادة (21) من القانون رقم (3) لسنة 2006 في شأن المطبوعات والنشر تنص على أن «يحظر نشر كل ما من شأنه... المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم الدينية والحض على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع أو نشر معلومات عن أوضاعهم المالية، أو إفشاء سر من شأنه أن يضر بسمعتهم أو بثروتهم أو باسمهم التجاري...».
وذكرت أن المادة (6) من القانون رقم (63) لسنة 2015 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات تنص على أن «يعاقب بحسب الأحوال بالعقوبة المنصوص عليها في البنود (1، 2، 3) من المادة (27) من قانون المطبوعات والنشر المشار إليه، كل من ارتكب عن طريق الشبكة المعلوماتية أو باستخدام وسيلة من وسائل تقنية المعلومات المنصوص عليها في هذا القانون أحد الأفعال بحسب الأحوال المبينة بالمواد (19)، (20)، (21) من القانون المشار إليه».
ولفتت المحكمة إلى أن مبنى النعي على المواد سالفة البيان - حسبما يبين من حكم الإحالة - أن المشرع في تجريمه المساس بكرامة الأشخاص قد جاء مشوباً بالخفاء والغموض مفتقداً عناصر الضبط والإحكام الموضوعي، على نحو قد يفضي إلى أن يقع الكثير في دائرة التجريم، إذ لا يصح أن يترك تقدير هذا الأمر دون ضابط، وبما قد يؤول في التطبيق إلى إطلاق العنان لسوء التقدير، وهو ما يخل بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور ويتعارض مع المواد (30) و(32) و(34) و(50) و(163) من الدستور.
وقالت إن هذا النعي مردود بما هو مقرر - في قضاء هذه المحكمة - من أن المشرّع يملك بما له من سلطة تقديرية أن يحدّد وفق أسس موضوعية ومن خلال النظم العقابية التي يقرها أركان كل جريمة، دون أن يفرض عليه الدستور طرائق بذاتها لضبطها تعريفاً بها، ودون إخلال بضرورة أن تكون الأفعال التي جرّمتها هذه النظم قاطعة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، فلا يشوبها الغموض، أو تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور، والمقصود بغموض النص الجزائي هو أن يُجهل المشرع بالأفعال التي أثمها، فلا يكون بيانها واضحاً جلياً، ولا تحديدها قاطعاً، ولا فهمها مستقيماً مع عباراتها، بل مبهماً خافياً على أوساط الناس، باختلافهم حول فحوى النص الجزائي المؤثم لهذه الأفعال، ودلالته ونطاق تطبيقه، وحقيقة ما يرمى إليه، ليصير إنفاذ ذلك النص مرتبطاً بمعايير شخصية مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيقه، وإحلال فهمهم الخاص لمقاصده محل مراميه الحقيقية.
وأضافت: بيد أنه من المقرر أن الأصل في تفسير النصوص التشريعية بصفة عامة، والنصوص الجزائية بصفة خاصة، هو ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تُفسر عباراتها بما يُخرجها عن معناها، أو يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها، بل يجب أن تعطى كل عبارة دلالتها فلا تحمل قسراً على غير المعنى المعتاد لها.
وأوضحت المحكمة أن المشرع حظر في المادة (7/21) من القانون رقم (3) لسنة 2006 سالفة البيان نشر كل ما من شأنه المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم، وحدد في المواد الأخرى المطعون عليها العقوبات التي توقع على من يرتكب هذا الفعل، وقد جاءت عبارة المساس بكرامة الأشخاص واضحة جلية، لا يتصور الاختلاف حول فحواها ودلالتها وحقيقة ما يرمي إليه المشرع منها، ذلك أن حق الإنسان في حماية كرامته قد تضمنته كل الدساتير، فأكد الدستور الكويتي في المادة (29) منه أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية...، فكان من الطبيعي أن يجرم المشرع نشر كل ما من شأنه المساس بكرامة الأشخاص، ويكون المساس بها بالانتقاص من قدر الشخص والتحقير به والإساءة إليه، والتمييز بينه وبين غيره انتقاصاً منه، وهذا هو المعنى الذي يدركه أوساط الناس ولا يختلفون حول فحواه، الأمر الذي تكون معه العبارة المشار إليها قد جاءت واضحة بصورة لا التباس أو غموض فيها، تنبئ بجلاء عن ماهية الفعل المؤثم، وبالتالي فإن الادعاء بإخلالها بالحرية الشخصية أو تعارضها مع مواد الدستور سالفة البيان يكون قائماً على غير أساس، وهو ما يتعين معه القضاء برفض الدعوى.