ما إن تقوم بانتقاد أحد الاقتراحات الشعبوية الضارة وغير المدروسة وتأييد بعض النواب أو سكوتهم عنها حتى يأتيك الجواب بأن هذا هو دور الحكومة لا دور النائب؛ لأن النائب منتخب من الناس ووراءه انتخابات، ويخشى أن يخسر أصوات الناخبين. وهذا الكلام من أعجب ما انتشر هذه الأيام في الدفاع عن تخلي بعض النواب عن مسؤوليتهم، فهل أصبحت أصوات الناخبين أهم من الوقوف مع المصلحة العامة والحق والمبدأ؟! وهل يحق للنائب، وقد أقسم في أول جلسة أن يذود عن المال العام، أن يخالف قسمه من أجل حصد الأصوات؟ وهل يجوز له أن يخدع الأمة بتأييد أو حتى بالسكوت عن قوانين تضر بالمال العام وتعصف بمستقبل الأمة؟

وربما يعلم النائب، أو لا يعلم، أن له سلطة مستقلة وعليه مسؤولية، وتنص القاعدة القانونية على أنه «حيثما تكن السلطة تكن المسؤولية»، ولذلك فهو مسؤول عن تأييده أو سكوته عن قوانين سيئة أو غير مدروسة، وإن سلطته هذه تلزمه بدراسة القوانين دراسة مجردة والرجوع إلى المتخصصين، ثم الوقوف ضد ما يخالف المصلحة العامة أو يضر بالمال العام، سواء مع الحكومة أو ضدها، وسواء أعجب بعض الناخبين أم لم يعجبهم.

Ad

ألا يعلم أصحاب هذا الرأي أن سكوتهم عن الاقتراحات الشعبوية الضارة وغير المدروسة يعطيها شعبوية وانتشاراً كاذباً ويضعف الرأي السليم ويظن الجميع أنها اقتراحات سليمة ومطلوبة؟

لا يجوز أن نعذر النواب على سكوتهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ»، فذكر الأمير، والرجل في أهله، والمرأة في بيت زوجها، حتى وصل إلى الخادم، وقال: «أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (رواه البخاري وغيره)، إذاً فالكل مسؤول، فهل يعقل بعد هذا أن يقول قائل إن النائب غير مسؤول عن مواجهة القوانين السيئة وإنها مسؤولية الحكومة؟!

إذاً، فواجب النواب الشرعي والدستوري هو تأييد ونشر الرأي العلمي السليم الذي يصلح حاضر البلاد ومستقبلها بشجاعة بدلاً من سكوتهم وإلقاء العبء على الحكومة.

بالتأكيد هو واجب الحكومة، وواجبها أكبر من غيرها، ولكنه واجب النواب أيضاً وهم مسؤولون عن هذا الواجب.