هذا هو الحل الوحيد لأزمة البلاد
تضمن الخطاب الأخير لصاحب السمو، حفظه الله ورعاه، الذي تلاه سمو ولي العهد، حفظه الله، لافتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي السابع عشر إشارة واضحة ومركزة على وجود أزمة عميقة تشمل الحكومة والبرلمان والاختيارات الشعبية، ما يجب معها تلقف هذه الإشارة من ذوي الحصافة في المجتمع والشروع في وضع الحلول العميقة والشاملة للأزمة، وأنها حالة التحجر والتراجع وحالة الانتهازية السياسية وكل مسببات عدم الإنجاز. إن دستور الكويت وضع الأساس والأداة العلمية الناجعة لحل الأزمات حين نص في المادة (98) على: «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج»، ومع هذا الوضوح تم إهمال هذه المادة منذ فجر الحياة البرلمانية، وأصبحت جنينا ميتاً في بطن الدستور. هذه المادة تتفجر بالجديَّة، إذ تنص كما سبق على أن تتقدم كل وزارة، والقصد هنا الحكومة، ببرنامج عملها فور تشكيلها، وقد فصلنا القول في مقالاتنا السابقة بأن المفهوم والمنطوق واضح أنه يعني ما يقول، إذ ليس هناك بلاغة بل تتلامح منه صرامة واضحة لا لبس فيها بوجوب أن تتقدم الحكومة، ولم يقل تضع بل تتقدم فور تشكيلها ببرنامج عملها، وهذا يدل دلالة غاية في التحديد بأن برنامج العمل قد سبق تشكيل الحكومة، وأنها في الأصل اختيرت برئيسها وأعضائها بناء على برنامج العمل. والسؤال: من يضع برنامج العمل؟ والجواب: منظمات المجتمع المدني والكتل السياسية والنشطاء في مختلف الحقول، هؤلاء يشكلون الرحم والوعاء الحيوي لولادة برنامج العمل، وتتلقاه القيادة السياسية ليأخذ بلورته النهائية، ويكون هو المحدد لاختيار الحكومة، ونظراً لعدم وجود تطبيق للمادة (98) الخاصة ببرنامج العمل منذ فجر الحياة الدستورية والبرلمانية. ولتأسيس بداية صلبة لهذا الأمر العظيم، أقترح أن يجتمع أمثال العضو الفاضل بدر الحميدي والدكتور وزير الإسكان الأسبق عادل الصبيح، والدكتور ناصر المصري، والاقتصادي القدير الأستاذ جاسم السعدون، والوزير الأسبق للشؤون جاسم العون، ورئيس مجلس الأمة أحمد السعدون، ومن في مستواهم ممن قدموا مشاريع ورُؤى لوضع برنامج عمل بمعايير كمية وزمنية محددة ينحصر في هذه المرحلة في القضايا التي تعالج قواعد وإجراءات خصخصة كل القطاعات الإنتاجية التي تتولاها الحكومة (القطاع العام) من كهرباء وماء وتعليم وصحة وموانئ ومواصلات واتصالات ثابتة، وبريد ومطار وبعض الصناعات النفطية، ووضع نظام للضريبة، ونظام التأمين الصحي، وتسديد رسوم الدراسة لكل المراحل التعليمية، ودراسة وتقييم المشاريع الاستثمارية التي تحقق تنويع مصادر الدخل ومشروع توزيع نسبة من 25 في المئة من صافي أرباح الاستثمارات للصناديق السيادية، وتوزيع مليار ونصف من إيرادات القسائم الصناعية، والخدمية، والحرفية سنويا على المواطنين بالتساوي لتحسين مستوى المعيشة، ووضع سياسات تعديل التركيبة السكانية وفرض تكويت الوظائف في القطاع الخاص، وحل مشكلة الإسكان وفق أحدث التطورات في عالم البناء والتمويل، وبما يحقق سرعة الإنجاز، ووضع سياسات وإجراءات ونُظم متطورة تقضي على حوادث المرور القاتلة والحد من الجريمة بكل أشكالها.
يقدم برنامج عمل الحكومة المقترح أهدافه كمياً وزمنياً للقيادة السياسية لتختار الحكومة برئيسها وأعضائها على مقاسه، وبهذا تتحدد اختياراتنا السياسية وفق أرشد الأسس، فنصل إلى رتق الشق في شراع سفينة المجتمع المتوقفة لتندفع نحو الإنجاز والتقدم دون أن تلعب بها رياح الأهواء والمصالح والصراعات.