100 عام من النهضة المسرحية في الكويت
• جمعية الفنانين أحيت مئوية المسرح الكويتي بحضور فني كبير
أحيت جمعية الفنانين الكويتيين مئوية المسرح الكويتي، بندوة شارك فيها باقة من رواد المسرح الكويتي من مختلف الأجيال، وهم: الفنانان إبراهيم الصلال ومريم الصالح، والأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د. مساعد الزامل، والعميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية د. محمد بلال، إضافة إلى المخرجين عبدالله عبدالرسول وأحمد فؤاد الشطي، بحضور الأمين العام لـ «الوطني للثقافة» بالتكليف د. محمد الجسار، ورئيس الجمعية الفنان عبدالعزيز مفرح.
أدار الندوة الكاتبة والإعلامية أمل عبدالله، والتي بدأت كلمتها الافتتاحية بالحديث حول بواكير المسرح الكويتي، من خلال «محاورة إصلاحية» التي كتبها عبدالعزيز الرشيد عام 1922، وهي لم تكن عملاً مسرحياً، كما هو متعارف عليه اليوم، لكن مواقف نقدية كتبها وقدَّمها على مسرح مدرسة الأحمدية، وانتهى الأمر عند هذا الحد، وبعد 15 عاماً من هذا التاريخ جاء مَنْ يستنهض الفكرة، ويقدِّم عملاً مسرحياً متكاملاً على مسرح المدرسة المباركية، وهي مسرحية «إسلام عمر»، وكان الرجال يجسدون الشخصيات النسائية، في ظل غياب المرأة عن خشبة المسرح.مساعد الزامل: لمسرح الخليج العربي دور في التطوير من خلال الأعمال ذات التكنيك الفني العالي
وأوضحت أن حساسية الموقف الاجتماعي كانت وراء غياب المرأة عن خشبة المسرح، مشيرة إلى أنه تم إسناد دور السيدة فاطمة بنت الرسول إلى الفنان حمد رجيب، لكنه رفض، وطلب تجسيد شخصية رجل، وإن كان ظهورها خاطفاً على المسرح، تأكيداً للجماهير أنه رجل يمثل دوراً نسائياً، لظروف عدم وجود نساء بالمسرح الكويتي في هذا الوقت.
وهكذا بدأ حمد رجيب مسيرته من داخل المسرح المدرسي، حتى بدء إنشاء فرق مسرحية من داخل المدارس، كفرقة مدرسة المباركية المسرحية، وفرقة مدرسة الأحمدية المسرحية، ومدرسة الشرقية، لذلك فقد بدأ مسرح الكويت مدرسياً، وباللغة العربية الفصحى، لأنه كان مستمداً من التاريخ.
وقالت إن حمد رجيب استمر في عمله بالمسرح المدرسي حتى سافر عام 1944 في بعثة دراسية إلى القاهرة، فتسلَّم أمر المسرح الفنان محمد النشمي، الذي بدأ يقدم مسرحيات مرتجلة يناقش فيها القضايا الاجتماعية الشائعة في ذلك الوقت، وهي: غلاء المهور، والتثمين، والزواج من أجنبية، للفت نظر وانتباه الجمهور، وتقديمها بشكل ساخر يضحك الجمهور، كما أنها تدعو للإصلاح، واستمر المسرح في تطوره.
المسرح الارتجالي
وكان أول مَنْ تحدَّث من المشاركين في الندوة، العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية والناقد د. محمد بلال، الذي بدأ كلمته بالرد على ما قالته الكاتبة أمل عبدالله، موضحاً: «لم يكن ما يقدمه الفنان محمد النشمي مسرحاً ارتجالياً، فالارتجال هو أحد أساليب بناء وتكوين المسرحية، كما أن هناك رواداً مسرحيين اعتمدوا هذه الطريقة في أعمالهم، ومن ثم يتم تجميع النص وكتابته في صورة أكثر تكاملاً».
وأضاف: «أهم ما دفع المسرح للأمام في تلك المرحلة، هو تعليق سمو الشيخ الراحل أحمد الجابر على هذه المسرحية، حينما قال: (أين نحن من هذا؟)، وكانت هذه بمنزلة دعوة، وانطلاقة للمسرح في الكويت، حتى أصبحت مدارس البنات تشارك في الحركة المسرحية، منها المسرحيات التربوية، وهي نقطة مضيئة في تاريخ الكويت يجب ألا نتجاوزها».أمل عبدالله: بواكير المسرح الكويتي كانت مع «محاورة إصلاحية» لعبدالعزيز الرشيد
ولفت إلى أنه في عام 1943 ظهرت المسرحيات التي تقدَّم باللهجة المحلية الكويتية، وبأسلوب كوميدي، وكانت نقطة مضيئة في تاريخ المسرح الكويتي. وفي عام 1955 قدَّم الفنان محمد النشمي مسرحياته، التي عبَّرت عن الموضوعات والشخصية الكويتية، حيث تعتبر مسرحية «عشت وشفت» للفنان سعد الفرج «نقطة فاصلة» في تاريخ المسرح، حيث قدَّم بها خطاباً مختلفاً تضمَّن مطالبات للمرأة الكويتية، ومنها التعليم، مشيراً إلى الدور العربي في بدايات المسرح الكويتي، وتفاعل الأخير مع القضايا العربية.
فجر جديد
بعدها تحدَّث الفنان إبراهيم الصلال، قائلاً: «مسرحية (محاورة إصلاحية) كانت بمنزلة الفجر الجديد، والبوصلة التي راحت تؤشر صوب النور والمستقبل من أجل مسرح كويتي متميز يليق بالإنسان على هذه الأرض الطيبة. المسرح أكد أن الكويت ليست مجرد آبار نفط، لكنها إنسان وإبداع وإنجازات».
وتابع: «ما أحوجنا أن نتوقف أمام هذا اليوم، وهذه الاحتفالية بمئوية تأسيس المسرح في الكويت، لتكون الزاد للأجيال والتاريخ، فقد اقترنت تلك المسيرة بكم من المنجزات، التي تعددت وتنوعت بصماتها عبر أجيال من المبدعين ضحوا بحياتهم من أجل أن تظل أضواء المسرح منارة بالوعي والتوهج والمنجزات. تحية لكل نقطة عرق، ولكل كلمة صدحت بالحق، ولكل منجز إبداعي، ولكل تلك الأجيال التي تداخلت وتكاملت من أجل مسرح كويتي نفتخر به ونعتز، إنه يوم لا يُنسى في تاريخ الكويت الغالية، بل إنه يوم يجعلنا نشعر بالفخر والاعتزاز».
وأكد أن «ما حققته الحركة المسرحية عبر ذلك العقد من الزمان هو في الحقيقة منجز يحتاج منا إلى الكثير من التأمل والدراسة والتحليل، للتأكيد على المكانة والدور الذي قام به المسرح من أجل عملية خلق الإنسان والتنوير والنهوض والبناء والتعمير، والذي لم يكن له أن يتحقق لولا مناخ الحرية والديموقراطية التي نستظل بها. هكذا هو دور المسرح، وهكذا هي مكانته التي نفتخر بالانتماء إليها».إبراهيم الصلال: المسرح أكد أن الكويت ليست مجرد آبار نفط لكنها إنسان وإبداع وإنجازات
دعم المسرح
بدوره، قال الزامل إن الكويت دعمت الحركة المسرحية، لافتاً إلى «وجود حالة إبداعية كويتية في مجال المسرح، وأن الكويتيين يبحثون منذ الأزل عن الثقافة، حتى في سفرهم، ما صنع حالة غير عادية تفوقت فيها الكويت على الدول المجاورة المماثلة لنا في الظروف الاجتماعية وأثرت عليها».
وأضاف الزامل أن الكويت الصغيرة في مساحتها الحديثة في دستورها وطفرتها المالية، استطاعت أن تصل إلى حالة من التوهج الفني والإبداعي، لتتصدر المنطقة الخليجية، وتقدم إنتاجاً فنياً لافتاً ورائداً بالخليج والمنطقة العربية، لأن الشعب الكويتي يعج بالحياة وحُب الإبداع.
وأشار إلى استدعاء الفنان حمد رجيب للفنان المصري زكي طليمات، الذي وضع الأسس السليمة لإنشاء مسرح كويتي. وأكد أن المحاولات الفنية نهضت بالذائقة العامة، وزادت من فاعلية وشعبية المسرح في الساحة الكويتية، من خلال البحث والتجرد على الذات لنقد الذات، لافتاً إلى دور فرقة مسرح الخليج العربي في تلك النهضة، باعتبار المسرح الثوري كان قائد عملية التغيير والتطوير، من خلال أعمالهم ذات التكنيك الفني العالي، لذلك كان للفرق المسرحية الأهلية دورها الأساسي في دفع حركة المسرح بالكويت وريادتها عربياً وخليجياً.
دور المرأة
من جانبها، ذكرت الفنانة مريم الصالح أن المسرح الكويتي كان ارتجالياً في بداياته، حتى جاء الأستاذ زكي طليمات، «الذي له الفضل في إنشاء المسرح على أسس وقواعد سليمة»، مؤكدة أن «الكويت زخرت بمواهب نهضت بالمسرح والحركة المسرحية الكويتية، خصوصاً منذ فترة الستينيات في عهد الفنانين حمد المنيع ومحمد النشمي».
وأوضحت الصالح أنها التحقت بالمسرح الكويتي عام 1946 حينما تم السماح للمرأة بالعمل المسرحي، وكانت هي والفنانة الراحلة مريم الغضبان أول فنانتين كويتيتين تخوضان تجربة المسرح، وواجهتا صعوبة كبيرة في بدايتهما، وفي المقابل حظيتا بدعم، حتى استطاعتا إثبات وجود المرأة مسرحياً.
وأكدت أن «المسرح جبَّار وقوي، ورغم أن أصوله غير عربية، حيث ورد إلى المنطقة العربية من الحضارة اليونانية، وبعدها الرومانية، ثم الكنيسة في أوروبا، حتى تم استحضار التجربة إلى منطقتنا، وتطويره إلى ما وصل إليه الآن، وهو إنجاز حقيقي يعكس مدى أهمية المسح وقدرته على الاستمرار والتأثير في نفوس الشعوب والثقافات المختلفة».مريم الصالح: زكي طليمات له الفضل في إنشاء المسرح الكويتي على أسس وقواعد سليمة
وفي كلمته، قال المخرج عبدالله عبدالرسول إن المسافة الزمنية الممتدة خلال 100 عام لم تكن مجرد تراكم في الزمان والسنين، بقدر ما شكَّلت تراكماً في التجارب التي أفرزت منجزاً مسرحياً ثرياً عبر عقود طويلة من الزمن أكد فيها المسرح الكويتي أنه القوة الناعمة، وأحد الروافد الأساسية للمشهد الثقافي الكويتي على المستويين العربي والدولي.
وأضاف: «100 عام تحاكي دور الفنان المسرحي الكويتي، الذي قدَّم زخماً هائلاً من التجارب المسرحية التي حققت المكانة المهمة، وبصمة راسخة في ذاكرة وتاريخ الفن الكويتي، ومحط الأنظار في البُعدين الفني والثقافي منذ قرن من الزمان، وامتدت لوقتنا الحاضر، حيث إن لكل مرحلة من المراحل التاريخية للمسرح الكويتي بصمتها وروادها ونجومها وخطابها المسرحي، وتركت أثراً مهماً في تاريح المسرح العربي».عبدالله عبدالرسول: المسرح قوة ناعمة ورافد أساسي للمشهد الثقافي الكويتي عربياً ودولياً
رؤية دولة
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة المسرح العربي المخرج أحمد الشطي إن رواد العمل المسرحي والفنانين الكبار كانوا نتاج عمل ورؤية دولة، مؤكداً أهمية استحضار الماضي لوضع أهداف لاحقة وتأسيس مستقبل أفضل، لاسيما أن الشعوب الحيَّة هي التي تكون دائماً تواقة للبناء على أسس سليمة.
وأشار إلى الدعم الكبير الذي تلقاه المسرح الكويتي منذ عقود، موضحاً أن فرقة المسرح العربي أطلقت أولى مسرحياتها عام 1961، لافتاً إلى أن الميزانية المبدئية للمسرحية في ذلك الوقت كانت 15 ألف دينار، وانعكس هذا الدعم على تخريج أجيال وعقول فنية كبيرة، وكان ذلك في عصر بناء دولة وعصر نهضة، على كل المستويات، لا سيما الفنون، مؤكداً أن المسرح الرصين الذي يرتقي بالمجتمعات من مهام الدولة، وليس الفنان وحده، بل هي إرادة عليا تنخرط في تحقيقها كل شرائح المجتمع.أحمد الشطي: رواد العمل المسرحي والفنانون الكبار كانوا نتاج عمل ورؤية دولة
الجسار: المسرح يعكس تطلعات المجتمعات وهمومها... والاهتمام به أولوية
قال الأمين العام لـ «الوطني للثقافة» بالتكليف د. محمد الجسار، إن المسرح جزء من الفن، ويعكس تطلعات المجتمعات وهمومها ويحاكيها، لذا فـ «الاهتمام بالمسرح يجب أن يكون من الأولويات»، مضيفاً أن احتفالية جمعية الفنانين بهذه المناسبة تُعد دلالة على اهتمام الكويت بجيل الرواد والأجيال التي تلته، بغية الحفاظ على المسرح وتنميته والثقافة المجتمعية.وأوضح أن «الوطني للثقافة»، ممثلاً في قطاع الفنون، يرعى الكثير من الفعاليات التي تهتم بالمسرح، منها مهرجان المسرح المزمع إقامته قريباً، والذي يُعد تشجيعاً للشباب المتطلع لدخول عالم المسرح بمساندة قامات كبيرة، مشيراً إلى أن الاستراتيجية الخمسية التي وضعها وزير الإعلام رئيس «الوطني للثقافة» عبدالرحمن المطيري تعنى بالاهتمام بالثقافة كأولوية، و«نطمح إلى شراكات بين (الوطني للثقافة) ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص لدعم الحركة المسرحية».محمد الجسار: مهرجان المسرح المزمع إقامته قريباً يُعد تشجيعاً للشباب لدخول عالم المسرح