مثلما أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث للفلسطينيين والعرب الفرصة لإبراز قضيتهم وعرضها بعدالة أمام الغرب، وفضح تناقضاته ومعاييره المزدوجة، فإنها قد تكون فرصة للخليجيين أيضاً لفضح ما تتعرّض له دولهم من تخوين واتهامات، وبالتالي ما يتعرضون له كشعوب من شتائم وانتقاص وتعالٍ من بني عروبتهم ولا يصيب إلا لابسي الدشاديش فقط لا غير.
فقلّة الأدب لا تظهر واللسان الطويل لا يمتد إلا على أهل الخليج، لأنهم ربما يثقون بضعف ذاكرتنا ونقاط ضعفنا وبحثنا عن الستر تجاه الصوت العالي، رغم فراغه وكذبه في غالب الأحيان، ولا أحد يوجّه ربع هذا الكلام لدول عربية وإسلامية أخرى لا تختلف مواقفها كثيراً عن مواقف دول الخليج، بل وبعضها أسوأ منها، وذلك ربما خوفاً من شعوبها الشرسة وجالياتها في الغرب، فإن كان الخليج غنياً بالنفط، فكذلك الجزائر وليبيا، ومواقفهما ليست أفضل حالاً من مواقف دول الخليج، وجيوشهما لم تتحرّك للقدس، ولا نسمع عنهم كلمة واحدة، أما تركيا أردوغان، أول دولة إسلامية تطبّع مع العدو، والتي يمرّ من خلال أراضيها أنبوب النفط لإسرائيل، فلا أحد يجرؤ أن يمسّها بسوء، بينما إيران وفيلق القدس في حالة عمى مؤقت هذه الأيام وجماعتها في حالة فقدان ذاكرة عابر أيضاً.
الغربيون ليسوا أغبياء لهذه الدرجة، فإن كانت معاييرهم مزدوجة مع إسرائيل وإنسانيتهم مفقودة إزاء الدم الفلسطيني، فقد يكون دعاة الموضوعية والإنسانية عندنا طرفاً في ذلك، فعندما يرى الغربيون أن مَن يهاجم إسرائيل اليوم بدعاوى الإنسانية وغيرها كان يرحب بالأمس بقتل الإنسان السوري على يد حزب الله والجيش الإيراني، أو لا يمانع بتصفيات «حماس» لأفراد «فتح» في غزة، أو لم تهزّه مظاهرات الشعب الإيراني وعمليات قمعها، أو حبس الآلاف في تركيا بعد الانقلاب الفاشل، وغيرها من الأحداث التي تكشف ازدواجية المعايير عند بني قومنا ويعتبرونها حنكة سياسية وفهلوة لا يجاريهم فيها أحد، فلا يُلام الغرب بعدها، ولن يؤثر بهم اللطم والعويل، فالقتيل دائماً وفي كل مكان لا تفرق معه جنسية وديانة قاتله، لكننا نضع المعايير للعدو ونعفي منها الصديق لنفرّق بينهما، وغالباً ما يكون كلاهما ألعن من بعض علينا، وحليفين لمصلحة بعض، ولنهرب من كل هذه التناقضات، نشتم الخليجيين لننفّس ونرتاح ونظهر بمظهر الثوري المتعالي الذي يرى ما لا يراه ولا يفهمه الآخرون، اعدلوا معاييركم واعتدلوا يرحمكم الله، ليعتدل الآخرون معكم.