واشنطن تقلّص مهلة «حرب غزة» وتحذّر إسرائيل من تآكل الدعم
• اجتماع عربي ـ أميركي في عمّان... والعاهل الأردني يرفض أي فصل بين القطاع و«الضفة»
• الاحتلال يتجه لتكثيف العمليات البرية وتخفيف الغارات... ومسيّرات أميركية تبحث عن الرهائن
بعد خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، أمس الأول، الذي اعتبر على نطاق واسع مؤشرا يقلل من احتمالات اندلاع حرب إقليمية واسعة، اتجهت الأنظار إلى المساعي التي تبذلها واشنطن للتوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة الفلسطيني، والبدء في رسم إطار مفاوضات سياسية قد تؤدي إلى نهاية الحرب في القطاع الذي يتعرض لهجوم إسرائيلي منذ 29 يوماً.
في هذا الإطار، عقد وزراء خارجية دول كل من مصر والسعودية والإمارات وقطر وممثل السلطة الفلسطينية اجتماعاً أمس، في العاصمة الأردنية عمان، قبل لقائهم نظيرهم الأميركي أنتوني بلينكن القادم من إسرائيل، حيث قوبلت دعواته إلى هدنة انسانية بالرفض من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اشترط الإفراج عن الرهائن والأسرى الذين تحتفظ بهم «حماس» في غزة قبل أي وقف للنار.
وقبل الاجتماع العربي ـ الأميركي، التقى العاهل الأردني بالوزراء العرب وأعلن رفض الأردن التام لأي محاولة للفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي وقت سابق، قال وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، إن اجتماع وزراء الخارجية العرب مع بلينكن، سيوضح الكثير من الأمور، «وسيرسم خريطة التحركات الأردنية في الأيام المقبلة».مقتل 9488 فلسطينياً جرّاء العدوان الإسرائيلي... وتركيا تستدعي سفيرها من تل أبيب
وأضاف مبيضين، أن اتخاذ الحكومة أي خطوة تصعيدية جديدة على المستوى الدبلوماسي بعد سحب السفير الأردني من تل أبيب متروك لقرار العاهل الأردني ووفق ما تقتضيه تطورات «الاعتداء العسكري المتواصل على قطاع غزة».
وفي القاهرة، شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، على أن موقفاً عربياً «موحداً لا يقبل الاهتزاز ولا المواربة» سيُنقل إلى وزير الخارجية الأميركي خلال الاجتماع في عمّان. وأضاف: «ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية، وأولوية دخول المساعدات، لا للتهجير، وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو الحل».
مهلة أميركية
وأوردت شبكة «سي إن إن» الأميركية أن الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار مستشاريه حذروا إسرائيل بقوة من أنه سيصبح من الصعب عليها الاستمرار في تحقيق أهدافها العسكرية في غزة، مع اشتداد الغضب العالمي بشأن حجم المعاناة الإنسانية هناك.
وأوضحت الشبكة في تقرير لها أن بايدن ووزير الدفاع لويد أوستن وبلينكن، ضغطوا جميعاً وبصراحة وأخبروا الإسرائيليين بأن تآكل الدعم ستكون له عواقب استراتيجية وخيمة على عمليات إسرائيل العسكرية في غزة والعنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت إنه وراء الكواليس، يعتقد المسؤولون الأميركيون بأن هناك وقتاً محدوداً، أسابيع وليس أشهراً، لإسرائيل لتحقيق هدفها المعلن بإخراج «حماس» في عمليتها الحالية.
وكانت «الجريدة» كشفت بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل الشهر الماضي أنه تم الاتفاق على منح إسرائيل مهلة 3 أشهر. ويتناقض ذلك مع توقعات لجنرالات إسرائيليين أبلغوها لمجلة إيكونوميست البريطانية تقدر استمرار العمليات في غزة لمدة عام.
تغير في تكتيك الحرب
جاء ذلك في وقت توقع مسؤولون أميركيون مرحلة جديدة من الحرب بين إسرائيل و«حماس» في الأيام المقبلة، حيث تقوم إسرائيل بتقليص حجم حملتها الجوية وتركز على عملية برية أكثر تكتيكية بهدف «تطهير الشبكة الواسعة من مجمعات الأنفاق تحت الأرض التي تعمل حماس من خلالها».
وأتى الحديث عن تغيير طبيعة العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل رداً على هجوم «حماس» غير المسبوق الذي شنته في السابع من أكتوبر الماضي وتسبب بمقتل 1587 إسرائيلياً، بالتزامن مع تقرير لهيئة البث الإسرائيلية جاء فيه أنّ «مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى حثّوا إسرائيل على البدء بمناقشة مسألة اليوم التالي لنهاية الحرب».
مسيّرات أميركية
وفي وقت حملت «حماس» الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته مسؤولية المجازر التي ترتكبها إسرائيل باستخدام المقاتلات الحربية والأسلحة الأميركية، أفاد تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن طائرات مسيّرة أميركية تجوب أجواء القطاع الفلسطيني للمساهمة في البحث عن الرهائن المحتجزين لدى الحركة والبالغ عددهم 240 يعتقد أن من بينهم 10 أميركيين والعشرات من مزدوجي الجنسية. وقالت الصحيفة الأميركية، إن هذا الأمر يظهر أن الجيش الأميركي متورط أكثر مما هو معلن في ما يجري في غزة.
قصف الفاخورة
وركز الجيش الإسرائيلي أمس، هجماته على أهداف مدنية وبنى تحتية في قطاع غزة وقصف مدرسة الفاخورة، في مخيم جباليا شمال قطاع غزة التي تأوي نازحين ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً.
وأظهر تحليل لصور أقمار صناعية وصور وفيديوهات، أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أن إسرائيل استخدمت قنبلتين على الأقل تزن الواحدة منها 907 كغم، الثلاثاء الماضي، خلال قصفها لمخيم جباليا، وهي منطقة مكتظة بالسكان، مما أسفر عن مقتل وجرح مئات المدنيين.
وتساءلت «نيويورك تايمز» عن استخدام إسرائيل لـ «ثاني أكبر قنبلة بترسانتها» في منطقة مكتظة بالسكان مثل جباليا، وما إذا كانت الأهداف المقصودة تتناسب مع عدد الضحايا المدنيين والدمار الذي تسببه ضرباتها.
وطالت الضربات الإسرائيلية بنية تحتية مدنية بينها سيارتا إسعاف ومحيط 3 مستشفيات بالإضافة إلى تدمير 3 مساجد وخزانات مياه عمومية وألواح شمسية ومولودات كهربائية.
واستهدفت مسيرة إسرائيلية، منزل رئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، إسماعيل هنية، بصاروخ في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، كما تعرض محيط عدة مستشفيات كبيرة بينها الشفاء بمدينة غزة والإندونيسي بوسط القطاع ومستشفى كمال عدوان لقصف.
وطال القصف الجوي المكثف، الذي وصف بأنه يشبه الحزام الناري، حي الزيتون شرقي مدينة غزة ودمر عدة أبنية تابعة لجامعة الأزهر في منطقة المغراقة وسط القطاع.
«طريق الرشيد»
وبعد مرور تسعة أيام على بداية توغله البري بشمال القطاع، عبر 3 محاور رئيسية، هي بيت حانون من شرق وغرب القطاع، ومحور بيت لاهيا ومنطقة العطاطرة عند الخط الساحلي عبر طريق الرشيد، ومنه إلى منطقة التوام وشارع النصر وحي الكرامة، ومحور جنوبي حي الزيتون إلى مفترق نيتسيريم، جنوبي مدينة غزّة، في اتجاه شارع الرشيد البحري، أفاد جيش الاحتلال بأن قواته نفذت عملية توغل محددة في جنوب القطاع بهدف «رسم خرائط للمباني وتطهير المنطقة من العبوات الناسفة المزروعة» لإعداد المنطقة للمراحل القادمة من الحرب.
وأقر بأن القوات واجهت خلال العملية خلية تابعة لـ«حماس» خرجت من أحد الأنفاق، وقال إن عناصره قصف النشطاء وقتلهم. في المقابل، أعلنت «كتائب القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» أنها قتلت 5 جنود إسرائيليين خلال وجودهم في منزل بشمال القطاع. وتصدت عناصر حركتي «حماس» و«الجهاد» للجيش الإسرائيلي في بيت لاهيا والعطاطرة ودباباته وقواته المتوغلة وخاضت معه اشتباكات عنيفة على باقي المحاور.
ووسط تشكيك في تحقيق القوات المهاجمة لتقدم ملموس على الأرض باتجاه المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، تحدثت تقارير عبرية عن «عملية كبيرة» سيطر خلالها جنود الجيش الإسرائيلي على معقل عسكري لـ«حماس» في شمال غزة. وواصلت «حماس» و«الجهاد» إطلاق رشقات صاروخية مكثفة على بلدات «غلاف غزة» الإسرائيلية وتل أبيب وبئرالسبع.
وغداة انتشار فيديو يظهر مشاهد صادمة لنازحين فلسطينيين بينهم نساء وأطفال تعرضوا لقصف إسرائيلي على طريق الرشيد الساحلي الذي حدده الجيش الإسرائيلي في وقت سابق كمسار آمن للنزوح من الشمال إلى جنوب القطاع، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في بيان عبر «اكس»: «سكان غزة، أود إعلامكم أن جيش الدفاع سيسمح لكم بالمرور على طريق صلاح الدين اليوم بين الساعة الواحدة والساعة الرابعة مساء، من أجل سلامتكم، انتهزوا الوقت القادم للتحرك جنوباً إلى ما بعد وادي غزة».
وفي آخر إحصائية أسفر العدوان الإسرائيلي عن مقتل 9488 شخصاً، منهم 3900 طفل و2405 نساء، وإصابة 23516 شخصاً. وخلال الساعات الماضية، ارتكب الاحتلال 16 مجزرةً، راح ضحيتها 198 قتيلاً.
آلية الوقود
في السياق، أكد المبعوث الأميركي الخاص للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، أمس، أن هناك آلية «متفقاً عليها» لإدخال الوقود إلى غزة حال نفاده من أجل شاحنات المساعدات وتحلية المياه والمستشفيات في جنوب القطاع، لافتاً إلى أنه لم تكن هناك حالات مسجلة لقيام «حماس» باعتراض المساعدات أو الاستيلاء عليها.
من جانب آخر، أوضح مصدر أمني مصري أن 55 فلسطينياً يحملون جوازات سفر أجنبية، غالبيتهم من المصريين، عبروا معبر رفح من غزة إلى مصر. وأضاف أن 47 شاحنة مساعدات إنسانية عبرت معبر رفح إلى الجانب الفلسطيني. وذكر المصدر أن 50 شاحنة مساعدات أخرى في طريقها للتفتيش من جانب إسرائيل قبل عبورها.
أردوغان وتركيا
على صعيد ردود الفعل الدولية والإقليمية، أكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الأميركي دعمهما «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقا للقانون الدولي»، لكنهما شددا في الوقت نفسه على أهمية الالتزام بالقانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، وأعربا عن قلقهما العميق إزاء الأزمة الإنسانية في المنطقة.
وفي أنقرة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن غزة لا بد أن تكون جزءاً من دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة بمجرد انتهاء الحرب الحالية، مضيفاً أن أنقرة لن تدعم نماذج «تمحو الفلسطينيين بالتدريج من التاريخ».
وقال إنه لن يتخذ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نظيراً له ولن يتعامل معه أبداً، لكنه أضاف أن أنقرة لن تقطع علاقاتها مع إسرائيل. وأعلنت وزارة الخارجية التركية استدعاء السفير التركي من تل أبيب للتشاور.